خمس حجج باطلة في الترويج للتوريث - ضياء رشوان - بوابة الشروق
الجمعة 3 مايو 2024 6:57 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

خمس حجج باطلة في الترويج للتوريث

نشر فى : الثلاثاء 1 سبتمبر 2009 - 9:30 ص | آخر تحديث : الثلاثاء 1 سبتمبر 2009 - 9:30 ص

 مثل حوار الرئيس مبارك مع الصحفى الأمريكى تشارلى روز فى برنامجه التليفزيونى الشهير الذى أذيع فى أثناء زيارته الأخيرة للولايات المتحدة الأمريكية تحولا حاسما فيما يخص مستقبل الرئاسة فى مصر، حيث قرأ فيه كل المحللين المصريين وغير المصريين إشارات واضحة لا تخطئها العين لموافقة غير مسبوقة من الرئيس على أن يكون نجله السيد جمال مبارك هو خليفته فى مقعد رئاسة البلاد.

والحقيقة أن وضع حديث الرئيس ضمن تحليل أوسع لتصريحاته بشأن هذه المسألة منذ إثارتها عام 2002 والتطورات السياسية الأخيرة التى عرفتها مصر، يوصل إلى نتيجة شديدة الأهمية فيما يخص مستقبل المنصب الرئاسى فى مصر، حيث يبدو أن الرئيس قد انتقل من موقع الرافض لسيناريو التوريث خلال السنوات الخمس الأولى لطرحه إلى موقع المراقب غير الحاسم لموقفه منه خلال العامين الأخيرين بعد التعديلات الدستورية عام 2007، ثم إلى موقع الموافق عليه والمؤيد له خلال الشهور الأخيرة. وفى كل مرحلة من هذه المراحل الثلاث كانت كلمات الرئيس بشأن تلك القضية وتحركات وتصريحات عديد من المسئولين فى الحزب والدولة كافية لاستنتاج الموقف النهائى لرئيس البلاد من مستقبل المنصب الذى يشغله.

وفى المرحلة الأخيرة التى نعيشها اليوم لم تكن فقط كلمات الرئيس للصحفى الأمريكى هى المؤشر على تغير الموقف إلى التأييد، بل أيضا تلك التحركات الكثيفة التى يقوم بها نجله فى قرى مصر ومدنها مصحوبا بوفود وزارية وتنفيذية لا يصطحبها سوى من يشغل منصب رئيس للجمهورية أو مرشح مؤكد له، والحوارات الشاملة والمفتعلة التى يجريها مع «شباب مصر» على الإنترنت، وعضويته فى الوفد الرئاسى بلا صفة رسمية فى زيارة الولايات المتحدة الأخيرة، وأخيرا «الشجاعة» المفاجئة التى حلت ببعض الإعلاميين الموالين للحكومة ومسئولين سابقين فيها ليبدأوا حملات إعلامية صريحة ومكثفة للترويج لخلافة السيد جمال مبارك لوالده.

وبمناسبة هذا الترويج الذى لم يبدأ بالقطع اليوم ولكنه بدأ قبل أعوام سبعة، فإن الحجج التى يسوقها أصحابه لتبرير وتجميل توريث منصب الرئاسة لنجل الرئيس تبدو مكررة ودائرة ضمن عدة محاور لا تتغير تقريبا وإن تتابع ظهورها زمنيا بحسب حاجة كل مرحلة لأحدها. وآخر هذه الحجج ــ زمنيا ــ هى تلك التى طرحها الرئيس نفسه فى حديثه المشار إليه ثم تبعه فى طرحها عدد من الكتاب والمسئولين السابقين، وهى أن تولى نجله للرئاسة ليس قدرا محتوما سوف يصيب المصريين رغما عنهم، بل هو اختيار شعبى حر بين عدد من المرشحين سوف يقوم المصريون به دون غيرهم فى انتخابات نزيهة شفافة. ويبدو تهافت وبطلان هذه الحجة خارقا للأعين من جهتين على الأقل: الأولى أن التعديل الدستورى الذى أجراه حزب السيد جمال مبارك للمادة (76) الخاصة بانتخابات الرئاسة فى عامى 2005 و2007 والشروط المتعسفة التى تضمنتها للترشيح لرئاسة الجمهورية يضعنا اليوم أمام عدد أقصى للمرشحين لا يزيد على خمسة يمثلون الأحزاب التى لها مقعد واحد منتخب على الأقل فى أحد مجلسى البرلمان، وهى أحزاب الوطنى والوفد والتجمع والغد والدستورى الحر، فأين هذا العدد الكبير من المرشحين الذين سينافسهم نجل الرئيس؟ ولا تحتاج الجهة الثانية المتعلقة بنزاهة الانتخابات الرئاسية المقبلة وشفافيتها لتعليق طويل، فالتعديلات الدستورية نفسها أطاحت بالقضاء النزيه بعيدا عن الإشراف عليها لتعود «ريما لعادتها القديمة» فى طبخ الانتخابات العامة وتزويرها وهو ما شهدناه ومعنا العالم كله فى الانتخابين الذين جريا بعدها وهما انتخابات التجديد النصفى لمجلس الشورى فى 2007 وانتخابات المجالس المحلية فى 2008، فأين هى تلك الانتخابات الحرة التى سيأتى عبرها نجل الرئيس إلى مقعد والده؟

وأما الحجة الثانية القديمة المتجددة دوما فهى أن تولى نجل الرئيس منصب الرئاسة سوف ينهى «حكم العسكر» لمصر ويفتح الباب لتولى مدنيين المنصب الأسمى فى نظامها السياسى. والمفارقة الحقيقية أن من يطرحون هذه الحجة هم أنفسهم كبار مؤيدى الرئيس مبارك نفسه والداعين إلى بقائه فى منصبه بلا قيد أو شرط زمنى أو موضوعى، فكيف ينسون أن حجتهم تنطبق عليه بحكم خلفيته العسكرية؟ وأنهم لو كانوا متسقين مع أنفسهم وحجتهم، وراغبين بالفعل فى هذا التحول الذى يزعمون، فإن عليهم أن يدعوا علنا إلى مغادرته منصبه الأسمى ليفتح الباب لهذا التحول الذى يرونه ضروريا لتحقيق مصالح مصر الإستراتيجية العليا. أما عن مضمون الحجة، فإن الأساسى فى موضوع الرئاسة هو أمران ليس منهما خلفية الرئيس المدنية أو العسكرية: الأول هو أن يتوافر فى البلاد نظام سياسى مفتوح يسمح للمصريين بممارسة ديمقراطية حزبية حقيقية تأتى على رأسها انتخابات نزيهة شفافة يملك الجميع فى ظلها حقوقا متساوية فى المنافسة، والثانى أن ينتمى المرشح الجاد لأعلى وأخطر منصب فى البلاد إلى مؤسسات حقيقية ذات تقاليد وقواعد وطنية مستقرة ومعروفة، وتمثلها فى البلدان الديمقراطية الأحزاب السياسية والتجمعات المهنية والثقافية والاجتماعية الكبرى، وهى كلها مؤسسات قضى عليها بالكامل تقريبا انفراد الحزب الوطنى بالحكم لثلاثة عقود، واضعا المصريين فى خاتمتها أمام مرشح وحيد له يبدو واضحا أن العامل الحاسم فى ترشيحه هو انتماؤه العائلى وحده ولا يقف وراءه سوى مجموعة صغيرة من الحواريين والأصفياء اصطلح على تسميتهم فى الدراسات السياسية والعرف المصرى بـ«الشلة».

وتتركز الحجة الثالثة للترويج لمشروع التوريث فى القول بأن نجل الرئيس هو الأنسب لحكم مصر لأنه شاب وعصرى وهو ما تحتاجه مصر فى عهدها الحالى ومستقبلها المقبل. والحقيقة أن ما ينطبق على حجة الانتماء العسكرى للرئيس ينطبق أيضا على حجة الشباب والشيخوخة كشروط لتولى الرئاسة، فلماذا لا يطالب مؤيدو التوريث والرئيس فى نفس الوقت باعتزاله الرئاسة لتجاوزه الأكيد لمرحلتى الشباب والكهولة وسن الثمانين؟، أم أن حاجة مصر لرئيس شاب لن تبدأ سوى بعده؟ من ناحية ثانية وفى بلد مثل مصر تصل نسبة من هم فى سن الشباب إلى نحو 40% من سكانه، لماذا يعتبر «الشاب» جمال مبارك دون غيره من ملايين الشباب المصريين هو الوحيد المؤهل الذى تحتاجه البلاد لكى يقودها من موقع الرئاسة نحو المستقبل؟ هل هناك من تفسير منطقى لهذا الاختيار له من أولئك المروجين سوى النفاق والمصلحة؟

أما الحجة الرابعة فهى تتعلق بـ«الفكر الجديد» الذى يروج حواريو وتابعو نجل الرئيس أنه المؤسس له والقائد دون كلل لنشره بين نخبة البلاد وشعبها، فهو فكر يستحق صاحبه ــ حسبهم ــ أن يكافأ بمنصب الرئاسة الذى سيكون بوابته لتطبيقه كاملا. والحقيقة أن الإفاضة فى نقد وتوضيح حقيقة هذا الفكر ستدخل فى باب إضاعة وقت القارئ الذى ليس فقط يعرف هذه الحقيقة بل ويعيش يوميا التطبيقات المرة له فى حياته وحياة أسرته وجيرانه وزملائه. وتأتى أخيرا حجة أن نجل الرئيس سيكون «معصوما» من الفساد والاستبداد بحكم نشأته فى حضن السلطة والثروة معا، وبالتالى ستكون مصر معه آمنة من كليهما. والردود على هذه الحجة ثلاثة: الأول أنها تحمل تعريضا واضحا بكل رؤساء مصر بمن فيهم الرئيس مبارك الذين لم ينشأوا فى حضن السلطة والثروة، والثانى أنها تضع شرطا لرئاسة مصر فى المستقبل لن يتحقق سوى فى عائلة الرئيس ومن هم على شاكلتها، والثالث أنها تتجاهل مسئولية نجل الرئيس بحكم وضعه الحزبى والعائلى والواقعى عن موجات الفساد والاستبداد التى تجتاح بر مصر فى السنوات السبع التى مرت منذ أن أسس وقاد أمانة السياسات، قاطرة الحزب الوطنى والحكومة معا.

ضياء رشوان  كاتب مصري وباحث في شئون الجماعات الإسلامية
التعليقات