أزمة تبحث عن انفراج - عبد الله السناوي - بوابة الشروق
السبت 27 أبريل 2024 4:32 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

أزمة تبحث عن انفراج

نشر فى : الأربعاء 1 أغسطس 2018 - 9:15 م | آخر تحديث : الأربعاء 1 أغسطس 2018 - 9:15 م

ثمة خشية معلنة من أن تتعرض مصر لهزات مفاجئة تهدد القدر المتوفر من استقرارها وتضع مستقبلها أمام مجهول.
الخشية وجدت أوضح تعبيراتها فى المداخلات الرئاسية قبل وأثناء مؤتمر الشباب الأخير ــ حتى بدت خطا عاما فيها.
حسب تلك المداخلات، التى تابعها المصريون على شاشات الفضائيات، فإن هناك محاولة لإثارة الفوضى وعدم الاستقرار، تستثمر فى الأزمة الاقتصادية وتحرض بالشائعات لتفجير البلد من داخله.
فى التحذيرات المتواترة اعتراف بأن هناك أزمة تفاقمت إلى حدود الخطر الداهم.
الاعتراف ــ بذاته ــ خطوة إيجابية، فأسوأ ما قد يحدث إنكار الأزمات حيث تتفاقم وحجب النقاش العام حولها حيث تتبدى ضروراته.
إذا ما تأكد الخطر فإن عموم أثره يضرب المجتمع كله.
ما طبيعة الخطر وحجمه؟
هذا سؤال أول.
أين المسئولية بالضبط؟
هذا سؤال ثان.
هل هناك فرصة انفراج، أم أن كل السبل قد سدت؟
هذا سؤال ثالث.
ما العمل لتجنب الخطر قبل أن يداهم البلد بنيرانه؟
هذا سؤال رابع.
الأسئلة ــ بطبيعة تحدياتها ــ يجب أن تكون موضوعا للنقاش العام بكل جدية يقتضيها الواجب الوطنى.
بأى نظر موضوعى فإن مصر المنهكة لا تحتمل أى اضطرابات جديدة، أو أن يوضع مصيرها بين قوسين كبيرين لا يعرف أحد كيف يفتحان ولا متى يغلقان.
بافتراض صحة الرقم الرسمى المعلن من أنه قد تم رصد (٢١) ألف شائعة فى ثلاثة أشهر فالمعنى أن البلد منكشف بلا مناعة ــ تقريبا ــ تصد وتوضح وتضع الأمور فى نصابها.
والمعنى أن القنوات السياسية والإعلامية سدت بالكامل والثقة العامة فى صحة البيانات والتصريحات الرسمية تدهورت بفداحة.
تسرى الشائعات حيث تغيب المعلومات ويضيق المجال العام عن أى حوار وكل تنوع.
لا أحد يعرف كيف رصد ذلك الرقم المفزع من الشائعات، بمعدل تقريبى عشر شائعات فى الساعة، ولا الوسائل العلمية التى استخدمت، ولا ما هو تعريف الشائعة نفسها.
فى كل الأحوال لا يمكن استبعاد «سلاح الشائعات»، أو نفى وجودها من أصله، كما لا يمكن إنكار مسئولية البيئة العامة المسمومة على تفشيها.
إذا ما أردنا تخفيض مستويات الخطر الداهم إلى أقل درجة ممكنة حفاظا على المجتمع قبل أى شىء آخر، فإن تحسين البيئة العامة شرط ضرورى.
لا يمارى عاقل واحد فى أهمية الاستقرار والأمن لأى مجتمع.
إذا اهتز الاستقرار وغاب الأمن يروع المواطنين وتتوحش الجريمة ويغيب الاستثمار ويتقوض الاقتصاد وتنهار السياحة.
الاستقرار مسألة سلامة دولة ومجتمع.
لكن أى استقرار.. وأى دولة؟
وفق الدستور فإنها الدولة المدنية الديمقراطية الحديثة.
غير أن بعض ما ينسب لمطلب الاستقرار يرادف الجمود السياسى وإغلاق المجال العام ومصادرة التنوع الطبيعى فى المجتمع وقدرته على التنفس بحرية.
هذا المفهوم لا يؤسس لأى استقرار حقيقى ومستدام وقادر على مواجهة التحديات والعواصف.
لا يمكن أن يكون هناك استقرار موثوق فى ثباته وقوته دون أن يرتكز على تماسك وطنى واسع وقواعد منضبطة على لغة العصر.
بقدر التماسك يمكن حسم الحرب مع الإرهاب ودحر جماعاته.
وبقدر القواعد تتأكد دون تناقض الحريات العامة ومقتضيات الأمن.
التماسك مسألة تفاهمات سياسية واجتماعية واسعة.
التفاهمات مسألة قواعد تقنع بالتراضى العام، ديالوج بين أصوات متعددة لا مونولوج يتحدث فيه صوت واحد.
للأزمة المنذرة وجهان متداخلان ــ ارتفاع فى الأنين الاجتماعى وانحسار فى العمل السياسى.
تحت وطأة ارتفاعات أسعار السلع الرئيسية وتآكل قيمة الجنيه المصرى وتراجع مستويات المعيشة فى الطبقة الوسطى والفئات الأكثر فقرا تكاد تتسيد المعارضة الاجتماعية عشوائية الطابع الموقف العام.
وتحت وطأة تقليص الحريات الصحفية والإعلامية وشبه غياب لأى حياة حزبية على قدر من الاستقلال والجدية تكاد المعارضة السياسية والعمل السياسى نفسه أن يكون من ذكريات الماضى.
مكمن الخطر أن ما هو غاضب اجتماعيا لا توجد أمامه أى مسارات سياسية طبيعية للتعبير عن نفسه وطرح مطالبه.
كل ما هو مكبوت مرشح لانفجار فى لحظة ما دون توقع أو إنذار مسبق.
هذا شأن أى تحركات عفوية بمخزون الاحباط واليأس من تحسين الأحوال، أو تحت ضغط الحاجة.
العفوية تقترن بالعشوائية، فلا يعرف أحد متى أو كيف تحدث أو ما قد يترتب عليه؟
القضية ليست فى شائعات تعمل على تفجير المجتمع من داخله، إذا كانت السياسات لا تنظر فى معاناة مواطنيها لتخفيف حدتها.
مراجعة السياسات والأولويات من ضرورات منع أى اضطرابات اجتماعية مفاجئة.
خطاب المناشدة لا يصلح وحده لتجاوز الأزمة ــ كأن يطلب من المواطنين تحمل فواتير الإصلاح الاقتصادى حتى نمر من عنق الزجاجة، أو كأن يحذر من مغبة أى اضطرابات خطيرة قد تحدث.
أمام مثل هذا النوع من الأزمات لا يملك أحد أن يمنع انفجارها بإشارة من يد، أو وعد فى غد.
إعادة النظر فى السياسات والمشروعات والأولويات مدخل ضرورى لمنع أى أخطار محتملة.
هذه مسألة توافق يتأسس على حوار لا إقصاء، انفتاح لا انغلاق، وقواعد عادلة قبل وبعد أى شىء آخر.
غياب عدالة توزيع الأعباء بإعفاء أصحاب الثروات من أى مسئولية، أو ضرائب تصاعدية يفرضها الدستور، وتحميل الطبقة الوسطى والفئات الفقيرة كل الفواتير يرفع مستويات الخطر.
انسداد القنوات الاجتماعية والتعالى على أنين المواطنين، باستثناء رسائل الشكر التى توجه لهم من وقت لآخر على جميل صبرهم، يزكى الخطر ولا يساعد على أى تهدئة للبيئة الاجتماعية المحتقنة.
وغياب أى معايير مقنعة، أو مقبولة، لمجازاة فئات بعينها بزيادات الرواتب والمكافآت دون أن يكون هناك أدنى استعداد لرفع رواتب الموظفين والعاملين فى الدولة يعمق شروخا لا سبيل إلى ردمها.
ما يقنع الناس ما هو مقنع وملموس.
خطاب الوعود لا يكفى بدوره فى تخفيض مستويات الخطر ــ كأن يجرى التركيز على أن هناك مشروعات كبرى تجرى وأن أى اضطرابات سوف تعطلها وتمنع أن تصل ثمارها للمواطنين بعد عامين.
إذا لم يكن هناك ما يحفظ القدرة على الحياة بكرامة فإن الحديث عن الغد وبعد الغد لا يكون مقنعا أو مؤثرا بما يكفى لحفظ سلامة المجتمع واستقراره ومنع أى اضطرابات محتملة.
كما أن النقاش بحرية فى الأولويات والمشروعات بين أهل الاختصاص من جميع المدارس الاقتصادية ضرورى لفرز ما يستحق الأولوية وما يتوجب تأجيله.
نصف السياسة كلام ونصفها الآخر التزامات.
لا توجد معجزات فى استخدام الوسائل السياسية لتخفيض حدة الأزمة.
لا يمكن أن تتحرك الأمور خطوة واحدة دون تحسين البيئة العامة، وإزالة أى مظالم اجتماعية وسياسية، واحترام الدستور وقواعد دولة القانون ووقف الضيق بأى معارضين سياسيين أو برلمانيين، فكل تلك الأوضاع تنذر بخطر داهم يتعدى مؤسسات الدولة إلى المجتمع كله.