نظرة حول الشراكة مع الخدمات الصحية الأهلية

علاء غنام
علاء غنام

آخر تحديث: الخميس 27 سبتمبر 2018 - 10:10 م بتوقيت القاهرة

الإصلاح الصحى عملية شديدة التعقيد خاصة فى النظم الصحية القديمة والتغلب على مقاومة التغيير والإصلاح يتطلب قيادات على درجة عالية من الخبرة والحكمة والكفاءة وندرة مثل هذه القيادات فى بلدان العالم النامى هى الأغلب وبعض القيادات لا يدركون غالبا أن إعطاء الأوامر لا يكفى فى هذا المجال.
وإن عملية إصلاح النظام الصحى تختلف عن إجراء عملية جراحية فى غرفة العمليات! حيث يشمل الإصلاح العديد من المهام الأساسية التنظيمية (تطوير خطة، تنفيذ تشكيل فريق متنوع لتنفيذ الخطة، وتكليفهم بمهام، ووضع جداول زمنية، وتنسيقها والتحفيز واﻻستجابة للتغذية المرتدة من القائمين على العمل دوريا إلى آخره).
فى هذا السياق وفى الآونة الأخيرة طرحت فى المناقشات العامة اتجاهات قد تكون صحيحة حول ضرورة الشراكة مع بعض الجمعيات الأهلية الكبيرة التى تقدم خدمات صحية ناجحة فى دعم النظام الصحى العام؛ لأن هذه النماذج قد حققت نجاحات فى إدارة المشاريع والمستشفيات الخاصة بها وﻻ مانع من اﻻستعانة بها فى إدارة وتشغيل المستشفيات العامة لضمان كفاءة التشغيل وتخفف الحكومة النسبى من المسئوليات المباشرة للإدارة والتشغيل.
***
وفى هذا الإطار يجدر أن نعود إلى عقود سابقة لفهم الأمر على وجهه الحقيقى فالمجتمع واجه فى العقود السابقة عندما تخلت الدولة عن بعض أدوارها الأساسية فى الصحة والتعليم بإبداع حلول مجتمعية بديلة تلبى احتياجاته الصحية الأساسية.
فقد تأسست منذ الثمانينيات تقريبا لأسباب مختلفة شبكة من العيادات والمستوصفات والمستشفيات الأهلية المتوسطة والصغيرة فى أغلب المدن وبعض المناطق الريفية أيضا لتقديم مستوى مقبول من الخدمات الصحية الأولية والثانوية لفئات المجتمع المتوسطة والدنيا وذلك بعلاج بأجر اقتصادى ورمزى أحيانا للخدمات وظلت هذه الجمعيات تلعب دورا بديلا ومهما ولكنه ليس الدور الأمثل فى كل الأحوال، فلا يمكن اﻻستغناء مثلا عن وسائل النقل العام الكبيرة اعتمادا على تعميم استخدام وسائل أقل منها على أهميتها، فالخدمات الصحية الأهلية فى مثل تلك المستوصفات أقل جودة ولا شك مما يجب ولكنها قامت بتوفير الحد الأدنى الضرورى وقتها للاحتياج المجتمعى مؤقتا حتى تأخذ الدولة على عاتقها مرة أخرى مهمة إعادة بناء النظام الصحى العام وإصلاحه وتكامله عبر نظام موحد شامل يمول بطريقة مستدامة من خلال تأمين صحى عام، له ملاءة مالية قوية قادرة على شراء خدمات صحية بجودة معتمدة من جميع القطاعات التى تقدم الخدمة سواء كانت عامة أو أهلية أو خاصة.
فى هذا اﻻتجاه تصبح مفاهيم الشراكة أكثر تحديدا وإمكانية اﻻستفادة من القطاع الأهلى الذى يقدم خدمات صحية أكثر جدوى ولكن كيف؟ فهل هو ضرورى للمساعدة فى تحقيق هدف الإصلاح الجوهرى فى التغطية الصحية الشاملة لكل السكان وبالتالى التعامل معه كمقدم للخدمة لديه بنية تحتية قائمة بالفعل وتم إنفاق الملايين عليها حيث يحدد دور له من خلال التعاقد معه وفق معايير وشروط الجودة ليوفر على الدولة أعباء توفير تمويل إنشاءات صحية جديدة وأجهزة وخلافه تبحث بعدها عمن يديرها أو يشغلها.
***
من هنا نضع الملاحظات التالية الأساسية حول هذه الشراكة المطروحة لدفعها فى اﻻتجاه الصحيح المتوافق مع البرنامج الصحى الاستراتيجى لتنفيذ نظام صحى تأمينى شامل:
أولا: فى إشكالية إدارة الخدمات الصحية، المهم بطبيعة الحال أن توكل الإدارة للأكفاء والأكثر احترافية مهما كانت طبيعته وهذا يستلزم الاعتماد على أساليب اختيار مبنية على معايير علمية محددة لمن يتم اختيارهم للإدارة الصحية من مؤهلات وخبرات إلى آخره.
ثانيا: الأهم من الإدارة فى هذا المجال هو تحديد الطرف الذى سيدفع فاتورة هذه الخدمات الصحية ولعله أن يكون مفهوما أن ذلك سيتم فى إطار تطوير نظام تأمينى شامل جديد يؤسس فيه صندوق لتوزيع مخاطر المرض (Risk Pool) يمتلك ملاءة مالية مستدامة ويشمل كل المواطنين دون تخارج خاصة الفئات الأغنى فى المجتمع ويتم تغذية هذا الصندوق من المصادر الثلاثة المعروفة فى القانون.
ثالثا: إذا نظرنا إلى من يعملون فى هذه الجمعيات أو المؤسسات الأهلية من أطباء وتمريض وفئات مساعدة سنجدهم هم أنفسهم أطباء القطاع الحكومى الذين يبحثون عن فرص لزيادة دخولهم المتدنية مما يؤكد اﻻحتياج إلى إجراء دراسات معمقة وتحليل لنوع الشراكة المطلوبة مع القطاع الأهلى وهل هم أفضل فعلا فى إدارة مؤسسات صحية عامة (وهذا قد يكون صحيحا فى بعض الأحوال).
ولذلك فالبدائل المطروحة لدور القطاع الأهلى الصحى يمكن تلخيصها فى التالى:
الدور الأول: المساعدة فى تقديم الخدمات الصحية كشريك لتحقيق التغطية الصحية الشاملة إلى جانب القطاع العام والخاص وذلك دور يستحق اﻻهتمام والدراسة ورسم الخطط لتحديد وشكل الدور الحيوى.
والدور الثانى: قد يتمثل فى المساعدة فى تمويل النظام الجديد بناء على ما هو متاح لهم قانونا لجمع التبرعات الخيرية وخلافه من مصادر مالية فهذا أيضا جانب يستحق النظر ووضع آليات عملية لتنظيم تكامله مع النظام التأمينى الشامل.
والدور الثالث: قد يتمثل فى المساعدة على تقديم نماذج تجريبية لإدارة الخدمات الصحية استرشادية فقط فالمعروف أن دور وزارة الصحة فى ظل النظام الجديد للتأمين لن يكون تقديم خدمات صحية عدا أنشطة متعلقة بالصحة العامة والدور التنظيمى والسياسات الصحية عموما وأن هيئة الرعاية الصحية الجديدة ستكون هى المظلة التى تقوم بتقديم الخدمات الصحية بكل مستوياتها وأنواعها من خلال تعاقد مع القطاع العام والخاص والأهلى الذى يلتزم بشروط ومعايير الجودة ويحصل على اﻻعتماد الذى يضمن هيكل أجور عادل للفريق الصحى كله ويميز المتميز فيه عبر نظام تحفيزى جيد طبقا لمؤشرات أداء محددة يمكن قياسها دوريا.
والخلاصة فى هذه العلاقة هى ضرورة الشراكة مع كل القطاعات الصحية الخدمية عامة وخاصة وأهلية وكل الإمكانيات المتاحة ولكن وفق مخطط استراتيجى عام ومنضبط لأداء أدوار محددة فى تقديم الخدمات الصحية وإدارتها والتعاقد على شرائها من التأمين الصحى العام وهذا ما تم تجريبه سابقا فى برنامج الإصلاح الصحى منذ عام 1999 (موثق فى وثائق وزارة الصحة) فى محافظات الإسكندرية والمنوفية وسوهاج بتعاقد ما كان يسمى بصندوق صحة الأسرة التأمينى التجريبى وقتها مع وحدات خاصة وأهلية وعامة لتقديم خدمات مستوى الرعاية الأساسية وتحفيز العاملين عليها وهو ما يجب اﻻستفادة من دروسه ومراجعتها حتى نوفر على أنفسنا عناء البدء من نقطة الصفر لتلك الإشكاليات الصحية التى تبدو معقدة فهل نبدأ من حيث توقفنا نرجو ذلك.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved