المداخل الأساسية لتمكين المرأة العربية - علي محمد فخرو - بوابة الشروق
الخميس 9 مايو 2024 7:29 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

المداخل الأساسية لتمكين المرأة العربية

نشر فى : الأربعاء 1 مايو 2019 - 11:05 م | آخر تحديث : الأربعاء 1 مايو 2019 - 11:05 م

لا توجد مجتمعات يكثر ويتزايد فيها اللغط حول مكانة وحقوق ومسئوليات المرأة مثلما هو الحال فى بلاد العرب. ومع أن ظلم المرأة وإخضاعها متجذر فى تاريخ المجتمعات البشرية كلها إلا أن الصراعات والاختلافات والتطاحن حول هذا الموضوع فى الأرض العربية هو الأشد والأكثر فجيعة.

من هنا الأهمية القصوى للتفتيش عن مداخل رئيسية كبرى للتعامل مع هذا الموضوع. فى اعتقادى أن هناك ثلاثة مداخل تستحق التوضيح.

أولا، هناك التأثير الكبير لمتغيرات الواقع. فالتحاق الملايين من الفتيات العربيات بكل مستويات التعليم المدرسى وتفوقهن الدراسى بشكل مبهر فتح الأبواب مشرعة أمام التحاقهن بالتعليم الجامعى. وهذا بدوره قاد إلى اقتحام جميع التخصصات المتوافرة فى التعليم العالى، ومن ثم قاد إلى تخرج الملايين من الإخصائيات فى كل الحقول المعرفية والانخراط فى كل أنواع العمل والوظائف فى القطاعين العام والخاص.

خلق ذلك الواقع الجديد كان ثمرة جهد واجتهاد وطموحات الفتاة العربية نفسها، ولا يعود الفضل فيه لأحد غيرها. ذاك الجهد الذاتى لتغيير واقع تاريخى متخلف، وبالتالى تغيير نظرات وسلوكيات ومواقف منحازة ضد المرأة، هو الذى فرض نفسه على الحكومات والبرلمانات والقوى المدنية العربية لقبول تواجد المرأة العربية، وباستحقاق وندية، فى ساحات الحكم والدبلوماسية والقضاء والمهن الرفيعة والمؤسسات التشريعية والعسكرية والأمنية والاقتصادية والتجارية، وغيرها الكثير الذى لا يعد ولا يحصى.

هذا التغير فى واقع المرأة المجتمعى قاد إلى تغير جذرى فى واقعها الأسرى، بعد أن أصبحت مساهما فعالا فى تأمين دخل الأسرة وحاجاتها المعيشية والاجتماعية وفى إدارة شؤون الأسرة.

وبالتالى، فما على المرأة العربية إلا أن تستمر، بجهدها المميز، فى إحداث تغييرات كبرى فى الواقع، واقعها وواقع الآخرين، حتى توصل الظلم التاريخى إلى نهايته وتصبح مواطنة متساوية مع أخيها الرجل فى الحقوق والمسئوليات والفرص الحياتية والمكانة الإنسانية.

ثانيا، لكن فرض الواقع نفسه وقبوله سيحتاج إلى دعمه بمدخلين رئيسيين. الأول هو المراجعة الموضوعية العادلة العقلانية للصورة النمطية المشوهة للمرأة فى حقلى الفقه الإسلامى وعلوم الحديث.

أما الفقه فهو حصيلة اجتهادات بشرية فى فهم معانى ومقاصد النصوص الدينية، كما جاءت فى القرآن الكريم وما اعتبر من السنة النبوية المؤكدة، والاستنباط منها حسب مقدار فهم الفقهاء وعلوم عصرهم وواقع مجتمعاتهم.

ذاك التراث الفقهى الكبير فيه الكثير مما يحتاج لمراجعة بالنسبة لمواضيع كثيرة، وعلى رأسها موضوع مكانة وحقوق ومسئوليات المرأة.

والثانى هو موضوع علم الأحاديث الذى تعرض للكثير من الأكاذيب المدسوسة والأحاديث المشكوك فى صحة بعضها، كما جمع بمنهجية فيها نقاط ضعف أبرزها الكثير من كتاب وعلماء الدين الإسلامى.

ولقد أظهر هؤلاء أن الكثير من الأحاديث المتعلقة بالمرأة، والمنسوبة للرسول الكريم، متناقضة أشد التناقض مع نصوص وروح وعدالة ومقاصد النصوص القرآنية من جهة ومع طهارة خلق وعفة لسان وإنسانية النبى صلى الله عليه وسلم من جهة أخرى.

المراجعة لهذين الحقلين ضرورية للغاية من أجل تغيير الثقافة الدينية للرجل العربى وتحريرها من التزمت والتخلف بشأن المرأة، وكذلك من أجل تعديل سلوكياته وتعبيراته ومواقفه بما يجعله يقبل الوضع الجديد للمرأة.

هذه المراجعة ستحتاج إلى جهد كبير من قبل المرأة نفسها لإقناع مختلف الجهات المعنية للقيام بها فى القريب العاجل. ومن أجل جعل صوت المرأة مسموعا فى هذا المجال ستحتاج المرأة تبنى المدخل الثالث.

ثالثا، انخراط المرأة العربية فى عضوية وأنشطة كل المؤسسات المدنية العربية، وعلى الأخص الأحزاب السياسية والنقابات والجمعيات المهنية والحراكات الجماهيرية.

فى كثير من الأحيان تركزت جهود المرأة من خلال انخراطها فى الجمعيات النسائية والتطوعية الخيرية. مع كل الاحترام لذلك الجهد إلا أنه لن يكفى. هناك حاجة لأن تنخرط الملايين من النساء العربيات، جنبا إلى جنب، مع أخيها الرجل فى كل الأنشطة المجتمعية المدنية. ولن يكفى انخراطها المبهر فى الحراكات الجماهيرية والثورية لإسقاط الاستبداد وإيقاف الفساد، كما مارسته عبر السنين الأخيرة، وكما نشاهده فى أيامنا الحالية فى السودان والجزائر.

ففى الغالب، ما إن تصل تلك الحراكات إلى نهايات زخمها حتى تعود المرأة إلى بيتها وحياتها الخاصة. المطلوب هو أن تنخرط بعد ذلك فى المؤسسات وتبقى فيها محاربةً ومناضلةً، بل قائدةً ذات كفاءة مضحية، لتجعل من حركة تمكينها وصعودها نتيجة مشاركة فعاله من قبلها، وليس نتيجة تكرُم من هذه الجهة أو تلك.

تلك المداخل الثلاث، فرض واقع جديد ومساهمة فعالة فى مراجعة الثقافة الدينية لتنقيحها من الأخطاء والتزمت والأكاذيب المدسوسة وانخراطها التام كعضوة فاعلة فى مؤسسات المجتمع المدنى بكل أنواعها، ستقود إلى تغييرات كبرى فى حياة المرأة العربية التى عانت ولا زالت تعانى ممن عاشوا ويعيشون بانتهازية على حساب كرامتها وآلامها ودموعها.

علي محمد فخرو  شغل العديد من المناصب ومنها منصبي وزير الصحة بمملكة البحرين في الفترة من 1971 _ 1982، ووزير التربية والتعليم في الفترة من 1982 _ 1995. وأيضا سفير لمملكة البحرين في فرنسا، بلجيكا، اسبانيا، وسويسرا، ولدي اليونسكو. ورئيس جمعية الهلال الأحمر البحريني سابقا، وعضو سابق المكتب التنفيذي لمجلس وزراء الصحة العرب، وعضو سابق للمكتب التنفيذي لمنظمة الصحة العالمية، وعضو مجلس أمناء مؤسسة دراسات الوحدة العربية، وعضو مجلس أمناء مؤسسة دراسات فلسطينية. وعضو مجلس إدارة جائزة الصحافة العربية المكتوبة والمرئية في دبييشغل حاليا عضو اللجنة الاستشارية للشرق الأوسط بالبنك الدولي، وعضو في لجنة الخبراء لليونسكو حول التربية للجميع، عضو في مجلس أمناء الجامعة العربية المفتوحة، ورئيس مجلس أمناء مركز البحرين للدراسات والبحوث.
التعليقات