الكلام - عماد الغزالي - بوابة الشروق
السبت 18 مايو 2024 6:35 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

الكلام

نشر فى : الإثنين 2 مايو 2011 - 8:16 ص | آخر تحديث : الإثنين 2 مايو 2011 - 8:16 ص

 بين مأثوراتنا الشعبية قولنا إنه إذا كان الكلام من فضة فالسكوت من ذهب.

ليس فى هذا إعلاء من قيمة السكوت على حساب الكلام كما يشير ظاهر القول، إنما هى دعوة لأن يكون الكلام مفيدا وفى الموضوع.

وأظن أنه سقراط الذى قال «تكلم حتى أعرفك»، والمعنى أنك تظل مجهولا لمن حولك حتى تتكلم فيظهر منك ما غمض.

وكان المشاءون فى اليونان القديمة يمارسون الكلام ذهابا وإيابا، فيقتلون الأفكار بحثا ونقدا، واعتاد السوفسطائيون ان يتجادلوا فى الفكرة ونقيضها حتى تنجلى من جميع جوانبها، ونحن نقول عمن يتكلم كثيرا دون هدف إلا الاستمرار فى الكلام إنه سوفسطائى، وفى هذا ظلم للسوفسطائيين.

وقبل أن تتبلبل اللغات واللهجات، كان الناس يقولون كلاما واحدا، وشاء الله أن يجعلهم شعوبا وقبائل، فتعارفوا وتقاتلوا وتشاحنوا، وسيظلون إلى قيام الساعة.

لم تكن بضاعة الفلاسفة والمصلحين والمفسدين والتنويريين والظلاميين سوى الكلام، يسمعه الأتباع والأشياع فيقودهم إلى الهدى أو الضلال، بحسب اختيارهم.

خالف آدم ربه فعوقب بالطرد من الجنة، ثم تلقى من ربه كلمات فتاب عليه.

وحين ألقى قوم ابراهيم به فى النار، أمرها الله أن تكون بردا وسلاما عليه فانصاعت لكلماته، وتميز موسى عن أقرانه من الرسل بأنه كليم الله، وكلّم عيسى الناس فى المهد، ونزل جبريل على محمد بكلمات شرحت صدره وغيرت حياته وحياة الملايين من بعده.

ونحن نسمى أصحاب الفرق فى الإسلام بالمتكلمين، فهم يتكلمون فى النصوص، يفسرونها ويؤلونها ويناقضون بعضهم بعضا، وينقضون ما سبقهم إليه أسلافهم.

ما حمل الرسل والأنبياء لأقوامهم إلا كلاما، آمن به بعضهم وكفر به آخرون، وما قدم رواد النهضة فى أوروبا لبلادهم سوى كلمات عن الحرية والإخاء والعدل والمساواة، آمنت بها الجموع، وانطلقت تنزع قيودها وتتحرر من عصور الظلام.

ما يقدمه الأدباء والشعراء والمفكرون والدعاة ليس سوى كلام.

التطبيقات العلمية والطبية الكبرى بدأت كلاما، قبل أن تدخل معامل العزل والتبريد والتسخين والقسطرة.

الحديث عن الجنة والنار والثواب والعقاب واليوم الآخر ليس سوى كلام، يؤمن به أناس ويكفر به آخرون.

نحن نتكلم كثيرا، فى الفرح والحزن، فى حالات الرضا والقنوط، فى لحظات الانتصار والانكسار، نتكلم كثيرا أو قليلا حسب الموقف والحالة.

الكلام فكر منطوق، نعبر به عن مواقف ورؤى، نؤثر به على الآخرين فنجذبهم إلى صفنا إذا كنّا بحاجة لدعمهم، ندفعهم بعيدا عن مواطن الخطر إذا كنّا نحبهم ونخاف عليهم، أو إلى التهلكة إذا كنّا نكرههم.

بالكلمات نعبر عن مشاعرنا من النقيض إلى النقيض، وفى زمننا، اتسع فضاء الكلام، وتداخل حسنه وقبيحه، صالحه وطالحه، فقد وظيفته، صار لغوا، أبلغ منه الصمت.

عماد الغزالي كاتب صحفي
التعليقات