نيكسون وترامب.. وتقويض الصالح العام - مواقع عالمية - بوابة الشروق
الثلاثاء 14 مايو 2024 12:54 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

نيكسون وترامب.. وتقويض الصالح العام

نشر فى : السبت 2 سبتمبر 2023 - 7:45 م | آخر تحديث : السبت 2 سبتمبر 2023 - 10:07 م
بعد الحرب الأمريكية على فيتنام وفضيحة «ووترجيت» ــ التى تجسس فيها الرئيس الجمهوري ريتشارد نيكسون على مقر الحزب الديمقراطى قبل الانتخابات الرئاسية، انخفضت ثقة الشعب الأمريكى فى حكومته ومؤسسات بلاده الديمقراطية. فى ضوء ذلك، نشر موقع Eurasia Review مقالا للكاتب روبرت رايش، يرى فيه أن عدم محاسبة الرئيس نيكسون فى فضيحة «ووترجيت» أدت إلى تقويض الصالح العام، وإلى تجرؤ ترامب على تحدى مبادئ الديمقراطية الأمريكية. كما قال الكاتب إن إصدار الرئيس فورد عفوا بحق نيكسون بحجة عدم إثارة الانقسام بين الشعب، قد تؤدى إلى تكرار الأمر نفسه مع ترامب فى حال ثبوت الاتهامات الموجهة إليه بمحاولة إلغاء نتائج انتخابات 2020. اختتم الكاتب أن التعامل بهذه الطريقة مع من يخرقون القواعد القانونية لا يؤدى إلى استقرار الأوضاع بل إلى تفاقمها، وتجرؤ الناس بشكل أكبر، وتقويض الصالح العام، بل واهتزاز الإيمان بالديمقراطية... نعرض من المقال ما يلى.

بداية، فشلت أمريكا فى تحميل الرئيس ريتشارد نيكسون المسئولية بعد تعديه على المبادئ الديمقراطية، مما أدى إلى تقويض الصالح العام الأمريكى، بل وتمهيد الطريق أمام نظيره السابق، دونالد ترامب، لشن هجمات أسوأ. إذ كانت الفضيحة التى عرفت باسم «ووترجيت» وأدت إلى استقالة نيكسون بمثابة صدمة للنظام السياسى الأمريكى، وذلك عندما قرر التجسس على مكاتب الحزب الديمقراطى المنافس فى مبنى ووترجيت. ففى 17 يونيو 1972، ألقى القبض على خمسة أشخاص فى واشنطن بمقر الحزب الديمقراطى وهم ينصبون أجهزة تسجيل مموهة، فتفجرت أزمة سياسية هائلة وتوجهت أصابع الاتهام إلى الرئيس نيكسون، ثم بدأ مكتب التحقيقات الفيدرالى التحقيق على الفور. صحيح أصدر الكونجرس بعد ذلك العديد من القوانين الإصلاحية، إلا أنه تم إضعافها أو رأت المحكمة العليا أنها غير دستورية.
• • •
شهوة الرئيس نيكسون ومساعديه للسلطة السياسية أعمتهم عن الاعتبارات الأخلاقية واحترام الإجراءات القانونية. وما كان خافيا هو ازدراء نيكسون للصالح العام وهوسه التام بنفسه. ففى أشرطة اجتماعاته بالبيت الأبيض، يمكن سماع نيكسون وهو يتحدث باستمرار عن نفسه، احتياجاته، مكانته فى التاريخ، وعداواته، لكنه لم يذكر أبدا احتياجات الأمة الأمريكية.
عملت فضيحة ووترجيت على التجاهل الصارخ لأى وجميع الأعراف والقوانين التى تتدخل فى اكتساب السلطة أو الاحتفاظ بها، لنجد أن النتيجة المنطقية والحتمية لذلك هى ما فعله ترامب. بعد ستة أيام من اكتشاف التجسس على مقر الحزب الديمقراطى، اقترح المدعى العام، جون ميتشل، على نيكسون أن يأمر وكالة المخابرات المركزية بالادعاء بأن أسرار الأمن القومى سوف تتعرض للخطر إذا لم يوقف مكتب التحقيقات الفيدرالى تحقيقاته، ووافق نيكسون. وبعدها بستة أسابيع، وافق على دفع أموال للأشخاص ــ مقتحمى مقر الحزب الديمقراطى ــ لمنعهم من التحدث إلى المحققين الفيدراليين.
فى 21 مارس 1973، أفاد مستشار نيكسون، جون دبليو دين، أن مقتحمى المقر الحزبى يطالبون بالمزيد من المال، سأل نيكسون «كم من المال يحتاجون؟»، قدّر دين مليون دولار على مدى العامين التاليين. أجاب نيكسون: «يمكنك الحصول عليه نقدا». كما ناقشا استخدام مخبأ سرى فى البيت الأبيض، لغسل الأموال من خلال المراهنات. لكن بعد أربعة أيام من نشر الأشرطة التى كشفت عن الكثير من هذه المخالفات، وتحديدا فى 9 أغسطس 1974، أُجبر نيكسون على الاستقالة.
• • •
هذه التفاصيل توضح إلى أى مدى ذهب نيكسون فى انتهاك الأعراف والقوانين من أجل الاحتفاظ بالسلطة، وعلى الرغم من أن تصرفاته أدت إلى استقالته وإجراء بعض الإصلاحات فيما بعد، إلا أن ثقة الشعب الأمريكى فى السياسة اهتزت بشدة، ولم يُحاسب نيكسون قط من الناحية القانونية.
حتى قبل استقالة الرئيس نيكسون، كانت هناك تكهنات تدور حول صفقة محتملة بين فورد ونيكسون تكون فيها استقالة الأخير مشروطة بموافقة فورد على العفو عنه، لكن نفى فورد بشدة وجود أى «صفقة» من هذا القبيل. لكن فى 8 سبتمبر 1974، أصدر الرئيس الجديد جيرالد فورد عفوا كاملا لنيكسون عن أى جرائم «ارتكبها أو ربما ارتكبها».
قال فورد للأمة: «لقد بحثت فى ضميرى باجتهاد خاص لتحديد الشىء الصحيح الذى يجب أن أفعله تجاه سلفى فى هذا المكان، ريتشارد نيكسون، وزوجته المخلصة وعائلته. إن مأساتهم هى مأساة أمريكية لعبنا جميعا دورا فيها. يمكن أن يستمر الأمر ويستمر، أو يجب على شخص ما أن يكتب نهايته. لقد خلصت إلى أننى وحدى من يستطيع فعل ذلك، وإذا كنت أستطيع، فيجب علىّ…». واستكمل: «أنا أؤمن بشدة بالعدالة المتساوية لجميع الأمريكيين، مهما كان موقفهم. لكن القانون، سواء كان بشريا أو إلهيا، لا يحترم الأشخاص؛ إلا أنه يحترم الواقع. الحقائق، كما أراها، هى أن رئيسًا سابقًا للولايات المتحدة، بدلا من التمتع بمعاملة متساوية مع أى مواطن آخر متهم بانتهاك القانون، سيتعرض لظروف قاسية ومفرطة إما فى حال دفاعه عن براءته، أو إذا نال إدانة من أجل سداد الدين القانونى للمجتمع».
وأضاف فورد: «خلال هذه الفترة الطويلة من التأخير والتقاضى المحتمل، ستثار المشاعر القبيحة. وسوف ينقسم شعبنا فى آرائه. وسوف تتعرض مصداقية مؤسساتنا الحكومية الحرة للتحدى فى الداخل والخارج. فى النهاية، ربما ترى المحاكم أن ريتشارد نيكسون حُرم من الإجراءات القانونية الواجبة، بل إن حكم التاريخ لن يكون حاسما فيما يتعلق بتلك الاتهامات الناشئة عن فترة رئاسته، والتى أعرفها حاليا. ولكن ليس المصير النهائى لريتشارد نيكسون هو أكثر ما يقلقنى، رغم أنه يزعج بشدة كل شخص محترم ورحيم. ما يقلقنى هو المستقبل القريب لهذا البلد العظيم».
واختتم: «والآن، أنا، جيرالد فورد، رئيس الولايات المتحدة، عملا بسلطة العفو الممنوحة لى بموجب المادة الثانية، القسم 2 من الدستور، منحت العفو المطلق لريتشارد نيكسون عن جميع الجرائم ضد الولايات المتحدة التى ارتكبها أو ربما ارتكبها أو شارك فيها خلال الفترة من يوليو 1969 حتى 9 أغسطس 1974».
•••
ومع ذلك، العفو لم ينه الجدل، وواصل نيكسون إصراره على أنه لم يشارك فى أى جرائم. وفى مقابلة تلفزيونية عام 1977 مع الصحفى البريطانى ديفيد فروست، اعترف نيكسون بأنه «خذل الشعب الأمريكى» لكنه رفض الاعتراف بأى عدم شرعية فى أفعاله: «لم أفكر فى الأمر كغطاء. لم أقصد التستر. لو كنت أقصد التستر، صدقنى، كنت سأفعل ذلك». وأضاف نيكسون، بكلمات رددها ترامب بعد عقود: «إذا فعل الرئيس ذلك، فهذا لا يعنى أنه غير قانونى»!.
• • •
بالنسبة لكثير من الشعب الأمريكى، فإن حقيقة عدم محاسبة نيكسون كانت بمثابة اعتداء آخر على الصالح العام. ومجرد انتهاك الأعراف والقوانين دون عواقب، ستدعو إلى المزيد من الخروقات والانتهاكات. باختصار، استعداد نيكسون لفعل أى شىء للاحتفاظ بالسلطة كان نذيرا باستعداد ترامب للقيام بالشىء ذاته.
هذه الحادثة المخزية تشير أيضا إلى أنه فى حال ثبوت أن ترامب مذنب فى سعيه لإلغاء نتائج انتخابات 2020، فسيكون من الخطأ الفادح أن يعفو بايدن (أو أى رئيس مستقبلى) عنه على أساس أن مثل هذه الخطوة من شأنها أن تضر الأمة. مع أنها فى الحقيقة، سوف تعمل على تفاقم الأمور وستؤدى إلى انتهاكات أسوأ فى المستقبل.
حتى قبل أن يحاول إلغاء نتائج انتخابات عام 2020، استخدم ترامب تكتيكات نيكسونية مثل الكذب على عامة الناس، والسعى إلى معاقبة أعدائه من خلال التدقيق الضريبى وتحقيقات الادعاء العام، وعرقلة العدالة. كما شجع التعصب كسلاح سياسى وحث على حظر سفر من يدينون بالإسلام، ومداهمات على المجتمعات اللاتينية، وإقامة جدار على طول الحدود المكسيكية، وحظر الأفراد المتحولين جنسيًا فى الجيش، وغيرها. كما كان ترامب مهتما فقط بتعزيز أجندته الشخصية على حساب الصالح العام، تماما كما فعل نيكسون.
• • •
على مدى العقود الخمسة الماضية، فقد الحزب الجمهورى أى علاقة بالصالح العام، وأصبح هدفه هو الحصول على السلطة والاحتفاظ بها بأى ثمن، حتى على حساب ثقة الجمهور فى المؤسسات الكبرى، وهو ما يعد أحد أعمق الخسائر التى لحقت بالولايات المتحدة الأمريكية.
إذ فى عام 1964، قال 77% من الشعب الأمريكى إنهم يثقون فى الحكومة الفيدرالية للقيام بما هو صحيح دائمًا أو فى معظم الأوقات. ثم جاء الانحدار الحاد، بدءا بحرب فيتنام وفضيحة ووترجيت. وبحلول عام 1979، كان 27% فقط يثقون بحكومتهم، وارتفعت الثقة قليلا فى عهد ريجان (إلى 44%)، وانخفضت فى عهد جورج بوش الأب (إلى 19%)، ثم ارتفعت نسبة تأييد بوش بشكل حاد مع بيل كلينتون (إلى 54%)، ثم انخفضت بشكل مطرد منذ ذلك الحين، ولم تصل قط إلى أكثر من 20%.
• • •
بقى أن نعرف إلى أى مدى ستؤثر أكاذيب ترامب على ثقة الجمهور الأمريكى فى مؤسسات بلاده الديمقراطية.

ترجمة وتحرير: ياسمين عبداللطيف

النص الأصلى:

التعليقات