..عن الفن والحياة - عماد الغزالي - بوابة الشروق
السبت 18 مايو 2024 3:03 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

..عن الفن والحياة

نشر فى : الأحد 4 مارس 2012 - 8:00 ص | آخر تحديث : الأحد 4 مارس 2012 - 8:00 ص

نذر المؤلف وهو صاحب أهم الإنجازات فى تاريخ الثقافة المصرية منذ شغل منصب وزير الثقافة فى حكومة الثورة حياته للفن والثقافة. ومطالعة مؤلفاته وترجماته ودراساته تكشف عن هذا الميل، فهو يرى الفن «ضرورة من ضرورات الحياة.

 

شأنه شأن الخبز سواء بسواء، بل قد يكون أوجب للحياة من الخبز نفسه». هذا الكتاب «الفن والحياة»، الصادر عن دار الشروق، على صغر حجمه، يلخص رؤية صاحبه فى علاقة الفن بالحياة، فالحضارة فيما يرى، ليست فيما انتهت إليه من وسائل تكنولوجية والكترونية، فهذه الوسائل هدفها أن تتيح للإنسان أن يبدع فى يسر، وتلمس الحضارة لا يجده الإنسان إلا فيما خلف من الآثار الفنية. ويرى المؤلف الرباط وثيقا بين الفن والأخلاق، وكلاهما نشأ من الإحساس بالإجادة، «فلا جمال إلا عن إجادة ولا إجادة إلا وغايتها إلى جمال».

 

ويشير إلى ما تنبهت إليه الكنيسة قديما من أثر الفن فى النفوس، فأمسكت بزمامه فى يدها، وفرضت على الفنانين رقابة صارمة مخافة أن يصدر عنهم ما يشكك الناس فى العقيدة أو ينحرف بهم عن طريق الدين القويم، خصوصا بعدما تعرضت له الكنيسة الكاثوليكية من تداع إثر دعوات الإصلاح الدينى التى تزعمها مارتن لوثر كنج. وانعكس ذلك على النتاج الفنى فى عصر «الباروك» الذى هجر ما شدَّد عليه أسلوب عصر النهضة الذى نادى بتحكيم العقل فى تحديد أثر العمل الفنى، والجنوح أكثر إلى الإبهار بهدف تضليل العقل وإغراقه فى بحار الوهم والغيبيات. وما خشيته الكنيسة من انطلاق الفن بلا ضابط، هو ما خشيه نفر من المسلمين فحالوا دون انطلاق الفن انطلاقته الحرة، ما جعل الفن الإسلامى قرونا عدة مقصورا على الزخرفة، وهو ما أنتج أروع ما يؤثر من فن الأرابيسك الذى غدا فنا إسلاميا أصيلا. الفنون كما رأها أرسطو بحق بقيت وسيلة للتطهر، والفنان سواء كان معبرا عن روح الجماعة أو عن ذاته وآلامه وأحلامه، هو ابن زمنه وتقلباته التى تظهر فى إبداعه، وبهذا المعنى فإن فن عصر من العصور هو تعبير عن المظاهر الاجتماعية والاقتصادية التى سادت ذلك العصر، وكثيرا ما تتلاقى الفنون ليكمل أحدهما الآخر، وربما تكون السينما فى صورتها المثلى هى التعبير الأمثل عن وحدة الفنون. أما دراسة العمل الفنى كما يراه المؤلف فينبغى أن تنبنى على نظرتين: نظرة إلى العمل الفنى نفسه على أساس أنه وحدة قائمة بذاتها، ونظرة أخرى إليه باعتباره جزءا من التاريخ العام. وهو ما يجعل الفنان أو المثقف رائدا من رواد التغيير فى مجتمعه، بما يربطه بالسياسة شاء أم أبى، والفنان كما يراه المؤلف فيلسوف سياسى، وهو ما ينتبه إليه من يطالع لوحة «الجرنيكا» لبيكاسو، أو من يستمع إلى نشيد «الله أكبر» لمحمود الشريف. وهما مثالان دالان تماما يوردهما المؤلف. أما الالتزام فى الفن، فلا يعنى التقيد داخل حدود بعينها، إنما يعنى الإيمان بعقيدة متحررة تنطلق بصاحبها نحو آفاق فسيحة، والغاية فى نهاية الأمر ليس توفير مستوى رفيع من المتع الفنية تتمتع بها طبقة بعينها، وإنما «تحقيق أكبر قدر من التكافؤ العقلانى والوجدانى بين جميع طبقات الأمة (...) ولن يتحقق هذا التكافؤ إلا بإشاعة قسط متقارب من المعارف وإشاعة قدر مشترك من تذوق الفنون بين فئات المجتمع. ويتعرض المؤلف فى الختام للعلاقة بين الفنون والتراث من ناحية، وبينها وبين التطورات المعاصرة من ناحية ثانية، وينتهى إلى الصيغة التوفيقية التى لا تنفى التراث لمصلحة الحضارة المعاصرة أو العكس، مرددا قول أنتيجونا أميرة طيبة فى مأساة أوديب ملكا لـ«سوفوكليس»: «لم أخرج إلى هذا الوجود لأشاركه حقدا وضغينة بل لأشاركه ودا ومحبة».

عماد الغزالي كاتب صحفي
التعليقات