مالم يفكر فيه الإخوان فى 6 سنوات

عبد العظيم حماد
عبد العظيم حماد

آخر تحديث: الجمعة 27 يناير 2017 - 10:40 ص بتوقيت القاهرة

عندما يتكرر السقوط السياسى لحزب أو تنظيم بأصوات الناخبين، أو بالضغط الجماهيرى، أو بالانقلاب العسكرى، فإن مثل هذا التنظيم أو الحزب يكون مطالبا بمراجعة أفكاره، واستخلاص الدروس من أخطائه، ومن ثم ينطلق الى تعديل الأفكار وتصحيح منهج الحركة، ولايكتفى بلوم الآخرين، واستعذاب الشعور بالمظلومية.

فى نموذج السقوط بأصوات الناخبين لم يلم حزب العمال البريطانى، سوى نفسه، عندما تكرر فشله فى خمسة انتخابات متوالية أمام المد المحافظ الذى أطلقته مارجريت تاتشر منذ عام 1980، وبعد مراجعات، وانشقاقات عديدة، تخلى الحزب عن كثير من مبادئه التى لم تعد تلائم العصر، ولا تجتذب الناخبين، وابتكر «الطريق الثالث» بين الاشتراكية الديمقراطية التقليدية، وبين نيو ليبرالية تاتشر وخلفائها، فعاد إلى السلطة، وظل فيها ثلاث دورات انتخابية.

وفى نموذج السقوط بانقلاب عسكرى، تمرد جيل جديد من «الإسلاميين الاتراك» على قياداتهم التاريخية، وأسسوا فكرا، واتبعوا منهجا يتجاوزان الأفكار التى تخيف المجتمع، ويسدان الثغرات التى تنفذ منها الدولة العميقة لاسقاطهم.

لكن جماعة الإخوان المسلمين المصرية التى تقدم نفسها كتنظيم سياسى يهدف إلى الوصول إلى السلطة منذ اللحظة الأولى لتأسيسها، تستثنى نفسها من هذه القواعد، وإذا حاولت هذه الجماعة أن تجرى شيئا من المراجعة، وبعد فوات الأوان دائما، فإنها تركز على الفرعيات، دون التطرق إلى المبادئ الرئيسية، والاختيارات الكبرى، ودون أن تضع هذه المراجعات فى وثائق، بل ودون أن يدرى بها معظم أعضائها، حتى من الصفوف الوسيطة، بل وحتى بعض أعضاء مكتب الإرشاد، والحالة الوحيدة التى جرت فيها مراجعة موثقة فى قضية كبرى كانت كتاب «دعاة لاقضاة» لمواجهة الاتجاهات التكفيرية، ومع ذلك فلم تفلح هذه المحاولة فى وقف سيطرة الجناح القطبى التكفيرى، لأن الأرض خصبة لانبات التطرف، أكثر من خصوبتها لإنبات الاعتدال.

ما فهمناه من متابعة المراجعات الصادرة عن قيادات، الجماعة، والمتحدثين باسمها فى السنوات الست التى انقضت على ثورة يناير 2011، وما تبعها من وصولهم إلى الحكم، ثم سقوطهم منه، هو أن القضايا الكبرى لم تطرح مطلقا فى هذه المراجعات، بل إن إحدى هذه القضايا، وهى استخدام العنف، عادت لتكون محل نزاع بين الجيل الشاب، وبين الجيل الأكبر من الجماعة، بعد أن كنا قد فهمنا، أو أفهمنا أن مبدأ العنف قد أسقط نهائيا من فكر وحركة الإخوان أفرادا، وتنظيما، ومن ثم اقتصرت مراجعاتهم على خطأ أو صواب الترشح للرئاسة، ونكث تعهداتهم للقوى المدنية، وثقتهم المبالغ فيها فى المؤسسة العسكرية، وهل كان التحرك الجماهيرى الحاشد ضدهم فى 30 يونيو 2013 ثورة أم مؤامرة؟ وهل كانت اعتصاماتهم بعد 3 يوليو 2013 مسلحة أم سلمية؟.. الى آخر هذه الجزئيات، التى بالرغم من أنها مهمة، فإنها تأتى فى مرتبة متدنية جدا فى الأهمية مقارنة بالقضايا الأكبر.

من هذه القضايا الكبرى التى كان ولايزال من الحتمى على جماعة الإخوان مراجعتها، وتقديم رؤى محددة فيها، بالإضافة إلى قضيتى العنف والتكفير التى أشرنا إليهما توا ما يلى:

أولا: ما هى رؤيتهم للوظيفة الأصلية للسلطة السياسية فى الدولة المعاصرة؟

ثانيا: ما هو المثل السياسي الأعلى الذى يحركهم، ويحكم تنظيمهم؟ هل هو استعادة «مجد الاسلام»، أم هو بناء دولة ديمقراطية متقدمة علميا واقتصاديا فى مصر؟

ثالثا: ما هو موقفهم من العلمانية السياسية؟، وأؤكد هنا على أننى أتحدث عن علمانية سياسية فقط.

رابعا: كيف سيساهمون فى حالة انخراطهم فى عمل سياسى قانونى فى كبح جماح المستقوين بهم من متطرفى الإسلام السياسى؟

حتى إشعار آخر، لايوجد أمامنا مايدل على أن الإخوان فكروا طيلة السنوات الست الماضية فى تنقيح رؤاهم فى شيء مما ذكرناه، ولنأخذ مواقفهم المعلنة من الأسئلة الأربع السابقة فهم يعتقدون أن المهمة الأولى للحكومات هى حمل الناس على السير فى جادة الطريق، أى الالتزام بأوامر الإسلام ونواهيه، وبمعنى آخر فهم يسعون إلى دخول جنة الآخرة، وإلى ضمان دخول الآخرين الجنة بالزامهم (بوسائل السلطة السياسية) بالأوامر والنواهى الدينية، لكن الحقيقة أن هذه لم تعد وظيفة السلطة السياسية الرسمية فى الدولة الحديثة ، وإنما هذه هى مهمة الدعاة بالحكمة والموعظة الحسنة ، وتبقى مهمة السلطة أو الحكومات هى إقامة «الجنة» على الأرض ، أى إقامة الدولة القوية التى تكفل الحرية ،وتحقق الرخاء والعدل لمواطنيها، فى حين تقع على كل مواطن منهم وحده مسئولية دخول جنة الآخرة، أو العذاب فى جهنم.

ولاجدال فى أن الإخوان المسلمين مشغولين منذ لحظة التأسيس الأولى باستعادة مجد الإسلام، بل إن استعادة هذا المجد كانت هى الباعث الأول والأخير لتأسيس التنظيم فى عقل مؤسسه، ولذا فإن الدعوة والتنظيم كانا منذ البداية عابرين للحدود الوطنية، وبالطبع لم يصدر عن الجماعة حتى كتابة هذه السطور، ما ينبئ بتغيير هذا المثل الأعلى الذى يلتزمون بالوصول إليه، خاصة أنهم يحصرونه فى نموزج الخلافة العظمى الشاملة.

هنا يغفل الاخوان، أو يتغافلون عن حقائق موضوعية وتاريخية كثيرة أولها أن مجد الإسلام، يتحقق بمجد المسلمين، لا بمجرد إقامة خليفة، وأن الطريق إلى ذلك هو الحكم الديمقراطى الرشيد الذى يحقق التقدم العلمى والصناعى، والرخاء الاقتصادى، وأن شعبا واحدا فقيرا فى مجمله مثل الشعب المصرى ليس منوطا به التضحية من أجل استعادة ما يسمونه بمجد الإسلام، وإنما يكفيه التعاون مع بقية الشعوب الإسلامية لتحقيق أهداف التقدم والرخاء، وحفظ مصالح وحقوق المسلمين (مثلهم مثل غيرهم من الشعوب) وسط هذا العالم.

ثم متى قامت واستقرت الخلافة الإسلامية العظمى الواحدة؟! ألم تكن هناك خلافتان سنيتان إحداهما فى بغداد، والأخرى فى قرطبة بالأندلس، ثم قامت خلافة فاطمية ثالثة فى القاهرة؟، وكان العداء بينها محتدما إلى حد التحالف بين العباسيين فى بغداد وبين شارلمان إمبراطور الفرنجة ضد الأمويين فى الأندلس، الذين بادروا بدورهم بالتحالف مع الإمبراطور البيزنطى ضد العباسيين، ثم إنها كانت إمبراطوريات سياسية فى عصر كانت الإمبراطورية فيه هى الشكل الأمثل للحكم والسياسة، عند الفرس والإغريق والرومان، والفرنجة والجرمان.. إلخ.

إن الانشغال بما وراء الدولة الوطنية بما يتجاوز حدود التعاون فى عصر تتفاوت فيه موازين القوة العسكرية والاقتصادية على هذا النحو الفادح هو وصفه للدمار، وليس للفشل فقط، فقد كانت ورطة جمال عبدالناصر العسكرية فى اليمن هى البداية الحقيقية لتعثر مشروعه التنموي، وكانت سببا رئيسيا فى هزيمة 1967.

أكثر من ذلك فإن الحكومات التى وصلت إلى السلطة تحت عباءة الإسلام السياسى فى بعض الدول مثل ماليزيا وتركيا، لم تنشغل بمثالية مجد الإسلام على النحو الذى يفهمه ويبشر به الإخوان المسلمون المصريون، وإنما التزمت بمبدأ أن للبيت رب يحميه، ما دامت غير قادرة بحسابات القوة، فانشغلت بتقدم شعبها ورفاهيته، وبتأمين بلادها، فى حدودها الوطنية، فلم يقل أردوغان مثلا لبيك يا سوريا، مثلما قال الرئيس الإخوانى لمصر، ولم يقل أحد فى ماليزيا، لبيكم يا مسلمى تايلاند أو بورما.

وأما لماذا يتعين على الإخوان المسلمين تحديد موقف قاطع ونهائى ومعلن من العلمانية السياسية، فلأن هذه «العلمانية» هى أساس المواطنة، بمعنى أنه فى الدولة غير االعلمانية يكون المواطن الذى لا يعتنق الدين الرسمى أوالغالب، مواطنا من الدرجة الثانية (أو ذميا)، ومن المفارقات المتكررة فى ممارسات «الإخوان المصريين»، أنهم قدموا وثيقة فى مجلس العموم البريطانى فى عام 2009 يقرون فيها بأن العلمانية المعتدلة (أى العلمانية السياسية) لاتتعارض مع الإسلام، ولكنهم لم يعلموا أعضاءهم فى مصر بها، ومن ثم لم تتحول الى جزء لايتجزأ من فكرهم السياسى، فسمعت بعضهم بأذنى فى أثناء حوادث اعتصام الاتحادية فى يناير 2013 يتحدثون عن «البطل محمد مرسى قاهر العلمانيين واللليبراليين».

ثم نأتى إلى السؤال الأخير عن استراتيجية الإخوان المسلمين فى حالة انخراطهم مرة أخرى فى العمل السياسى لكبح جماح المستقويين بهم من قواعدهم الجماهيرية، و من سائر متطرفى الإسلام السياسى، أولئك الذين رأينا بعضهم يقتلون، ويهددون بالقتل، أو يتهجمون بالقول على المختلفين معهم عقيديا أو سلوكا؟.

فهل كان يمكن أن يذبح سلفيون مواطنين شيعة إلا فى سياق الزخم الذى أطلقه وصول الإخوان إلى الحكم كما حدث فى «أبو النمرس»؟ وهل كان يمكن أن يتجرأ «معتوه» بإعلان استعداده للتبول على الإنجيل بدعوى أنه ليس الإنجيل الذى أنزله الله على السيد المسيح إلا تحت حكم الإخوان؟ إلى سائر الأمثلة التى لازلنا نذكرها جميعا.

حقا إن الإخوان لايتحملون المسئولية المباشرة، عن هذه الأفعال، ولكن الواجب الأخلاقى، والالتزام السياسى يحتم عليهم أن يدركوا أنهم مسئولون بطريقة ما عن ذلك، أو على الأقل أن عليهم التصدى قبل غيرهم لهذا الانفلات والتوحش.

ومن الناحية العملية البحته، فقد أرعبت هذه الممارسات المصريين من حكم جماعة الإخوان المسلمين، الذى تولدت فى ظله هذه النزعة بالغة الشراسة للوصاية على الضمير، والعقاب على الاعتقاد والسلوك، بمعزل عن القانون، وكان هذا الشعور بالرعب من أهم أسباب الاحتشاد الجماهيرى الهائل فى 30 يونيو لاسقاط حكم الجماعة.

ذكرى ثورة يناير يجب أن تكون دافعا لكل القوى للمراجعة والتصحيح، ولكن جماعة الإخوان هى الأولى بالمبادرة، لأنها كانت أول الرابحين من الثورة، وصارت فى مقدمة الخاسرين بعد ذلك.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved