الهاوية.. أم حافتها فقط؟

عبد العظيم حماد
عبد العظيم حماد

آخر تحديث: الخميس 29 يونيو 2017 - 9:55 م بتوقيت القاهرة

حين يقول سياسى أوروبى بحجم ماسيمو داليما رئيس وزراء إيطاليا الأسبق إن السعودية تتوق إلى ضرب إيران بقنبلة نووية، فإن الموقف فى الخليج، وفى الشرق الأوسط عموما، يكون أخطر بكثير من أسوأ مخاوفنا.

قال داليما ذلك فى حديث نشر يوم 13 يناير من العام الماضى فى صحيفة كوريير دى لاسيرا، وجاءت عبارته بالحرف الواحد كما يلى: إنه يعلم أن الملك عبدالله بن عبدالعزيز ملك السعودية الراحل كان مهتما بقصف إيران بقنبلة نووية، ومع أنه لم يوضح من أين استقى معلوماته، فإن هذه العبارة جاءت مباشرة بعد قوله إنه كانت تربطه علاقة وطيدة بالأمير سعود الفيصل وزير الخارجية السعودية لأكثر من ثلاثين عاما. 

يعرف الجميع أن الملك سلمان، وولى عهده وابنه يظهران علنا درجة أعلى من التصميم على معاداة إيران، مما كان يبديه الملك السعودى الراحل عبدالله، ولكن الجميع يعرفون أيضا أن السعودية لا تملك سلاحا نوويا، كما نعلم أن الأسلحة النووية ليست للبيع، وإذا أخذنا الاهتمام السعودى بتوجيه ضربة نووية إلى إيران مأخذ الجد ــ طبقا لتأكيد السياسى الإيطالى الأوروبى الكبير ــ تصبح أقرب الاحتمالات هى الاعتماد على إسرائيل، لأن هذه الأخيرة هى وحدها التى لديها الدافع والعزيمة لمهاجمة إيران من بين الدول النووية، وذلك للحيلولة دون تطوير سلاح نووى ايرانى، كما قلنا هنا فى الأسبوع الماضى، وهذه سياسة إسرائيلية معلنة بالأقوال.. وبالأفعال فى مفاعل أوزيراك العراقى، ومفاعل ديرالزور السورى.

وفقا لهذا الاستنتاج تظهر للعين المجردة تفاصيل أوضح وأعمق لدوافع اللهفة السعودية على الانفتاح على إسرائيل إلى حد التحالف العلنى معها ضد إيران، ووفقا لما كتبه المعلق الإسرائيلى المطلع يوس ميليمان أخيرا فى صحيفة معاريف، فإن هناك إنجازات تخلب الألباب فى العلاقات الإسرائيلية السعودية، تختفى تحت قمة جبل الجليد الظاهرة للعيان، والمتمثلة فى نقل السيادة على جزيرتى تيران وصنافير من مصر إلى السعودية، بموافقة إسرائيلية، أو بالأحرى باقتراح إسرائيلى.

مما تسرب أخيرا من تلك التفاصيل «الخلابة» المناورات البحرية المشتركة بين السعودية وإسرائيل فى البحر الأحمر، والاتفاق على إقامة غرفة عمليات مشتركة بين السلاحين البحريين للبلدين فى جزيرة تيران نفسها لتأمين خليج عدن، ومضيق باب المندب، والبحر الأحمر.

ربما يفهم بعض القراء من العرض السابق أننا نرفض السياسة السعودية نحو إيران بالمطلق، لذا يجب التأكيد أننا لا نتفهم أو نؤيد فقط حق السعودية وسائر الشقيقات الخليجيات فى القلق من تمدد النفوذ الإيرانى «الشيعى» فى الإقليم من العراق ولبنان شمالا، حتى اليمن جنوبا، بل إننا نؤيد، ويجب أن نؤيد حق السعودية والأشقاء فى الخليج فى ردع هذا التمدد الايرانى، وهزيمته بجميع الوسائل، بما فى ذلك المواجهة المسلحة إذا لزم الأمر، ولكن ذلك كله شىء، والتحالف مع إسرائيل شىء آخر، ومساندة أو تحفيز ضربة نووية إسرائيلية لإيران شىء ثالث.
غير أن الواجب يقتضى ــ كذلك ــ أن نذكر أن الإصلاح الداخلى فى اتجاه المشاركة السياسية والمواطنة هو خط الدفاع الأقوى أمام إلهام النموذج الإيرانى للأقليات الشيعية فى منطقة الخليج والجزيرة العربية، ويلى ذلك توافق السعودية والإمارات على خطة للتسوية السياسية فى اليمن، بما أن تباين التحالفات الداخلية لكل من الرياض وأبوظبى فى الصراع اليمنى، يعرقل توحيد الجبهة المناوئة، والمفاوضة فى آن واحد لحلفاء إيران اليمنيين.

كذلك فهناك المظلة الأمريكية التى كانت ولاتزال فعالة فى ردع أى تهور إيرانى مباشر ضد أى من دول المنطقة، وما تجربة الكويت مع صدام حسين ببعيد، ولذا فعلى الرغم من كل ما صدرته، وتصدره إيران من عوامل عدم الاستقرار فى الخليج منذ «ثورتها الإسلامية الشيعية»، فإنها لم تحرك قواتها خارج حدودها فى منطقة الخليج على الإطلاق، ولم تفعل ذلك فى سوريا والعراق، إلا بناء على طلب الحكومتين هناك، وبغض طرف من الولايات المتحدة.

وحتى إذا افترضنا أن كل السياسات السابق عرضها لا تكفى للقضاء على التهديد الإيرانى للإخوة فى الخليج والجزيرة العربية بنسبة 100%، فإنها تحسن الموقف، بمعنى أنها تحد كثيرا من هذا التهديد، انتظارا لتطورات دولية وإقليمية سوف تستجد ــ لامحالة ــ لإقرار ترتيبات أمنية شاملة، وفى مقدمة هذه التطورات، اتجاه النظام الإيرانى إلى الاعتدال بعد وفاة المرشد الحالى للثورة، أو حدوث تغييرات راديكالية داخل النظام بضغوط شعبية تطمح إلى التنمية، إذا خفت حدة الاستقطاب المذهبى، ومن تلك التطورات المتوقعة أيضا هزيمة تنظيم داعش التى أصبحت الآن أقرب من أى وقت مضى.

عند هذا الحد لابد أن كل مواطن عربى يسأل نفسه: هل حسابات التحالف السعودى مع إسرائيل رشيدة بنسبة معقولة، حتى إذا تغاضينا مؤقتا عن القضية الفلسطينية، وعن الطموحات الخطيرة للمشروع الصهيونى الأصلى، وكذلك إذا تغاضينا عن أن القوى التى تحكم اسرائيل حاليا هى القوى المؤمنة بهذا المشروع بحذافيره، وعن أن الاختراق الإسرائيلى للخليج على هذا النحو سيبقى هذه القوى فى الحكم فى تل أبيب أحقابا متطاولة ؟؟! 
قلنا هنا فى الأسبوع الماضى إن إسرائيل لن تخاطر بتوجيه ضربة نووية، أو غير نووية لإيران إلا بشرطين، هما موافقة واشنطن، وإزالة أو تحييد خطر حزب الله اللبنانى الشيعى ــ الذى لا يستهان به ــ عليها.

وبفرض أن الولايات المتحدة تحت رئاسة دونالد ترامب أعطت الضوء الأخضر لإسرائيل لضرب إيران من قواعد قريبة «فى الخليج»، فهل يتحقق الشرط الثانى، أى إزالة أو تحييد خطر حزب الله؟

نظريا يفترض أن القبة الحديدية من صواريخ باتريوت المضادة للصواريخ قد أقيمت لحماية إسرائيل من هجمات صاروخية محتملة سواء من لبنان، أو من غزة، ولكن التجربة تثبت كل يوم أن هذه القبة يمكن اختراقها حتى بصواريخ بدائية، كالذى أطلق من غزة منذ عدة أيام، فضلا عن أنه ثبت بالتجربة أيضا فى حرب عام 2006 أن حزب الله قادر على الاحتفاظ بمفاجآت استراتيجية وتكتيكية سرا.

أيضا ليس من المنطقى استبعاد اندلاع اضطرابات واسعة فى مناطق تركز المواطنين الشيعة فى جميع دول الخليج، بما فى ذلك السعودية نفسها، فى حالة تعرض إيران لضربة إسرائيلية مؤيدة أو محفزة من دول الخليج، ومنطلقة من أراضيها، وفى هذه الحالة لن يمضى وقت طويل حتى تتدفق ميليشيات الحشد الشعبى «العراقية الشيعية» لمناصرة شيعة الخليج، بعد أن اكتسبت هذه الميليشيات خبرات قتالية وتنظيمية من مشاركتها فى الحرب ضد داعش، وبذلك تتاح الفرصة المشئومة لتنفيذ حلم المحافظين الجدد (فى إدارة بوش الابن) بتقسيم السعودية نفسها، وبهذا يخسر الجميع، بل إن الولايات المتحدة نفسها سوف تخسر صداقتها الحالية مع شيعة العراق، فى حين سوف تكون إسرائيل هى الفائز الوحيد.

نمضى فى تحليلنا خطوة أبعد، فنفترض أن جميع تلك المخاوف لا وجود لها، فماذا سيكسب الخليجيون وجميع العرب من إزالة الخطر الإيرانى، ليحل محله تكريس إسرائيل قوة إقليمية عظمى وحيدة، تملك قدرة الابتزاز النووى للجميع، بعد أن تكون قد أرست السابقة فى الحالة الإيرانية، وليس هذا فحسب، بل ستصبح إسرائيل شريكا فاعلا فى كل قرار داخلى أو خارجى مهم فى العواصم العربية الكبرى والصغرى.

لعل البعض منا لم ينس تصريح المسئول السابق برئاسة الجمهورية المصرية فى عهد حسنى مبارك بأن كل رئيس مصرى مقبل يحتاج موافقة إسرائيل والولايات المتحدة عليه، مع أن كل ما كان يربط مصر بإسرائيل وقتها هو اتفاقية سلام.. فماذا سيكون الحال، إذا أصبحت اسرائيل هذه هى الحامية لأمن الخليج، والقائدة للنظام الإقليمى المستجد؟!

لكل ذلك وغيره نأمل أن لا تتجاوز استراتيجية التحالف السعودى الخليجى مع إسرائيل التصعيد حتى حافة الهاوية، دون الوقوع فيها، وإذا كان لذلك أيضا مخاطره، فإن بعض الشر أهون من بعضه.

 

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved