دور السلفية الغائب لمواجهة الفكر التكفيرى

علي محمد فخرو
علي محمد فخرو

آخر تحديث: الأربعاء 28 نوفمبر 2018 - 11:25 م بتوقيت القاهرة

فى مقالة الأسبوع الماضى شدَّدنا على أن المواجهة الشاملة لظاهرة الجهاد التكفيرى العنفى تحتاج، إضافة إلى المواجهة الأمنية، مواجهات أخرى من خلال ثلاث خطوات إضافية: مراجعات نقدية وإصلاحات جذرية للثقافة الإسلامية، خصوصا فى مكونيها الفقهى وعلوم الحديث، مناهج دراسية عربية مشتركة ترسخ الاستنارة بالمقاصد الكبرى للرسالة الإسلامية والتسامح، وأخيرا معالجة أسباب الغضب واليأس عند الشباب والشابات العرب الناتجين عن القهر السياسى والاجتماعى وغياب العدالة الاجتماعية والفرص المتساوية والحرية المعقولة فى أرض العرب. وبينا ضرورة أن تكون المواجهة مشتركة من قبل سلطات الحكم ومؤسسات المجتمع المدنى المعنية بالأمر.
بالطبع فإننا ندرك أن المواجهات الثلاث ستحتاج إلى عقود من السنين لإنضاجها، خصوصا فى أجواء الخلافات والمنازعات والصراعات العبثية فيما بين الأنظمة السياسية العربية من جهة، وفى حالة الضعف الشديد للمجتمعات المدنية العربية من جهة أخرى.
لكن يبقى سؤال ملح يحتاج إلى إجابة وهو: أليس من المفروض أن يكون هناك دور مواجهة ومؤثر لمختلف المؤسسات والجماعات التى تنضوى تحت شعار السلفية الإسلامية، وذلك لمواجهة ظاهرة الجهاد التكفيرى العنفى المليئة بالأخطار على سمعة ومكانة ومستقبل الدين الإسلامى من جهة والمتناقضة كليا مع عدل وسماحة ورحمة الرسالة السماوية الإسلامية من جهة ثانية؟ ما يبرر طرح هذا السؤال هو أن منظِّرى وتابعى وممارسى تعاليم تلك الظاهرة وشعاراتها المفجعة يعتبرون أنفسهم من السلفيين ويسمون شتى حركاتهم بالتنظيمات السلفية الجهادية. وهى محاولة لخلط الأوراق والحصول على الدعم العاطفى من قبل الملايين من السلفيين العاديين البسطاء الذين ليسوا فى وارد التدقيق والتمحيص.
ولكن لن يكفى أن تميز مختلف الحركات والمدارس السلفية الأخرى نفسها، وتنئى بنفسها عن بشاعات السلفية الجهادية تلك، من خلال تبنيها لأسماء من مثل السلفية العلمية، أو السلفية الإصلاحية، أو السلفية المحافظة الدعوية، أو السلفية المعارضة...إلخ، من الأسماء والصفات المتنوعة.
***

المطلوب أكثر من ذلك بكثير. المطلوب هو تفكيك ونقد ورفض كل ما هو خاطئ أو ضعيف أو ملتبس أو غير عادل أو متناقض مع روح الإسلام أو مختلق كاذب فى نظريات وأسس ومنهجيات وتطبيقات وأهداف كل الحركات التى انضوت تحت راية السلفية الجهادية وسمت نفسها بأسماء من مثل القاعدة وداعش والنصرة وتفريعاتهم. على أن تكون عملية التفكيك والنقد والرفض تلك مقدمة لإعلان واضح وصريح يقول بأن كل التراث السلفى، بغالبية مدارسه، وبأغلبية فقهائه، لا يقر بأية صورة من الصور، بل ويتعارض إلى أقصى الحدود، شعارات وممارسات ما يسمى « بالسلفية الجهادية».
نحن نتكلم هنا عن قطيعة تامة وبراء دينى واضح مع كل ما تقوله وتفعله حركات «السلفية الجهادية» من جنون عنفى سادى وتلصقه بهذا الفقيه، أو بتلك المدرسة الفقهية، أو بذلك الحديث النبوى الضعيف أو المدسوس أو بفهم متخلف متزمت مجنون لهذه الآية القرآنية الكريمة أو تلك، أو برفض لتاريخية بعض مواقف السيرة النبوية المرتبطة بإملاءات واقع تلك الأزمنة.
نحن نتكلم عن مجهود واحد مشترك، لا غمغمة فيه، تقوم به كل السلفيات الإسلامية، الرسمية وغير الرسمية، لإبعاد نفسها وإبعاد تراثها عن القراءات الفقهية المجنونة لتلك «السلفية الجهادية» التى غررت بأتباعها لحرق الأخضر واليابس فى كل أرض العرب، بل وفى كثير من أجزاء العالم.

ذاك الخطاب السلفى من قبل عموم مكوناته بشأن الخطاب السلفى الجهادى وممارساته أصبح وجوده من الضرورات لإقناع الملايين من الشباب المتدين بوجود فروق كبيرة بين ما تنادى به السلفيات الأخرى بكل تلاوينها الروحية وما تنادى به منفردة شتى تنظيمات السلفية الجهادية. ذلك أن هؤلاء الشباب لن يستمعوا لما تقوله المؤسسات الرسمية الدينية وغير الدينية لوجود فجوة بينهم وبين الكثير من حكوماتهم، ولن يقبلوا بما تقوله مختلف الأحزاب والمؤسسات المدنية وما يكتبه الكثير من الكتاب والمثقفين لاعتقادهم بأن هؤلاء من المعادين للدين باسم العلمانية. بل ولديهم شكوك حتى فى ما تقوله الأحزاب الإسلامية المنخرطة فى العمل السياسى العام لاعتقادهم بأنها فى تنافس مع السلفية الجهادية على السلطة والجاه، وبالتالى فهى منحازة ضدهم.

لكنهم سيستمعون لمن يعتقدون أنه لن تنطبق عليهم تلك التحفظات والمآخذ.
التنظيرات التى تفنن فى وضعها وتسويقها العديد من قادة التنظيمات السلفية الجهادية المعروفين هى موضوع لكتاب، بل مجلدات، لكن هناك منطلقات وشعارات كبرى يمكن ذكرها كأمثلة تحتاج لنقدها والرد عليها من أجل خلق وعى دينى مستنير متسامح متعايش مع الديانات والثقافات الأخرى.
هناك الربط التعسّفى بين مفهوم التوحيد الذى يمثل المنطلق الأساسى الإيمانى فى الدين الإسلامى وبين مفهوم الحاكمية التى نادى بها أمثال سيد قطب والمودودى. المفهوم الأخير أدى إلى تكفير البلاد الإسلامية المحكومة بالدساتير والقوانين الوضعية، حتى وإن طبقت الشريعة، وبالتالى إلى واجب الخروج على الحكام واعتبارهم أعداء للدين. وكنتيجة منطقية هناك رفض للنظام الديموقراطى برمته.
هناك المناداة بحتمية الصراع بين أصحاب الإيمان وأصحاب الكفر، أى بالنتيجة بين الإسلام وسائر الديانات والثقافات الروحية الأخرى. ومن أجل حسم ذلك الصراع ينبغى أن يكون الجهاد العنفى هو الأسلوب الأوحد للتعامل مع غير المسلمين، أى إبقاء ديار العرب والمسلمين فى حرب أبدية مع بقية العالم.
وحتى فى طرح شعار الحاكمية، أى الحكم بما أنزل الله، هناك نقاط غموض فى الفهم وتعسف فى التطبيق. وهذا موضوع بالغ التعقيد وملىء بالتفاصيل المختلف من حولها.
وأخيرا هناك إشكالية أهم مصدر فقهى يعتمد عليه الجهاديون التكفيريون لتبرير أفعالهم، وهو تراث ابن تيمية الفقهى. فهناك ما يثبت أن كثيرا مما نادى به الفقيه المجتهد ابن تيمية قد أسىء فهمه، أو حرِّف، أو ابتسر من منطقه العام، أو فصل عن ملابساته وظروفه التاريخية وطبق بتعسف على واقعنا العربى والإسلامى الحاضر المختلف كليا وجذريا عن الواقع التاريخى لزمن ابن تيمية.
هذه أربع إشكاليات، من بين عشرات، ستحتاج إلى نقد وإعادة فهم من أجل إقناع الشباب بالتخلى عن فهمهم السابق الخاطئ ومن أجل أن يدركوا بأن الإسلام ما عاد يحتاج لأناس يموتون من أجله، وإنما أكثر ما يحتاجه هو وجود أناس يحيون من أجله.

مفكر عربى من البحرين

 

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved