متى سقط قانون التظاهر؟ - زياد بهاء الدين - بوابة الشروق
الجمعة 19 أبريل 2024 11:45 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

متى سقط قانون التظاهر؟

نشر فى : الثلاثاء 1 سبتمبر 2015 - 6:20 ص | آخر تحديث : الثلاثاء 1 سبتمبر 2015 - 6:20 ص

تسقط القوانين لأسباب كثيرة. أحيانا بشكل رسمى مع صدور قانون جديد يلغى القانون السابق أو حكم قضائى يقضى بعدم دستوريته، وأحيانا أخرى فعليا أو ضمنيا حينما ينساه المجتمع ويتجاهله، أو ينشأ اتفاق ضمنى على إهماله، أو ترفضه الجماهير وتثور عليه. كذلك فإن القانون يسقط فعليا وواقعيا حينما يفضى تطبيقه إلى آثار ونتائج بالغة التناقض إلى الحد الذى يجعل الناس تعتبره متعارضا مع منطق العدالة.

قانون منع التظاهر ــ القانون رقم ١٠٧ لسنة ٢٠١٣ ــ من هذا النوع الأخير الذى فقد مصداقيته تدريجيا حتى جاءت مظاهرات موظفى وزارة المالية وأمناء الشرطة منذ أسبوعين لتطلق عليه رصاصة الرحمة بعدما وقفت الدولة وأجهزتها صامتة حيال آلاف المتظاهرين، فى تناقض صارخ مع صرامتها فى تطبيق القانون منذ بضعة أشهر على شباب وفتيات طالبوا بحرية التعبير والاحتجاج السلمى. وزاد من غرابة موقف الدولة وتناقضه أن بعض المسئولين حاولوا تبرير هذا الكيل بمكيالين بأن ما قام به الموظفون وأمناء الشرطة يدخل فى بند «الوقفات الاحتجاجية» التى لا ينطبق عليها القانون.

ولكن إن كان السكوت أمام تظاهر الموظفين وأمناء الشرطة قد عبر عن تناقض فى سياسة الدولة، فإن سقوط القانون لم يأت مرة واحدة، بل كان نتيجة تراكم تطورات وأحداث كثيرة.

قانون منع التظاهر الصادر فى ٢٤ نوفمبر ٢٠١٣ استند منذ البداية إلى ثلاثة افتراضات غير حقيقية: أولا أنه مطلوب من أجل وقف المظاهرات العنيفة وأعمال التخريب والترويع، بينما الحقيقة أن القانون يمنع التظاهر بشكل عام ولو كان سلميا، وأن الدولة كان ولا يزال فى جعبتها من القوانين الجنائية ما يمكنها من مواجهة العنف والتخريب دون حاجة لمثل هذا القانون. وثانيا أنه ضرورى لكى ينتظم النشاط الاقتصادى ويعود الاستثمار الأجنبى ويخرج البلد من أزمته الاقتصادية، بينما سبب استمرار الأزمة هو عدم وضوح التوجه الاقتصادى للدولة واضطراب السياسات الضريبية والنقدية. وثالثا أن الدول الديمقراطية جميعا تنظم حق التظاهر، وهو قول صحيح، ولكنه يتجاهل أن هذا التنظيم يرتبط بتوافر ضمانات أساسية على رأسها آليات سريعة للتظلم من قرارات الدولة، وحماية لنشاط المجتمع المدنى ولحرية التعبير، وشفافية فى المعلومات.

وتوالت الأحداث بعد ذلك: استمرار وتصاعد العنف والارهاب برغم توقف تظاهرات الشباب السلمية، وخروج الشباب من المشهد وعزوفهم عن العمل العام والمشاركة السياسية، وصدور أحكام بحبس فتيان وفتيات لمجرد مطالبتهم بحق التظاهر السلمى، ومقتل الشهيدة شيماء الصباغ فى مطلع العام خلال مشاركتها فى مسيرة رمزية لتكريم شهداء الثورة، وتشجيع الدولة للمواطنين على النزول إلى الشوارع والميادين بالمخالفة للقانون حينما يتعلق الأمر بمناسبة أو احتفال يحظى برعايتها، وأخيرا وليس آخرا السكوت أمام تظاهر الآلاف من الموظفين وأمناء الشرطة فى تعبير صارخ عن الانتقائية فى تطبيق القانون.

كل هذا كشف حقيقة أن قانون منع التظاهر لم يكن مقصودا به منذ البداية سوى تقييد حرية التعبير والاحتجاج السلمى فى ظروف كان البلد فيها ــ مع غياب برلمان ومجالس محلية وأحزاب قوية ــ فى أمس الحاجة لقنوات للتعبير عن مختلف وجهات النظر فى المجتمع بدلا من انسحابها من الساحة أو اتجاهها إلى بدائل أكثر عنفا، وأنه لم يحقق سوى شق الصف الوطنى الذى كان متحدا وراء رفض الحكم الدينى، وأن تمسك جهات معينة فى الدولة به كان بغرض إسكات الصوت الاحتجاجى لشباب ثورتى يناير ويونيو وتصفية الحساب معهم.

أعلم أن هناك من كانوا ولا يزالون يعتقدون، بحسن نية وحرص على الصالح العام، أن الظروف التى يمر بها البلد لا تتحمل استمرار مظاهرات الشباب ولو كانت سلمية، وأن إرجاء كل أشكال الاحتجاج لفترة من الوقت يعطى الحكومة فرصة للعمل والبناء. ولكن حتى من هذا المنظور العملى فقط، فهل ساهم قانون منع التظاهر السلمى فى محاربة الإرهاب أو تحقيق التنمية الاقتصادية أو إطلاق طاقات العمل والإنتاج؟ أم أنه أهدر حماس الشباب ورغبتهم فى المشاركة والتغيير؟ وشجع الرجوع إلى ثقافة الرأى الواحد وتخوين أصوات المعارضة الوطنية ؟

***
قد لا يؤدى ما سبق إلى تغيير يذكر. فالدولة تعتبر أن هيبتها تعنى تمسكها بالقوانين التى أصدرتها حتى ولو باتت فاقدة للمصداقية، وأن التراجع عنها تعبير عن الضعف والتردد. ولكن فى كل الأحوال فإن الشبان والشابات القابعين فى السجون لأن كل جريمتهم كانت التظاهر السلمى دفاعا عن حق التظاهر السلمى يعرفون اليوم أنهم قد حققوا خطوة كبيرة نحو تحرير المجتمع ــ ولو ضمنيا ــ من قانون جائر.

فهل تنصت الدولة لصوت العقل والمنطق وتمنحهم الحرية التى استحقوها وتعيد النظر فى قانون ما كان يجب أن يصدر من البداية؟ أم تستمر فى تجاهل السقوط الفعلى لقانون منع التظاهر ؟.

زياد بهاء الدين محام وخبير قانوني، وسابقاً نائب رئيس مجلس الوزراء ووزير التعاون الدولي، ورئيس هيئتي الاستثمار والرقابة المالية وعضو مجلس إدارة البنك المركزي المصري.