دروس من الثلاثينيات - محمد سعد عبدالحفيظ - بوابة الشروق
الثلاثاء 16 أبريل 2024 3:41 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

دروس من الثلاثينيات

نشر فى : الأحد 3 مارس 2019 - 12:10 ص | آخر تحديث : الأحد 3 مارس 2019 - 12:10 ص

استهل إسماعيل صدقى باشا رئيس وزراء مصر الأسبق حكمه، بتعطيل الحياة النيابية، وإلغاء دستور عام 1923، ضاربا عرض الحائط بالاحتجاجات الجماهيرية التى عمت البلاد، وتصدى لها بالرصاص وسقط فيها شهداء ومصابون وألقى القبض فيها على مئات المواطنين.
تولى صدقى رئاسة الحكومة بمرسوم صدر من الملك فؤاد الأول فى 19 يونيو عام 1930، ومنذ تنصيبه، سعى إلى كتم أنفاس البلاد والعباد بالعنف والقمع، سجن المعارضين وعمل على إسكات الصحافة وحصارها، فعطل عشرات الصحف وحبس فى محاكمات مصطنعة عشرات الصحفيين، وقنن ذلك عبر تعديل قانون العقوبات وقوانين الصحافة والمطبوعات، وأخرج بالاتفاق مع السراى دستور 1930، الذى منح الملك صلاحيات واسعة على حساب البرلمان.
لم يمنع قمع صدقى وجبروته أصحاب الرأى من ممارسة حقهم الطبيعى فى الدفاع عن حرية الشعب وعن منجز ثورة 1919 الأهم.. حينها كتب الأستاذ عبدالقادر حمزة رئيس تحرير «البلاغ»: «أن الدستور هو الثمرة الوحيدة التى خرجت بها الأمة من جهادها الوطنى، وأن صدقى رد الأمة إلى الخلف خمسين عاما»، مؤكدا أن الأمة التى ثارت من أجل سلطتها فى سنة 1882 لن تسكت على ضياع سلطتها.
وهاجمت «البلاغ» دستور 1930، وسمته الدستور «الصدقى» ورفضت كل ما نتج عنه من مجالس نيابية أو قوانين وقرارات، مؤكدة أن دستور 1923 هو المنجز الوحيد لنضال الشعب المصرى بعد كفاحه المرير مع الاحتلال الانجليزى واستبداد السراى.
أما محمد توفيق دياب صاحب ورئيس تحرير جريدة «الجهاد»، فكتب حينها مقاله الشهير «لا طاعة لحاكم فى معصية الدستور»، قال فيه: اسمعوا واعلموا علما يقينا لا خفاء فيه ولا رياء، أن هذا الدستور لو هدمه الهادمون مرة أخرى، فإن الأمة ستقيم صرحه من جديد».
وكان صدقى قد تولى الوزارة، عقب تقدم وزارة حكومة مصطفى باشا النحاس باستقالتها، إثر محاولات الملك عرقلتها، ووصلت الأزمة إلى ذروتها بعد رفض فؤاد التصديق على قانون لمحاكمة الوزراء الذين ينقلبون على الدستور أو يقومون بحذف حكم من أحكامه أو تعديله بغير الطريق الذى نص عليه الدستور.
حضر النحاس باشا وأعضاء حكومته إلى مجلس النواب فى 17 يونيو، لمناقشة رفض الملك التوقيع على قانون محاكمة الوزراء، وأعلن النواب تأييدهم لموقف الحكومة، وتحدث الأديب والمفكر والصحفى عباس محمود العقاد الذى كان نائبا حينها بالبرلمان، وقال: «حضرات النواب، أرى أن مجلس النواب لابد أن يكون له موقف حازم وواضح من هذا العبث السياسى، لأن الأزمة ليست أزمة مجلس الوزراء فحسب، بل هى أزمة مجلس النواب نفسه، بل أزمة الدستور المصرى، وليعلم الجميع أن هذا المجلس مستعد لأن يسحق أكبر رأس فى البلاد فى سبيل صيانة الدستور وحمايته».
أدرك رئيس مجلس النواب ويصا واصف باشا خطورة الكلمة، وأمر بحذفها من المضبطة، لكن الصحف نشرت الكلمة فى اليوم التالى، فأحيل إلى التحقيق بتهمة العيب فى الذات الملكية.
واجه رئيس النيابة العقاد فى التحقيقات بعناوين بعض مقالاته التى دافع فيها عن الدستور منها: «لا لاستعباد مصر وتعذيبها»، و«الرجعيون والإنجليز»، و«سيعدل الدستور ولكن كيف»، و«الرجعية هى العدو الأكبر فى الأزمة الدستورية».
وأشارت النيابة إلى أن المقالات المنشورة تمثل جرما كبيرا فهى تمس أكبر رأس فى الدولة، وتصدى المحامى الكبير مكرم عبيد للدفاع عن العقاد وقال فى مرافعته أمام المحكمة: «الواقع أن هذه القضية التى تدور بين النيابة والأستاذ العقاد هى فى الحقيقة بين الرجعية والدستور»، موضحا أن ما عناه العقاد بعبارة «أكبر رأس» هى الوزارة الحالية كما هو ظاهر من مقالاته والحكومة خافت من تلك المقالات فحاولت إسكاتها بتعطيل الجرائد التى يكتب فيها العقاد، كما عطلت غيرها من الجرائد.
حكم على العقاد فى تلك القضية بالحبس 9 أشهر، ورغم ذلك لم تتوقف الصحف عن مهاجمة الحكومة «الصدقية» واستمرت فى الدفاع عن دستور 1923 واعتبرته منجز الأمة وثمرة نضالها، وتحت ضغط الاحتجاجات الشعبية سقطت حكومة صدقى ثم سقط دستور 1930 واعتبرت تلك الفترة بمثابة ردة وانتكاسة عن الحياة الديمقراطية، وأعيد العمل بدستور 1923 فى ديسمبر 1935.
لا استقرار ولا تقدم ولا تنمية دون دستور يُحترم، يحدد القواعد ويرسم العلاقات، والعبث والتلاعب بنصوصه لن يفضى إلا إلى اضطرابات وكوارث، فتعود الأمة إلى العصور الحالكة.

التعليقات