رسالة داوود عبدالسيد: المجد للبراءة - عماد الغزالي - بوابة الشروق
السبت 18 مايو 2024 5:41 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

رسالة داوود عبدالسيد: المجد للبراءة

نشر فى : الإثنين 1 مارس 2010 - 9:29 ص | آخر تحديث : الإثنين 1 مارس 2010 - 9:29 ص

 لا يقدم فيلم داوود عبدالسيد الأخير «رسائل البحر» حكاية واحدة، وإن قدم بطلا تأسى لحالته وتنتظر بشغف لحظة انتصاره، لكنه يقدم مجموعة من الحكايات والإحالات التى ترسم بدلالاتها الرمزية الثرية، صورة لعالم يحفل بالتناقض والقسوة والادعاء.

يحيى (آسر ياسين) الذى يتلعثم عاجزا عن التواصل مع الآخرين، يحب الموسيقى، بسيط، واضح، يرفض أن يحصل على أشياء لا يستطيع دفع مقابلها، حتى لو كانت لحظات متعة مع غانية، رمز لزمن يولى، مفسحا مجاله لزمن آخر يتسيده الحاج هاشم (صلاح عبدالله)، الذى يريد أن يشترى المنزل القديم (الذكريات والذاكرة)، ليشيد بدلا منه مول تجارى.

يقف بنا داوود عبدالسيد فى معظم أفلامه عند تخوم عالم يزول وآخر يتشكل، كى نتابع بعين الكاميرا البصيرة مصائر أبطاله، الذين يسحقهم واقع شرس يخالف طبائعهم البسيطة، فيفقدون توازنهم، لكنهم يتشبثون بالأمل، وهو ما نلحظه فى مشهد الختام، حيث يبحر قارب صغير بالحبيبين، وسط بعض من ضحايا الحاج هاشم، أسماك قتلها بالديناميت، كى يجمع أكبر قدر منها فى شباكه، غير عابئ بتدمير مصدر للثروة يتعيش عليه الآخرون.

طبيعة يحيى التى ترفض الزيف والكذب، تناقض تماما رجل الأعمال المزواج (أحمد كمال)، الذى يبقى على زوجة ثانية (بسمة) فى موقع أقرب كثيرا من عشيقة، فتقرر باختيارها أن تتحول إلى مومس، باحثة عن المتعة بمقابل ودون مقابل.

قابيل (محمد لطفى)، تفارق صورته لدى الناس طبيعته الطيبة البريئة، لكن ملامحه المخيفة هى التى تؤمن له كسب العيش فلا ينكرها، وإن أقسم فى قرارة نفسه ألا يؤذى أحدا، ثم الفتاة الطليانية الشاذة التى تعترف لصاحبتها فى لحظات النشوة أنها اختارتها وتخلت عن يحيى لكن فى المكان الخطأ، فهى تعيش بعواطفها وعقلها فى إيطاليا، وهو ما دفعها إلى هذا الاختيار الذى تنكره تقاليد مجتمع شرقى.

يعرف داوود جيدا لغة السينما باعتبارها فنا بصريا بالأساس، فيقدم لك متعة بصرية رائقة تغلفها موسيقى مميزة لراجح داوود تحيل إلى ذكريات وحالات قصوى من الشجن والشفافية، وكأنك تشاهد لوحة من الفن التجريدى، تترك ألوانها وخيوطها ومساحات الكتل والفراغ فيها تأثيرات تحسها لكنك تجهل أسبابها، وربما هذا هو بالضبط ما أراده داوود، أن يترك فينا انطباعا، وأن يحرك بداخلنا شجونا، وأن يغرس ــ ربما ــ أملا، لا نعرف على وجه اليقين مصدره.

سينما داوود عبدالسيد لغة خاصة نحبها وننتظرها، سينما مناضلة دون زعيق والادعاء، وهذا النوع من الفن فى الحقيقة، هو الذى يبقى.

عماد الغزالي كاتب صحفي
التعليقات