ما بعد العفو الرئاسى

زياد بهاء الدين
زياد بهاء الدين

آخر تحديث: الثلاثاء 29 سبتمبر 2015 - 8:20 ص بتوقيت القاهرة

قرار رئيس الجمهورية بالعفو عما  يقرب من مائة سجين، معظمهم من سجناء قانون التظاهر، يجب أن يكون محل ترحيب لأنه وضع نهاية للظلم الواقع عليهم بموجب هذا القانون الجائر، كما أنه عن انتصارهم فى معركة الدفاع عن حرية التعبير والاحتجاج السلمى. ولكن تظل هناك أسئلة كثيرة تجعل فرحة المعفى عنهم وأصدقائهم وأنصارهم ممزوجة بمرارة الظلم الذى تعرضوا له والقلق على من تركوهم: ما مصير باقى سجناء قانون التظاهر؟ وما أثر العفو على استمرار العمل بالقانون؟ والأهم من كل ذلك هل يكون هذا العفو الرئاسى بداية لتصحيح وضع خاطئ يتجاوز المائة المعفو عنهم ويفتح باب التهدئة على الساحة السياسية، أم أنه نهاية المطاف ؟ 

إن كان العفو الرئاسى هو آخر ما تنوى الدولة أن تقدمه من أجل تخفيف الاحتقان السياسى وكسب الشباب للساحة العامة مرة أخرى، فإن أثره لن يتجاوز الترحيب المؤقت والاحتفاء الذى حظى به فى مصر والعالم، ولكن سرعان ما يتلاشى هذا الأثر وتعود الأمور لسيرتها السابقة. أما إذا كان بداية لمراجعة حقيقية ومطلوبة لموقف الدولة من قضية الحقوق والحريات والمشاركة السياسية، فلا مفر من أن تلحقه خطوات أخرى، وأن تكون سريعة وحاسمة لكى تحدث الأثر المطلوب. 

أولى هذه الخطوات هو إلغاء قانون التظاهر وفتح باب الحوار حول النظام القانونى المطلوب لتنظيم وحماية حق التظاهر السلمى على نحو ما هو معروف عالميا وفى إطار الضوابط والضمانات المعمول بها فى النظم الديمقراطية. القانون الحالى ما كان يجب أن يصدر أصلا، وقد تم تقديمه للرأى العام فى نهاية عام  ٢٠١٣ باعتباره وسيلة ضرورية لمواجهة العنف والارهاب والتخريب. ولكن الحقيقة أن الغرض منه كان تقييد حق التظاهر السلمى وإسكات صوت الاحتجاج الشبابى، وأن قانون العقوبات كان كافيا للتعامل مع المخربين والإرهابيين ومرتكبى العنف. لذلك فإن الملف سوف يظل مفتوحا والسيف معلقا على الرقاب ما لم يتم إلغاء القانون واستبداله بتشريع يتفق مع الدستور الحالى ويحمى حق التظاهر السلمى كما يحمى المجتمع من استغلال هذا الحق للقيام بأعمال عنف أو تخريب أو إرهاب. 

أما ثانى هذه الخطوات فهو العفو عن باقى المسجونين بتهم ترتبط بالمشاركة فى التظاهر السلمى أو فى التعبير عن الرأى بأية وسيلة سلمية، لأن قانون التظاهر سقط فعليا وفقد مصداقيته ولم يعد ممكنا ترك المسجونين بموجبه فى محبسهم. 


وأخيرا فإن ثالث خطوة ــ وأصعبها ــ هو أن تستغل الدولة الشعور الإيجابى الذى صاحب خروج مجموعة المائة، وتبنى عليه من أجل وضع نهاية لحالة الاحتقان السياسى والانقسام فى المجتمع وفتح صفحة جديدة لاعادة البلد إلى المسار الديمقراطى. وهذا أمر لا يمكن تحقيقه فى لحظة واحدة ولا بموجب قانون أو قرار يصدره رئيس الجمهورية فقط، بل يحتاج إلى إرادة حقيقية وقرار واضح بفتح الحوار بين الأطراف الحريصة على سلامة البلد واستقراره. المطلوب هو مراجعة القوانين المقيدة للحريات الصادرة فى الأعوام الأخيرة، ورفع القيود القانونية والفعلية المفروضة على المجتمع المدنى والأحزاب والنقابات، واتخاذ موقف حاسم من حالة التحريض الاعلامى وبث الكراهية والانقسام فى صفوف المجتمع، والاتفاق على أن يكون احترام الدستور والقانون واستقلال القضاء هو عنوان المرحلة المقبلة.
 
الترحيب الواسع بقرار العفو الرئاسى والاحتفاء من كل الأطراف بالخارجين من السجن مرفوعى الرأس ومنتصرين فى قضيتهم العادلة يؤكدان أن المجتمع يبحث عن التهدئة، ويتمنى أن يزول الاحتقان والانقسام، وأن خطاب التحريض صار مكروها، وأن العقلاء فى هذا البلد يدركون أن مصر بحاجة لتوافق سياسى واجتماعى جديد لكى يمكنها تحقيق الأمن والاستقرار والانتصار على الارهاب والتقدم اقتصاديا، كما يدركون أن كل هذا ممكن دون التفريط فى الحريات ودون غلق المجال السياسى.

فهل نستغل هذه الفرصة لفتح صفحة جديدة، أم ينتهى الأمر عند هذا الحد ويبقى الحال على ما هو عليه؟   

***
مع خالص تهنئتى للمعفى عنهم بسلامة الخروج، وتمنياتى لزملائهم بالحرية.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved