أوباما نطاط الصخور .. I Have a Dream - محمد المخزنجي - بوابة الشروق
الخميس 2 مايو 2024 9:06 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

أوباما نطاط الصخور .. I Have a Dream

نشر فى : الأربعاء 3 يونيو 2009 - 10:12 م | آخر تحديث : الخميس 4 يونيو 2009 - 7:22 م

 هل لاحظتم الطريقة التى يهبط بها أوباما سلم الطائرة؟

إنه يهبط مسرعا، ويداه تهتزان قريبتين من صدره، وكأنه فارس على ظهر حصان يعدو به خببا. بالطبع يمكن أن يكون هذا مشهدا من أرشيف المعركة الانتخابية التى خاضها مع عصابة الضباع العواجيز، تشينى ورامسفيلد وتابعهما الضئيل بوش، رسالة تقول للناخبين: أنا شاب وحيوى ومختلف عن هؤلاء.

لكن وضع اليدين قريبا من الصدر لدى الرجال، يمكن قراءته بلغة الجسد كتعبير ودود عن الوفاء والصدق. يذكرنا بتعبير الاحترام والمحبة لدى شعوب شرق آسيا، وتعبير التفانى لدى العشاق الصغار فى اللقاءات الأولى.

واضح أننى أحب أوباما، لكن هذا لم يمنعنى من محاولة استكشاف تركيبته النفسية، بوسيلة بسيطة من وسائل الفراسة هى (المشابهة بالحيوان)، فمن صفات الحيوان الشبيه، يمكن استنباط التكوين النفسى للإنسان المراد سبر أغواره.

أمسكت بإحدى الموسوعات العلمية المصورة للحيوان، وتركت مجموعة من صور أوباما على شاشة الكمبيوتر، ورحت أضاهى باحثا عن صلة الشبه، فلم أقتنع إلا بنوع من الظباء يسمى «وثاب الصخور» Klipspringer، وهو ظبى يعيش فى موطن استثنائى للغاية، على التلال الصخرية وحواف الأجراف، ينهض على أطراف أظلافه المطاطية الصغيرة، فيستحكم فى وقفاته الخطرة، ويجيد الوثوب من صخرة إلى صخرة.

وإضافة للتشابه الذى يوحى به هذا الظبى مع أوباما، من حيث رشاقة القوام والعيون السود والقدرة الفائقة على التوازن على الحواف الحرجة، فإنه يوشك أن يكون كينى الأب مثل أوباما، فهو يكثر فى كينيا وينتشر فى شرق أفريقيا وصولا إلى أقصى جنوبها، وأكثر ما أدهشنى فى التشابه بينهما، هو الطريقة التى يتقرَّب بها هذا الظبى من أنثاه، فهو يشب فى مواجهتها على قائمتيه الخلفيتين رافعا قوادمه أمام صدره، كأنه أوباما يهبط على سلم الطائرة باتجاه منتظريه!

هذا عن الصفات الفيزيقية، فماذا عن الصفات النفسية؟ هذه يمكن استجلاؤها من واقع سلوك الظبى، فهو مخلص لشريكة حياته، لا يلعب بذيله، لأنه يكاد يكون بلا ذيل، محب لموطنه حتى إنه لا يغادره إلا مضطرا فى المواسم القاحلة، ولا يلبث حتى يعود إليه، وهو يُعلِّم حدود هذا الموطن بمادة عطرية سوداء تنساب من غدتين تحت عينيه. حريص جدا على صغاره حتى إنه يخفيهما فى مخبأ بين الصخور، ولا يسمح لهما بالخروج منه إلا بعد شهرين أو ثلاثة، شرط أن يظلوا بصحبته مع الأم، وهذه أيضا لها نصيب من ودِّه، فهو دائما معها، وعندما تنشغل هى برعى العشب بين الصخور، يظل هو رافعا رأسه ليحرسها من أى مفترس يقترب، ولا يأكل حتى تشبع هى، فيشرع فى الرعى بينما تأخذ مكانه فى الحراسة.

ويبقى أنه كسائر الظباء والغزلان، يفتدى صغاره بنفسه فى مواجهة هجمات المفترسين مهما كانت وحشيتهم، ذئابا أو فهودا أو نسورا أو أفاعى عملاقة. وهو ديمقراطى بالفعل عندما يكون قائدا لقطيع، ينتظر قطيعه حتى يشبع الكل بنسبة أكثر من 60% قبل أن يأمر بترك المرعى، كما أنه يؤاخى أى قطيع آخر يتشارك فى المرعى، مادام هناك عشب للجميع!

هذه الصفات تبدو حتى الآن مثالية، لكن هذه ليست كامل الصورة، فهناك منطقة خطرة لدى هذا الظبى، فبراعته فى الاستحكام والتواثب بين الصخور، تجعله لاعب أكروبات واثقا من عدم السقوط وهو يتقافز، فلا يرتدع عن القيام بقفزات خاطئة أحيانا. ولعل هذا ما حدا بالكاتب الأمريكى (سكوت فيتزجيرالد) أن يضع فى روايته الصادرة عام 1925 (جاتسبى العظيم) شخصية إنسان بلا قلب يسميه klipspringer، ما إن يرحل صديقه، حتى ينساه، لا يحضر جنازته، ولا يهمه من ذكراه إلا زوج من أحذية التنس تركه فى قصره ! وأمام هذه السمة أريد التوقف.. فالقفزة الخطرة لأوباما الذى أحبه، كما يحبه ملايين من العرب والمسلمين، وأحرار العالم الذين سئموا انحطاط عصابة اليمين المحافظ التى كادت تودى بالعالم، يمكن أن تكون فوق رءوسنا نحن العرب بالذات، ولصالح الانحياز الجائر للانحطاط الإسرائيلى، وهو ما درج عليه الغرب الذى يزعم التحضر، وفى مقدمته أمريكا.

وسأذكر مثالا واحدا لهذا الانحطاط، وهو بالمناسبة يتعلق بعالم الحيوان، ويُفضى إلى البشر!

ففى ظل العصابة الإجرامية التى حكمت الولايات المتحدة قبل أن ينتصر عليها أوباما انتخابيا، جرى تنسيق بين وزارة الدفاع الأمريكية وإسرائيل فيما يسمى (مجال الكلاب العسكرية)، وتحديدا وحدة (عوكتس) المختصة باستخدام الكلاب المدربة الشديدة التوحش من نوع (أمتساف) و(بوب تراير) و(بانغو)، ضد الفلسطينيين.

وتمخض هذا التنسيق عن مركز بحثى مشترك، أمريكى ــ إسرائيلى، كانت أهم إنجازاته كلاب مهجنة بنُطَف ذئاب وخنازير، بهدف معلن هو أن تكون أكثر تركيزا على كشف الأسلحة والمتفجرات، وأسرع فى الانقضاض على المهاجمين. لكن الحقيقة أبعد وأقذر من ذلك بكثير، حتى إنها أربكت الإسرائيليين أنفسهم.

فقد حدث بعد أن نشرت وكالات الأنباء العالمية صورا لهذه الكلاب العسكرية وهى تنتهك جسد امرأة فلسطينية من قرية العبيدية جنوب القدس، خلال عملية دهم لاعتقال مطلوبين من البلدة، أن اضطرت المحكمة العليا الإسرائيلية إلى وضع قيود على استخدام هذه الكلاب. وأمام لجنة من البنتاجون الأمريكى، حاول قائد وحدة (عوكتس) أن ينفض يده من الفضيحة، فقال إنه غير متحمس لاستخدام هذه الكلاب عوضا عن الدروع البشرية (من المدنيين الفلسطينيين طبعا)، لأن هذه الكلاب عندما تتعرض لإطلاق النار دون أن تكون إصابتها قاتلة، تشكل خطرا على كل من يقف فى طريقها، دون تمييز!

فإذا كانت هذه الكلاب كذلك، فما هو سر الحرص على مضاعفة أعدادها من 150 إلى 300 ؟ ولماذا إصرار البنتاجون على إنجاز برنامج للمترجم العسكرى الآلى، يُثَبَّت على رقاب هذه الكلاب التى اعتادت تلقى الأوامر باللغة العبرية فى فلسطين، مما يعنى أنها ستتلقى أوامرها بالإنجليزية من جنود وضباط أمريكيين ؟ سأجيب عن ذلك، وسأعتبر إجابتى وهذا المقال شكوى موجهة لإدارة أوباما، لأن الأمر يرتبط بخصوصية ثقافية وإنسانية تتعلق بنا نحن العرب تحديدا، والمسلمين والشرقيين عموما، الذين يخاطبهم أوباما اليوم !

فتهجين الكلاب العسكرية الإسرائيلية بنطف الذئاب مفهوم، حتى تزداد وحشية، أما إضافة نطف الخنازير فهى تُخفى شيئا لا يقل بشاعة عن الوحشية الدموية للكلاب الذئاب، وهو أمر يعرفه علماء سلوك الحيوان Ethology، فالخنازير مجبولة على شبق غشوم، وإذا تم تدريبها على اغتصاب البشر، فإنها لا ترعوى ولا ترتدع بأى صراخ إنسانى أو مقاومة بشرية.

ومن هنا، تتضح فداحة الجرم الإسرائيلى والشراكة الأمريكية على عهد رامسفيلد وتشينى وبوش، فالمسألة ليست مجرد نهش لحم المطلوبين العرب، بل إذلالهم اغتصابا بسعار كلاب مذؤوبة ومخنزرة، وهو إذلال يدرك مداه من يعرف شيئا عن الثقافة الإسلامية كأوباما. أوباما الذى لا أشك فى عمق تحضره وثقافته، وإن كنت أشك فى المدى الذى يستطيع أن يذهب إليه فى مواجهة إرث انحطاط الإدارة الأمريكية السابقة.

ومع ذلك، لا يمكننا إلا أن نتشبث بالأمل، أمل استعادة الولايات المتحدة للبعد الأخلاقى فى تعاملها مع نفسها ومع العالم، بعد أن أوشكت لا أخلاقية عصابة المحافظين الجدد أن تُهلك البشرية، وضمنها الشعب الأمريكى، بالحروب، والفساد الاقتصادى، والمؤامرات السرية، ودعم أشرار العالم ضد العدل والحق والحرية، واعتماد أكثر الوسائل خسة للوصول إلى الأهداف الأنانية القذرة.

لكن، يبقى بعض الأمل، وكثير من الحلم، ومطلب صغير صغير، أن تسمِّى الإدارة الأمريكية تحت قيادة أوباما الأمور اللاأخلاقية بأسمائها الحقيقية. أن تسمى الجدار العازل، واغتصاب الأراضى العربية، وتجريف مزارع الزيتون، وحرق حقول القمح، وسرقة المياه لتعطيش البشر والشجر، ونسف البيوت، والحصار، والتجويع، والترويع، وقبر الآلاف بمن فيهم نساء وأطفال فى السجون الاسرائيلية.. أن تسمى كل هذه الممارسات بالاسم الذى تستحقه! ونسمِّى نحن أيضا مظاهر الجنوح الإجرامى لدى بعض المتعصبين منا بالاسم الذى تستحقه.

وإنى لأسمع أصداء صوت مارتن لوثر كنج تتردد فى كل الآفاق:
(I Have a Dream).
نعم.. عندى حلم.

محمد المخزنجي كاتب مصري كبير ، وطبيب أمراض نفسية ، ولد في المنصورة ، وعمل في مجلة العربي الكويتية ثم تفرغ ككاتب حر ، يُعتبر من أبرز كتاب القصة في العالم العربي ، وله إسهامات متفردة في الكتابة العلمية وأدب الرحلات والمقال الصحفي .