فيلمان

كمال رمزي
كمال رمزي

آخر تحديث: السبت 30 أكتوبر 2010 - 10:09 ص بتوقيت القاهرة

 سينما آزادى» و«آش» أو «الرماد» فيلمان جميلان، مهمان، هى من وعن منطقة تقترن، تاريخيا وجغرافيا بالمعارك الحربية، ذلك أنها تقع بين شقى رحى العراق وإيران «عربستان» حسب اللغة العربية و«خوزستان» وفقا للتسمية الفارسية.. الفيلمان المتمتعان بنزعة تسجيلية تشع بالصدق يبددان شيئا من ضباب يحيط بهؤلاء الاهالى الذين يعرفوننا أكثر مما نعرفهم.

«سينما آزادى» اسم دار العرض التى نشهد حكايتها، كاتب السيناريو، المخرج مهدى توفى، استفاد من قدراته كقصاص وشاعر فى بناء فيلمه حيث نسمع صوت الراوى من خارج الصورة، يسرد علينا تاريخ سينما يمتزج بتاريخ المدينة ولا ينفصل عن تاريخه الشخصى، يبدأ الفيلم بجنازة وندرك انها لصاحب دار العرض يتهادى صوته المبلل بالوهن مع دخول الكاميرا إلى بيته الخاوى، صالة كبيرة، تشغلها أكوام مقاعد، سينما مهجورة.

تصعد الكاميرا إلى الدور العلوى، تطالعنا بقايا حياة ومنها صورة الرجل وعليها شريط رفيع أسود..

مع صوت الرجل تتدفق المشاهد من الماضى إلى الحاضر، يخطرنا أن يوم زواجه توافق مع افتتاح دار العرض، وذلك في العام ١٩٤٧ يعود الفيلم إلى الوراء ليرصد على نحو حميمى، وجوه الجمهور المندمجة تماما مع ما يدور على الشاشة، عيون منبهرة موحدة الانفعالات تتابع بنشوة، شارلى شابلن، وآخرين من بينهم منير مراد فى احد استعراضاته، ولاحقا يتحدث أحد كبار السن عن عشق الأهالى لفريد الاطرش وعبدالحليم حافظ، كان الذهاب للسينما جزءا من تقاليد العيد، هكذا يقول الراوى مع صور رقيقة لآباء يضعون أولادهم على ارجلهم وبنات بوجوه نضرة وعيون متعاطفة لكن تلك الايام لا تدوم ودار العرض لا تبقى، الرجل يدخل السجن ويخرج منه قعيدا، وسينما آزادى تحترق إما بسبب غارة جوية أو بفعل من يظن انها حرام.. وينتهى الفيلم بانتهاء مراسم الجنازة.. انه مرثية لا تمس شغاف القلب وحسب، بل تنعش العقل وتجعله ينتبه الى من يحبنا فى بلاد قد تبدو بعيدة.

أما الفيلم الثانى فإن عنوانه المكتوب بالانجليزية هو «ASH» ومعناه رماد، وربما كانت الكلمة مجرد تعبير عن كلمة «ايش» العامية ولكن بلهجة «العربستانيين»، الفيلم اقرب للتحقيق، يتعرض بشمول وعمق لهؤلاء المنسيين بين التاريخ والجغرافيا، فالمنطقة تخضع فى حقبة للحكم الايرانى، ثم العراقى ثم الايرانى، لكن المشكلة، أو المأساة، الابعد غورا ــ كما يقول احد مبتورى الاطراف ــ ان الايرانيين يعتبرونهم خونة والعراقيون أيضا ينظرون لهم كمشروع خيانة، «آش» يعشق وجوه الاطفال، ذات الطابع الملائكى ويشير بقلب يقظ إلى حرمانهم من المدارس والمستشفيات ولا يفوته بصدد دبابات محترقة وقذائف لم تنفجر بسبب تلك الحرب العبثية بين ايران والعراق.

انه عرض حال بالغ الثراء للتاريخ والجغرافيا وفى المحل الاول للبشر بأمانيهم وهمومهم واغانيهم.. والاهم: اصرارهم على مواصلة الحياة وانتزاع لحظات بهيجة خلال افراح الزواج.

مخرج هذا الفيلم حبيب ساجد، شاب نحيل، مهذب، منحنى الفيلمين اثناء مهرجان أبوظبى، وقال إنهم يتابعون الفن المصرى خاصة السينما لكننا لا نعرفهم، وتمنى لو أشاهدهما وأكتب عنهما.. ووعدته بأن أفعل.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved