الأبيض والأسود.. وبينهما الرمادى

عماد الدين حسين
عماد الدين حسين

آخر تحديث: السبت 31 ديسمبر 2011 - 8:00 ص بتوقيت القاهرة

أبيض أو أسود ولا لون رمادى بينهما». تلك هى خلاصة معظم برامج «التوك شو» التى انشغلت مساء الخميس بقصة قيام فريق من النيابة مدعوما بقوات من الشرطة والجيش بتفتيش 17 مقرا لفروع منظمات حقوقية فى القاهرة والإسكندرية.

 

«معالجة الأبيض والأسود» هى إحدى الكوارث التى يعانى منها مجتمعنا وكنا نعتقد أننا تخلصنا منها بذهاب مبارك، لكن الخبر السيئ أن جوهر النظام مايزال قائما.

 

منذ سنوات طويلة والمجتمع منقسم بشأن المنظمات الحقوقية التى تتلقى تمويلا أجنبيا، البعض يراه حقا مشروعا والآخر يعتبره خيانة عظمى.

 

من وجهة نظر منظمات حقوق الإنسان فإن الحملة ضدها منذ نشأتها وحتى الآن هى عقاب أمنى على نشاطها الحقوقى الفاضح لانتهاكات حقوق الإنسان، ومن وجهة نظر الحكومة فإن هذه المنظمات لا يشغلها إلا الحصول على الدولارات واليوروهات وكل ما هو عملة صعبة والإساءة إلى سمعة مصر «خدمة لأجندات معادية».

 

المؤكد حتى هذه اللحظة ان هناك مساحة رمادية كبيرة لا يريد أحد أن يقترب منها.

 

المنظمات الحقوقية لعبت دورا لا ينكره إلا أعمى أو جاحد فى الدفاع عن حقوق الإنسان وفضح قضايا التعذيب، ودافعت عن الناشطين السياسيين الذين تعرضوا للمطاردات والتنكيل، كما كان لها دور بارز ومحترم فى ثورة 25 يناير.

 

لكن ذلك لا ينبغى أن يرفعه البعض شعارا كى يسول له تلقى تمويل أجنبى غير شرعى.

 

شخصيا كنت أتمنى أن يكون كل التمويل لهذه المنظمات محليا، لأن «الأجنبى» لن يمولنا من أجل «سواد عيوننا» لكن بما أن العالم صار متداخلا ورجال أعمالنا أكثر بخلا وخوفا من أجهزة الأمن، فقد صار التمويل الأجنبى امرا واقعا.. ولذلك فالحل ان يكون شفافا ورسميا.

 

عندما اتهم اللواء حسن الروينى حركة 6 أبريل بتلقى تمويل اجنبى قامت الدنيا ولم تقعد تطالبه بعدم القاء الكلام على عواهنه.. الآن التحقيق بدأ بمعرفة النيابة، فلماذا المندبة التى يقيمها كثيرون؟.

 

لا أحد يوافق على الطريقة العشوائية التى تم بها دخول أو اقتحام المراكز الحقوقية وهو أمر لم يحدث فى مواجهة البلطجية الحقيقيين لكن فى المقابل كان على هذه المراكز أن ترحب بالتفتيش والتحقيق طالما انه سيظهر الحقيقة.

 

لا يمكن لعاقل أن يتهم كل من يتلقى تمويلا بانه حرامى أو خائن، فهناك الكثير من المنظمات المحترمة فعلا، لكن هناك أيضا تقارير متواترة عن استفادة البعض من هذه الأموال، فى شراء فيللات وسيارات وارصدة بنكية شخصية أو حتى فى حملات انتخابية.

 

لو كنت مكان الجمعيات اوالمراكز لرحبت فورا بالتحقيق حتى تنجلى الحقيقة، وينتهى الأمر إلى الأبد.

 

أما النقطة الأكثر أهمية، فهى مطالبة بعض أصحاب هذه المراكز بتلقى أموال مباشرة من بلدان أجنبية ومنها أمريكا دون الخضوع للقانون المنظم لذلك.

 

قد يكون القانون الحالى متعسفا وقمعيا.. لكن هل البديل أن يتلقى مركز أو جمعية أو حركة سياسية تمويلا مباشرا من أى دولة أجنبية؟! لو حدث ذلك فسوف يتحول هذا المركز أو الحركة إلى منظمات للتجسس.

 

مثلما نطالب الحكومة بالشفافية فى الأموال التى تتلقاها من الخارج، فعلى المنظمات الحقوقية أن تفعل ذلك أيضا. لانها إذا كانت طاهرة وعفيفة وشريفة فما الذى يمنعها من إعلان المبالغ التى تتلقاها من الداخل والخارج وكيف تم انفاقها؟!.

 

ندين بأقوى العبارات الممكنة الطريقة التى تم بها اقتحام المراكز الحقوقية، وندين بنفس القوة محاولة بعض المراكز «الغلوشة» والتركيز على الاقتحام والهروب من الشفافية.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved