علاقات القوى فى مصر

معتز بالله عبد الفتاح
معتز بالله عبد الفتاح

آخر تحديث: الثلاثاء 27 مارس 2012 - 8:00 ص بتوقيت القاهرة

هذه محاولة لفهم أحداث الأيام الأربعة الماضية بما حملته لنا من بيانين أحدهما صادر من جماعة الإخوان (وليس من حزب الحرية والعدالة) يستخدم فيه لغة صريحة فى توجيه انتقادات للمجلس الأعلى للقوات المسلحة، ثم البيان المضاد من المجلس الأعلى ينفى فيه ما جاء فى بيان الإخوان بل ويشير إلى خبرات الماضى التى لا ينبغى أن تتكرر.

 

إذن هذان لاعبان أساسيان فى ميزان القوى المصرى.

 

وبالانتقال إلى مشهد اجتماع الأعضاء المنتخبين فى مجلسى الشعب والشورى وما انتهى إليه من تشكيل الجمعية التأسيسية للدستور على نحو يضم الكثير من الأسماء المحترمة ولكنه كذلك جاء بطريقة يبدو معها وكأنه لا توجد معايير موضوعية للحكم على من الأفضل بأن يلتحق بها ولماذا. وكان مشهدا ذا دلالة واضحة حين وقف أحد الأعضاء (وهو ينتمى إلى التيار السلفى) وهو يقف مطالبا رئيس الجلسة المشتركة بأن يكون هناك سيرة ذاتية أو تعريف بهذه الأسماء المرشحة حتى يمكن المفاضلة بينها لمن لا يعرفها. وكان رد رئيس الجلسة المشتركة واضحا فى أن ضيق الوقت لن يسمح له بذلك. وهنا يكون السؤال: لماذا هذا الاستعجال؟ ولماذا لم تكن هناك معايير أكثر موضوعية للمفاضلة بين المرشحين؟

 

وكل هذا ما كان ليحدث تأثيره لولا أن ذاكرتنا لم تزل حية وقادرة على تذكر ما كان يحدث فى ظل إدارة «الحزب الوطنى» للوطن. وهو ما ترتب عليه إعلان بعض القوى الليبرالية واليسارية انسحابها من الجمعية التأسيسية على نحو يعنى ضمنا أن هذا الدستور، إن صدر، فهو لن يصدر معبرا عن توافق المصريين حوله بقدر ما يعبر عن توجه معين.

 

وعليه فإن القوى المحافظة دينيا ستسيطر على مقدرات الدولة، ويبدو على الأقل من طرح بعضهم، أنهم يريدون تغيير البنية السياسية والثقافية لمصر بتغيير المواد المفصيلة فى الدستور دون نقاش مجتمعى جاد. وهو ما يفتح باب النقاش بشأن طرف رابع ومهم وهو قيادات شباب الثورة والتى بعضها معروف إعلاميا وبعضها الآخر غير معروف إعلاميا. وهؤلاء ما عادوا يثقون فى القوى المحافظة دينيا بقدر عدم ثقتهم فى المجلس الأعلى. وهم وجدوا أنفسهم فى النهاية بلا تمثيل «عادل» من وجهة نظرهم لا فى البرلمان أو الجمعية التأسيسية للدستور. ولا شك أنهم مستعدون لاستئناف ثورتهم التى يغلب على ظنهم أنها سرقت منهم.

 

إذن وعلى ضوء بيانى الإخوان والمجلس الأعلى، وعلى ما قاله قيادات المجلس الأعلى بشأن مدنية الدولة، ثم من ردود الأفعال على تشكيل الجمعية التأسيسية، أقول: القوى السياسية فى مصر كشكل رباعى له أربعة أضلاع غير متساوية لكن لا يمكن تجاهل أحدها: المحافظون دينيا، الليبراليون واليساريون، قيادات شباب الثورة، المجلس الأعلى. لن يستطيع ضلع أن يحقق أهدافه إلا بمساعدة ضلع واحد آخر على الأقل. ما أراه الآن أن ثلاثة أضلاع تتقارب ضد القوى المحافظة دينيا. والتقارب لا يعنى التحالف ولكن على الأقل عدم الممانعة فى التضحية بهم. إذن وكخطوة أولى إعادة النظر فى تشكيل الجمعية التأسيسية واجب، والوقت فى أيدينا، وكخطوة ثانية أرجو أن يعلم المحافظون دينيا أن دستور باكستان والسودان وأفغانستان ملىء بالإشارات الدينية ودساتير تركيا وماليزيا وإندونيسيا لا يوجد فيها ذكر حتى لاسم الديانة وهى لا شك الدول الأكثر تقدما والتى لو كان على المصريين أن يفاضلوا بينها لاختاروا المجموعة الثانية. إذن على الجميع حسن قراءة المشهد.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved