فاضية زى محملة

معتز بالله عبد الفتاح
معتز بالله عبد الفتاح

آخر تحديث: الأربعاء 27 أكتوبر 2010 - 9:34 ص بتوقيت القاهرة

 سامحونى لاستخدام عنوان بالعامية، ولكن اللغة، كما يقول علماء الاجتماع، ليست محايدة وإنما هى تعكس ثقافة وطريقة تفكير من يستخدمونها.

لى صديق اسمه سيّد؛ له رؤية ترى أنه لا يوجد شىء فى الحياة يستحق العناء ودائما ما يقول لى متعاطفا «والله إنت تاعب نفسك على الفاضى: فاضية زى محملة، وطولها زى عرضها.» لدرجة أن صديقا له عرف أننى باحث فى الشئون السياسية فسألنى سؤالا اقتضى نقاشا تطرق للصراع بين الرأسمالية والاشتراكية؛ وأثناء احتدام النقاش، قال سيد متهكما: «والله العلم ده هيأخركم». وبسؤاله لماذا تعتقد ذلك؟ فقال كلاما من قبيل: «لأنكم بتضيعوا وقتكم ومصدعين دماغكم بكلام لا يودى ولا يجيب؛ رأسمالية إيه واشتراكية ايه، والله العظيم فاضية زى محملة».

ولو سألت سيد أى سؤال عن أى موضوع سياسى أو يرتبط بأى شأن لا يخصه هو شخصيا لكانت إجابته تقريبا نفس الإجابة. والحقيقة أن معظم المصريين يسيرون على نهج صديقى سيد بوعى أو بدون وعى.

والحقيقة أن سيد فيلسوف دون أن يدرى؛ فهو يتبنى مقولات مدرسة فلسفية اسمها «الابيقورية» ظهرت فى فترة انهيار الحضارة اليونانية وتلقفها الرومان فى مرحلة ما ثم تخلوا عنها حين حكمهم الإمبراطور «ماركوس أوراليوس» والذى اعتبرها واحدة من أسباب تراجع الرومان ونجح أن يقيم على أنقاضها فلسفة تقوم على استنهاض الهمة ورفع الغمة، فانهارت الابيقورية مع نهضة الحضارة الرومانية. هذه هى فلسفة مرتبطة أساسا بفترات الانهيار الحضارى. وجوهر هذه المدرسة أن السعادة تقوم على اللذة والمتعة الحسية والبعد عن الهموم قدر المستطاع؛ وكى تتحقق هذه السعادة الذاتية فلا بد من التكيف مع الواقع الذى نعيشه ورفض التصادم معه من خلال التحكم فى توقعاتنا بشأن الواقع المحيط بنا؛ بل إن أردت أن تكون سعيدا فلتخفض مستوى طموحاتك وأهدافك فى الحياة؛ فلو قررت زيارة صديق لك، فلا تتوقع أن يكون الشارع نظيفا أو أنك ستصل فى موعدك وإنما أعط لنفسك جرعة صريحة من التشاؤم التى تخفض توقعاتك، فإن وصلت فى موعدك ولم تمر بمضايقات فهذه هى السعادة فى قمتها.

قلت لسيد سأكتب عنك عمودا حتى يستفيد الناس من رؤيتك الفلسفية... فرد بلا أى اهتمام: «اكتب أو ما تكتبش، فاضية زى محملة... هو فيه حد هيقرأ أصلا».

هل سيد مخطأ؟

بالمناسبة كتب توفيق الحكيم كلاما مشابها عن المصريين قبل وبعد «عودة الروح» فى 1919.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved