الحرب الإسرائيلية برسائل التحذير الدولية: صاروخ سكود لبنانى للإجازات ورحلات الترفيه!

طلال سلمان
طلال سلمان

آخر تحديث: الأربعاء 26 مايو 2010 - 10:17 ص بتوقيت القاهرة

 فجأة، ولأسباب غير مفهومة تماما، صارت بيروت عاصمة الكون، وصار لبنان «الصاعق» الذى يمكن أن يهدد تفجيره الأمن الدولى والسلام السائد فى أربع رياح المعمورة!

على امتداد الأسابيع القليلة الماضية فرض على سكان بيروت أن يناموا على زعيق أبواق سيارات الحماية المواكبة لكبار الزوار وهم يتنقلون،خلال ساعات قليلة بين المقار الرسمية للرؤساء وبيوتهم، إضافة إلى وزارة الخارجية، التى يتجاوزها البعض قصدا، ويحرص آخرون على تجاهلها عمدا لأن القرار لا يعبر فيها بالضرورة.

للمناسبة: لبنان هو الدولة الوحيدة، بالتأكيد، التى برؤوس سياسية ثلاثة، رئيس الجمهورية ورئيس المجلس النيابى، ورئيس حكومة الوفاق الوطنى التى تتكون من فرقاء عدة لبعضهم حق الفيتو فى مواجهة قرار «الآخرين»، إن رأت فيه ما تعتبره لا يتناسب مع «المصلحة الوطنية العليا»..

التى علمها عند ربى.. وفود رسمية تأتى متعاقبة، وأحيانا أكثر من وفد أو موفد فى يوم واحد. رؤساء حكومات، وزراء خارجية، ممثلون لمنظمات دولية، مبعوثون للاتحاد الأوروبى، زوار عرب بعضهم برتبة أمير وبعضهم بلقب الشيخ صاحب الدولة...هذا غير زوار الليل الذين يأتون «كأن بهم حياء» فيبلغون ويتبلغون ثم ينسلون عائدين قبل أول ضوء تاركين عشرات الأسئلة معلقة فى فضاء هذه العاصمة الكونية التى غدا سعر المتر من أرضها الضيقة أغلى من نظيره فى باريس أو نيويورك!

لماذا هذا الاهتمام الطارئ بالوطن الصغير؟!
لماذا يلغى الكبار فى عواصم القرار بعض مواعيدهم لينتقلوا على جناح السرعة إلى بيروت، تداركا لكارثة متوقعة، أو منعا لانفجار الوضع الدقيق، على ما يقولون، أو للاطمئنان إلى أن السلام ليس فى خطر؟!

بالنسبة لشعب الوطن الصغير فلا جديد فى المنطقة من حوله إلا الهياج الإسرائيلى الذى أثار ما يشبه الهستيريا فى بعض الإدارة الأمريكية تحت عنوان «تهريب صواريخ سكود عبر الحدود السورية إلى المقاومة فى لبنان»..

أطلقت تل أبيب صفارات الإنذار، مستخدمة بعض مكبرات الصوت ــ صحفيا ــ فى أكثر من منبر خليجى، فإذا بوزيرة الخارجية الأمريكية ومعها بعض معاونيها يتناوبون على التنبيه والتحذير من خطر انفجار الوضع الدقيق والحساس، ملوحين بأنهم لا يضمنون رد الفعل الإسرائيلى خصوصا ان السيف الصهيونى طويل وقادر على الوصول إلى أبعد نقطة متخيلة!

تقاطر الزوار والموفدون إلى دمشق وانتقلوا منها إلى بيروت (والمسافة ساعة بالسيارة وثلث ساعة بالطائرة!!)، وبعضهم فضل سلوك الطريق البرية للمعاينة المباشرة والتثبت من خلو تلك الطريق المتعرجة وسط الجبال والتلال، من أن لا قوافل صواريخ من أى نوع «تتسلل» مموهة بين «الدولتين» المتداخلتين فى حدودهما التى رسمت ذات ليل استعمارى طويل!
كانت أسئلة كبار الزوار الرسميين «مريبة» إجمالا، وغبية غالبا، تكشف أنهم قد لقنوها تلقينا اعتباطيا...

وكانت تثير بمجموعها قدرا من الالتباسات المثيرة للمخاوف، وتعيد إلى السطح مسائل مطوية يتداخل فيها السياسى والأمنى، حتى ليفترض المراقب أن حربا إسرائيلية شاملة وصاعقة وهائلة التدمير هى على وشك الوقوع، وإنهم إنما جاءوا لوقفها، مؤقتا، والتقاط الأنفاس تمهيدا لمنعها من الأساس!

سمع اللبنانيون، بمزيج من الاستغراب والغرور، اسم بلدهم الصغير يتردد على ألسنة الكبار فى العالم وكأنه مركز العاصفة ومصدر التهديد المصيرى لوجود إسرائيل!

كما سمعوا تهديدات أمريكية لسوريا، جاءت وكأنها تبرير لتقديم واشنطن منحة سخية لإسرائيل:«القبضة الحديدية» التى تمنع وصول الصواريخ إلى الأرض المحتلة فتفجرها فى الجو...بينما كانت إسرائيل تعقد المزيد من صفقات بيع أسلحة متطورة من صنعها إلى دول عديدة، بينها عظمى كالصين والهند، وبينها متوسطة أو صغيرة فى بعض أنحاء آسيا وأفريقيا، بل وحتى فى بعض أوروبا، ومن ضمنها طائرات«فالكون» والطائرات من دون طيار بعد تطويرها بإدخال تعديلات مؤثرة على سرعتها وارتفاعاتها ودقة الكاميرات فيها!

كذلك فقد استمع اللبنانيون إلى أسئلة طريفة من بعض القادة الأوروبيين ومن مسئولين كبار فى الأمم المتحدة التى استحدثت منصبا خطيرا وأسندته إلى تيرى رود لارسن وكلفته برصد حركة الريح ومسرى العصافير والفراشات عند نقطة المصنع أو معبر الدبوسية او مقطع العريضة على النهر الكبير للتحقق من «أن كل شىء هادئ على الجبهة الغربية»!

فجأة، بات لبنان مركز الخطر الداهم على السلام العالمي، وهو الذى مازال يمسح الدماء عن وجهه ويعالج جراحه الخطيرة التى تسببت بها الحرب الإسرائيلية، بالقيادة الأمريكية المباشرة التى تولت الإمرة فيها وزيرة الخارجية السابقة كندوليزا رايس، قبل اقل من أربع سنوات(فى يوليو 2006) والتى فشلت فى تحقيق أهدافها بالقضاء على المقاومة والفصل بينها وبين أهلها الصامدين، والذين أعادوا بناء مدنهم وقراهم ومزارعهم بسرعة قياسية.

غرق اللبنانيون، ومعهم معظم العرب، فى بحر من الأسئلة والتساؤلات المقلقة:
لماذا هذه الحملة الدولية ذات المردود الطيب على إسرائيل بتصويرها ــ مرة أخرى ــ ضحية، فى حين إنها أقوى قوة عسكرية واقتصادية وعلمية وسياسية فى المنطقة العربية، بل وبين القوى المؤثرة فى السياسة الدولية؟

ما هو الخطر الذى يشكله لبنان، مهما بلغت مقاومته من النفوذ ومهما امتلك من أسلحة الدفاع لصد العدوان المحتمل فى كل لحظة، على السلام الكونى عموما، وعلى الكيان الإسرائيلى القائم بقوة القهر والطرد والتشريد على ارض الشعب الفلسطينى؟

كيف لو أن لبنان هاجم إسرائيل فى الأرض التى كان اسمها فلسطين، والتى سيبقى اسمها فلسطين، والتى احتلتها بالقوة ــ التى اجتمعت فيها من اجلها دول العالم كافة قبل اثنين وستين عاما ــ وجعلت منها أقوى قوة فى المنطقة، بل خامس قوة فى العالم(على ما يقول الإسرائيليون) استنادا إلى أسطورة لا أساس لها من المنطق أو من الواقع أو من التاريخ تفيد بأنها كانت أرضا لليهود قبل ثلاثة آلاف عام؟

من باب تنشيط الذاكرة فحسب قد يكون مفيدا استعادة بعض الوقائع الدالة:
الأولى، قبل عشر سنوات فقط، كانت إسرائيل، بجيوشها المتفوقة برا وبحرا وجوا، تنسحب مهرولة من الأراضى اللبنانية التى استمرت تحتلها منذ العام 1978، تجرجر أذيال الخيبة، وتتخلى عن عملائها ورهائنها الذين حشدتهم فى «جيش» تحت قيادة ضابط لبنانى متقاعد ممن باعوا وطنهم بدنانير من الفضة.

الثانية، قبل أربع سنوات إلا قليلا كانت إسرائيل تشن، مرة أخرى، حربا طاحنة على لبنان، استمرت ثلاثة وثلاثين يوما بلياليها، دمر خلالها الطيران الحربى والصواريخ الإسرائيلية أسباب العمران فى معظم الجنوب كما فى بعض بيروت وفى الضاحية الجنوبية كلها، وهى مدينة كبرى،، وفى البقاع، وهدم الجسور والعديد من المنشآت والمؤسسات التعليمية بذريعة أنها تابعة للمخربين والإرهابيين، وهى التسمية التى يطلقها الإسرائيليون على كل من يقاوم احتلالهم ومخططاتهم للتوسع والهيمنة على هذه المنطقة التى يتمسك أهلها بانتسابهم إليها لأنها تلخص تاريخهم وعلة وجودهم فى الماضى والحاضر والمستقبل.

خلال تلك الأيام العصيبة التى أكد فيها شعب لبنان تضامنه الصلب، وانحاز الجيش مع الأهالى إلى المقاومة البطولية التى صمدت فى مواقعها على آخر حبة تراب عند حدود فلسطين، حتى الساعة الأخيرة من الثلاثة والثلاثين يوما من الهجوم الإسرائيلى الوحشى الذى لم يوفر بيتا أو مرفقا عاما أو جسرا أو مدرسة، لم يتوافد إلى لبنان الرؤساء والوزراء والممثلون الشخصيون للكبار من قادة العالم، ساعين إلى رد المعتدى ووقف حربه على الوطن الصغير..

كل من جاء لبنان، طوال أيام المحنة، بمن فى ذلك وزراء الخارجية العرب، إنما قدم بإذن إسرائيلى معلن، وبهدف إسرائيلى محدد: إجبار المقاومة على إلقاء السلاح وتسليم من لديها من أسرى الحرب من جنود الاحتلال الإسرائيلى.
لم تذهب المقاومة إلى فلسطين المحتلة لتحريرها...كل ما فعلته أنها دافعت عن شعبها فى لبنان، عن أهلها، حتى أخرجت المحتل منه، لكن العالم يرى فى «العرب» معتدين، حتى وهم يحاولون ــ بالكاد ــ أن يدافعوا عن أوطانهم، وغالبا ما لا ينجحون إما بسبب من الغفلة أو من رداءة القيادة أو من تواطؤ السلطان.

لماذا يرى العالم العرب فى صورة المعتدى دائما، حتى وهم فى موقع الضحية؟
حتى مع لبنان، الوطن الصغير، المشغول بانقساماته وهمومه الاقتصادية، وضعف دولته، وتعاظم التدخل الأجنبى فى شئونه، وغرقه فى محاولة محو آثار الحرب الهمجية الإسرائيلية التى ما زال يكافح للخروج مما تبقى من دمارها..
حتى مع لبنان، لا يأتى أحد حبا فيه وحرصا على سلامة شعبه المبدع والصلب وعاشق الحياة بحيويته الفائقة التى جعلته ينتشر فى أربع رياح الأرض مؤكدا قدرته على ولوج العصر من أوسع أبوابه..

هل تلك عنصرية غربية؟!
هل ذلك تجسيد مهين للعجز العربى؟!
هل ذلك اندفاع مع وهم أن الإدارة الأمريكية مؤهلة وقادرة وراغبة فى إنصاف العرب وفى تحصينهم ورد الأذى الإسرائيلى عنهم، إذا هم انخرطوا فى مشروعها للشرق الأوسط الجديد؟!

ولكنهم منخرطون، فما المطلوب بعد: لقد رهنوا شعوبهم ومصير أوطانهم لدى الإدارات المتعاقبة فى البيت الأبيض، عبر المبادرات التى تفرغ الثانية مضمون الأولى ثم تفرغ الثالثة مضمون الاثنتين معا، فلم يحصدوا غير الخيبة تذروها الريح الإسرائيلية مع أوهامهم فى أربع جهات الأرض.

على أن شعب لبنان الصغير قد أخذ علما بأن أمن إسرائيل، لا أمنه، هو موضوع الرعاية، دوليا، وأن الطمأنينة عادت إلى صدور المسئولين والموفدين والمبعوثين الشخصيين للرؤساء ووزراء الخارجية الذين كان من بينهم المصرى احمد أبو الغيط الذى أقدم، لأول مرة، وربما لآخر مرة على توصيف إسرائيل باسمها الأصلى «العدو» ثم أوضح من بعد انه «خطأ»، لكنه على الأرجح مقصود.

وكائنا ما كان الحال، فإن هذا الشعب فائض الحيوية قد اندفع إلى ممارسة هوايته التقليدية فى اللعبة المحلية، عبر الانتخابات البلدية التى كان الجنوب مسرحها خلال الأيام القليلة الماضية، تمهيدا لأن يتفرغ للاحتفال بذكرى النصر بإجلاء قوات الاحتلال الإسرائيلى عن أرضه فى مثل هذا اليوم لعشر سنوات خلت.

والنصر أعظم بهاء من أن تذهب به رفوف طيور الشؤم الذين جاءوه بمهمة إسرائيلية، وعاد كل منهم بهدية متميزة: صاروخ سكود يمكن أن يستخدم فى رحلاته أو إجازاته العائلية!



هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved