الأصلى والتقليد

جميل مطر
جميل مطر

آخر تحديث: الأربعاء 30 نوفمبر 2011 - 9:20 ص بتوقيت القاهرة

لماذا يذهب كل هؤلاء الناس إلى ميدان التحرير فى جمعة «المليونيات»؟ يذهبون لأسباب ودوافع متعددة، أهمها بدون شك الرغبة فى التعبير عن الرأى والمشاركة فى أحد أهم أنشطة الثورة. ومع ذلك فبعضهم وربما أكثرهم يذهب لأنه يريد أن يفعل ما يفعله الآخرون، وهو الذهاب إلى التحرير يوم الجمعة. يريد أن يقلدهم. كلنا نقلد ولكن نخجل من الاعتراف بأننا نقلد. لو عرفنا أن تقليد الآخرين لا يعنى أننا بدون إرادة، أو أننا مدفوعون بدوافعهم، لما خجلنا من الاعتراف بأننا نقلد وسنستمر نقلد.

 

●●●

 

حرق بوعزيزى نفسه، رحمه الله، ولولا أنه أشعل فى نفسه النار ما حرق ثلاثون غيره أنفسهم. ولو لم تنشب ثورة فى تونس لما نشبت ثورة فى مصر أو لتأخر نشوبها، ولما نشبت ثورة فى ليبيا أو فى اليمن أو فى سوريا. إن الشبان الذين فجروا ثوراتهم فى تونس ومصر وليبيا وسوريا واليمن كانوا يقلدون شبانا ثاروا فى بلاد أخرى. صحيح أنه كان لهؤلاء الشبان العرب دوافعهم الوطنية أو الاجتماعية، ولكن بعضا منهم بالتأكيد «تماهى» مع الثوار فى دولة أخرى أو فى زمن آخر واشتعلت لديه الرغبة فى أن تكون له ثورة خاصة به.

 

●●●

 

نكتب المقالات والقصص والروايات ولا نعترف بأن فكرة فيها أو أكثر قرأناها فى مكان آخر. لا نعترف لأننا فعلا لا نعرف أو لأننا نخجل أن نعترف. أغلب الظن، وفى أغلب الحالات، يكون الكاتب قد قرأ الفكرة فى مقال لكاتب آخر، أو سمعها على لسان متحدث فى محاضرة أو ندوة أو ترددت على ألسنة العامة فى الشوارع والميادين. يعتقد كل كاتب أن الفكرة التى شيد عليها مقاله أو قصته أصلية، أى من ابتكاره وإبداعه، ولعله صادق فيما يعتقد. هو بالفعل ربما لم يقصد تقليد أحد حين كتبها، ولا يتذكر إن كان قرأها من قبل أو سمعها، بينما فى غالب الأمر، قرأها أو سمعها ونسى أنه كان يعلم بوجودها، وها هو يكتب عنها بعد أن أضاف عليها من عنده أو حذف منها.

 

●●●

 

تسأل لوسى كيللاواى فى مقال لها بعنوان «التقليد، أم أحسن الاختراعات Copying :The Mother of the Best Inventions، لماذا الخجل أو الخوف من سمعة تقليد الأفكار ونسخها؟ تعالوا نتخيل حالة ثقافة فريدة فى نوعها. بلد كل مفكريها وكتابها وعلمائها وسياسييها لا تصدر عنهم إلا أفكار ومبادرات أصلية، لا أحد فى هذا البلد يكتب فكرة سبق أن كتبها غيره من مواطنيه أو مواطنى بلد آخر منذ بدء التاريخ. لا أحد يفعل شيئا فعله غيره من قبل. المؤكد أن مثل هذا المجتمع الثقافى لم يخلق بعد ولن يوجد. وإن وجد فسيكون مجتمعا من العباقرة أو الدمى مفككة أجزاؤه بدون تاريخ يذكره ولا مستقبل يخطط له. لقد مارس الإنسان التقليد فى المجتمع البدائى وبدونه ما تعلم النطق بالحروف. آدم فى الأسطورة لم يتوانَ عن تقليد حواء، والطفل لا يتوقف عن تقليد من حوله.

 

●●●

 

الفرد العادى منا يفضل شراء سلعة أقبل عليها المستهلكون، وقراءة رواية تحظى بإعجاب قراء آخرين، وزيارة طبيب أثنى على مهاراته الجراحية مرضى سابقون. أكثرنا يفضل التعامل مع شخص «مجرب» على شخص لم يجرب.

 

●●●

 

نحترم القاعدة التى تقول إن صاحب التجارب العديدة له أسبقية على صاحب التجارب القليلة عند اختيار شخص مناسب لمنصب سياسى وإدارى كبير فى الدولة. لكن احترامنا لهذه القاعدة لا يصل إلى حد الموافقة على اختيار الدكتور الجنزورى رئيسا لوزراء مصر فى زمن ثورة. مصر الثورة فى حاجة إلى قيادة تجمع بين الخبرة والإبداع. قيادة تجيد التقليد وتبدع فى التجديد.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved