هدية أخرى من ترامب: الجولان - ناصيف حتى - بوابة الشروق
الجمعة 26 أبريل 2024 5:34 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

هدية أخرى من ترامب: الجولان

نشر فى : الثلاثاء 2 أبريل 2019 - 10:25 ص | آخر تحديث : الثلاثاء 2 أبريل 2019 - 10:25 ص

 

في الطريق إلى الإعلان عن "صفقة القرن" كما وعدت الإدارة الأميركية وذلك غداة الإنتخابات الإسرائيلية، استمر الرئيس ترامب في سياسة الصدمات الحاملة لهدايا لإسرائيل: سياسة تقوم على إعادة تعريف بشكل أحادي للإطار الجغرافي والمفاهيمي للنزاع العربي الإسرائيلي. وللتذكير بدأ الرئيس الأميركي "بإخراج" القدس من دائرة المفاوضات معترفاً بالقدس الموحدة عاصمة لإسرائيل ثم أثار موضوع إعادة تعريف مفهوم اللاجئ الفلسطيني لإسقاط مفهوم اللجوء عن الأكثرية مع ما يحمل ذلك من نتائج على كافة الأصعدة. التعريف الأميركي الجديد الذي يضرب بعرض الحائط القوانين والأعراف الدولية ودور ومهام وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل الللاجئين الفلسطينيين، يسقط اللجوء عن من ولد خارج فلسطين بعد قيام إسرائيل: فأولاد اللاجئين الذين أخرجوا في عملية الطرد الجماعي ليسوا بلاجئين حسب هذا التعريف. ويذكرنا ذلك بالمقولة التي رددها أكثر من مسؤول إسرائيلي وقوامها أرض بلا شعب لشعب بلا أرض. وأخيراً وليس آخراً يقدم الرئيس الأميركي هدية جديدة لإسرائيل من خلال إعتراف واشنطن بحق إسرائيل في ضم الجولان إليها "لأسباب أمنية". يناقض ترامب بذلك قرار مجلس الأمن 497 الصادر في عام 1981 الذي رفض قرار إسرائيل حينذاك "بشرعنة إحتلالها" للجولان.

***

الإنحياز الكلي للموقف الإسرائيلي طبع دائماً السياسات الأميركية تجاه النزاع العربي الإسرائيلي مع إستثناءات قليلة في لحظات معينة. ولكن لم يصل الأمر أبداً في السابق إلى إعتماد هذه السياسة الأحادية الحادة من خلال التعدي الفاضح على قرارات مجلس الأمن التي صوتت بالطبع إلى جانبها واشنطن في الماضي وقرارات أخرى للجمعية العامة إلى جانب التعدي الفاضح على مبادئ وقواعد وأسس القانون الدولي.

إنها "سياسة ردة" تهدف إلى إختزال النزاع بشكل أحادي وعبر رؤية وفهم يلتقيان بشكل شبه كلي مع إسرائيل: الهدف من تحويل النزاع من نزاع حول حقوق وطنية وحقوق سيادية مشروعة إلى خلاف بالمفهوم التجاري القائم على مفهوم المقايضة والتسوية المتبادلة للمنافع للطرفين يحددها "القاضي" الأميركي في محكمته الخاصة. فلا توجد مرجعيات مبدئية دولية معروفة ولا أسس قانونية حاكمة لنزاع من هذا النوع، إنه نزاع في فراغ من أي مرجعيات يقوم على توازن قوي على الأرض وواشنطن جزء أساسي منه: يعتدى بشكل فاضح على سيادة دولة فنقتطع جزء من أراضيها إرضاء لمفهوم أمني مطلق لدولة إحتلال. تسقط قرارات الأمم المتحدة حول القدس مع ما تحمله من رمزية دينية لأبناء الديانات السماوية الثلاث إرضاء لأصولية دينية وقومية حاكمة في إسرائيل.

***

للتذكير، "إرتضت" إسرائيل عبر "وديعة رابين" في صيف 1993 بإعادة كامل الجولان حتى حدود الرابع من حزيران كما فسرت النقطة تحديداً لتنكشف القصة بعد ذلك أنها كانت محاولة لممارسة ضغوطات غير مباشرة على المفاوضات مع الطرف الفلسطيني عبر التلويح بالضغط بورقة المفاوضات مع سوريا. ولكن عاد الموقف الإسرائيلي ليؤكد رفضه لخط الرابع من حزيران لمنع سوريا من الوصول بشكل خاص إلى مياه بحيرة طبريا وإعطا وعود بتقديم "هدية" من أراض أخرى مقابل إقامة شريط إسرائيلي بعرض نصف كلم تقريباً بين سوريا ومياه بحيرة طبريا وهو بالطبع ما رفض من سوريا. الهدف كان منع سوريا من حقوق المشاطئة فيما يخص البحيرة. الجولان يحمل أهمية أمنية واقتصادية وزراعية ومائية لإسرائيل وهو ما يدفع لا بل يشجع إسرائيل ضمن الأوضاع القائمة في الشرق الأوسط حالياً ومن خلال وجود صديق مميز في البيت الأبيض لإعادة تعريف أسس النزاع وقواعد تسويته.

 

صحيح أن القضية الفلسطينية ليست على جدول الأولويات العربية الراهنة لأسباب عديدة تتعلق بالأوضاع في الإقليم الشرق أوسطي "وأهل القضية" في حالة ضعف كبيرة بسبب الخلافات المستفحلة في البيت الفلسطيني وسوريا تعيش حروباً سورية وأخرى حول سوريا ولكن ذلك لا يسمح بتمرير مشاريع الحلول القادمة. فالهويات الوطنية لا تسقط أياً كانت والخلافات السياسية وغيرها بين أبناءها ولا تموت بل قد تشكل وقوداً لصراعات مختلفة تزيد من الحرائق في شرق أوسط يعيش حريقاً كبيراً في عصر "الإطفائي" ترامب.

ناصيف حتى وزير خارجية لبنان الأسبق
التعليقات