هل انتهت حرب داحس والغبراء الجديدة؟ مرجعية «عربية» جديدة: واشنطن بالشراكة مع موسكو؟!

طلال سلمان
طلال سلمان

آخر تحديث: الثلاثاء 25 يوليه 2017 - 8:35 م بتوقيت القاهرة

فجأة، وكما ابتدأت، هدأت رياح داحس والغبراء ممثلة بالحرب السعودية على الامارة المن غاز، قطر!

حتى هذه اللحظة. لم يعرف المواطن العربى سواء داخل الرباعى المخاصم حتى الحرب للشيخ تميم أم خارجه، أسباب هذه الحرب الطاحنة التى تجاوزت المألوف فى الخصومات التى تتفجر من دون سابق إنذار، ثم تهدأ بعد وساطات وشفاعات ولقاءات سرية واتفاقات تظل قيد الكتمان، لا يعرف بأمرها إلا العالم بأسرار العرب جميعا، على اختلاف أحوالهم: الأمريكان ثم اسرائيل.

فى الوقائع التى انتهى إليها الصراع بين المملكة المذهبة والامارة المن غاز أن أعظم المستفيدين منه كانت الولايات المتحدة الامريكية، التى اتخذت بشخص رئيسها دونالد ترامب موقع المرجعية والحكم للأطراف جميعا: تأمر فتُطاع بلا نقاش.

ولقد تفرغ وزير الخارجية الامريكية، برغم مهمات منصبه الثقيلة، لأيام طويلة، لاعبا دور الوسيط بالأجر: يزور السعودية فيزيد قيمة صفقات السلاح ومبيعات التكنولوجيا الحديثة التى تستدعيها خطة ولى العهد السعودى الأمير محمد بن سلمان 2030 التى وضعتها بعض بيوت الخبرة الأمريكية التى تبيع منتجها بحسب مرتبة المشترى بين أغنياء العالم..

.. ثم يزور الوزير الخطير الدوحة فتعقد بإشرافه المزيد من الصفقات لشراء ما تحتاجه قطر اليوم أو غدا أو بعد غد أو فى القرن المقبل من الطائرات والأسلحة وسائر مبتدعات التكنولوجيا الأمريكية الحديثة.

بالمقابل فإن إسرائيل قد وجدت الوقت مناسبا للإعلان عن أن بعض كبار المسئولين فى دولة الإمارات العربية المتحدة قد عقدوا ــ فى الآونة الاخيرة ــ أكثر من لقاء مع مسئولين إسرائيليين كبار.. وأن هذه اللقاءات تأتى تتويجا للعلاقات بين الدولتين التى تشهد نموا وتوثقا، مؤكدة أن بداياتها تعود إلى خمس سنوات مضت، وأنها ترحب بانتقالها من السرية إلى العلن مع الارتفاع فى مستوى المسئولين وجدية المباحثات «بين الدولتين اللتين كان يفصل بينهما خندق من العداء».

.. ومع أن الوساطة التركية لم تنجح بسبب «الانحياز التركى إلى قطر»، على ما يقول السعوديون والإماراتيون، فإن الاتراك قد نجحوا فى «استنقاذ» قاعدتهم العسكرية فى العيديد، أى فى قلب القاعدة الأمريكية الضخمة فى العيديد ذاتها.. التى برر وجودها، ذات يوم «الأمير الوالد» فى قطر الشيخ حمد بن خليفة آل ثانى، بحماية دولته الصغيرة من أطماع المملكة الجارة التى تنداح أرضها فوق مساحات واسعة لا يحدها إلا الفضاء والماء!

.. وكان الوقت آنذاك، وبذريعة الدفاع عن النفس أيضا، لإقامة العلاقات الدبلوماسية مع دولة العدو الاسرائيلى، وبذريعة حماية دولته يعد استنكاف ايران الخمينى وعراق صدام حسين عن تولى هذه المهمة.

المهم أن الوساطة ــ أو الوساطات، التى شارك فيها بعض الغرب (ألمانيا وفرنسا) بتعزيز موقف قطر، والحد من «الاجتياح» السعودى، قد حققت بعض التقدم، بدليل هدوء الحملات، ربما بسبب تلبية الدوحة لبعض الشروط السعودية (واستطرادا: الإماراتية والبحرينية.. ثم المصرية) وأخطرها قطع العلاقة مع الاخوان المسلمين وابعاد الأكثر تطرفا من قياداتهم – المصريين أساسا من الدوحة ــ ثم تبديل موقف «قناة الجزيرة» والمنطق التى قامت عليه، واعتماد «لغة مقبولة» تُنهى عصر لغة العداء والتحريض على الحرب الأهلية فى العديد من البلاد العربية بعنوان مصر.

***
على أن هذه الحرب الشعواء التى كان الفضاء العربى مسرحها خلال الاسابيع الماضية قد كشفت حقائق موجعة، بالنسبة للمواطن العربى، أخطرها التالية:

1. أن لا جامع يربط الآن بين الدول العربية، مشرقا ومغربا..
وأبرز الأدلة على صحة هذا الاستنتاج تتجلى فى التصريح النافر الذى أدلى به الأمين العام لجامعة الدول العربية، والذى نعى فيه الجامعة، مؤكدا أن لا دور لها فى هذا الخلاف، وأن أحدا لم يرجع إليها ولم يسألها رأيها، مستنتجا بالتالى أن «وظيفتها» قد سقطت بمرور الزمن، وأنها لم تعد مؤهلة لدعوة الدول العربية إلى التلاقى أو للعب دور «الوسيط» بين المختلفين.
ولعل هذا الموقف يعبر عن تحقير الجميع، بمن فيهم الأمين العام، لهذه الجامعة التى استولدها البريطانيون عشية انتهاء الحرب العالمية الثانية، ثم «عربها» جمال عبدالناصر وقيادات عربية أخرى، ومكنوها من أن تصير «عربية».
2. أن المرجع الأول والأخير للدول العربية قد بات: واشنطن..
فالرئيس الأمريكى (أى رئيس) وادارته (أية ادارة) هى فى موقع الأهلية والمسئولية للفصل فى أى خلاف وكل خلاف بين الدول العربية، مشرقا ومغربا.. كما هى المرجع الأول والأخير لتقرير من هو المخطئ ومن هو المصيب ومن يستحق المكافأة ومن يستحق العقاب من الحكام العرب، «لخروجه عن الخط»!
3. أن كل الدول العربية من رعايا الولايات المتحدة الأمريكية، هى فى منزلة «وليهم الجبرى»، يرجعون إليها فى مختلف شئونهم السياسية والعسكرية والأمنية والاقتصادية.. إلخ.
ولقد وجد فى واشنطن من يهمس فى آذان بعض المسئولين العرب: لم تعد تنفع الحيل القديمة، كاللعب على الحبلين بين الإدارة الأمريكية والكرملين، فالعلاقات الأمريكية – الروسية ممتازة ومتكاملة، وكل من العاصمتين تنسق مع الأخرى، فى كل ما يتصل بشئون الحرب والسلم فى العالم أجمع... صحيح أن المنافسة لا تزال قائمة، لكنها تتخذ الآن سياقا اقتصاديا وليس حربيا.

***
هل هى المصادفة أن تتفجر أزمة العلاقات بين السعودية ومن معها وبين الامارة المن غاز قطر مع قرب اعلان الهزيمة المطلقة لتنظيم «داعش» وخلافته المدعاة بعد نجاح الجيش العراقى فى تحرير الموصل وتقدمه نحو تحرير آخر نقطة يحتلها هذا التنظيم السفاح؟!

لقد كانت أكلاف هذا النصر باهظة جدا، وبالدم القانى، وقد دفعها العراقيون، جيشا وقوى أمنية وتنظيمات عسكرية أخرى، فى المواجهة البطولية التى سوف يسطرها التاريخ بأحرف من نور.. ولعلها ستفتح صفحة جديدة فى التاريخ العربى الحديث..
ومعروف أن «داعش» كان قد استقطب خليطا من البعثيين العراقيين السابقين من عتاة أركان حكم صدام حسين، إضافة إلى جماعات من «الاسلاميين» بمختلف تنظيماتهم، بينهم متحدرون من «الاخوان»، وبينهم متحدرون من «القاعدة» و «فتح الشام» و «أنصار الله»، وغيرهم من الجماعات الاسلامية المتطرفة.

وهل هى المصادفة، أيضا، أن يتبدل الموقف الامريكى، ولو ببطء، من النظام السورى، فتصدر فى واشنطن وعن مسئولين كبار تصريحات تمسح ما سبق من مواقف معادية تطالب برحيل الرئيس السورى بشار الأسد وتبديل النظام السياسى فى دمشق.
وهل نحن أمام صفقة تقاسم نفوذ جديدة بين الأمريكيين والروس فى منطقة الشرق الاوسط، يعترف كل طرف منهما «بالشراكة الشرعية» مع الطرف الآخر (وأين موقع ايران فى الصفقة الجديدة، خصوصا وانها شريك للوجود الروسى فى سوريا، ثم إنها شريك (ولو سرا) للوجود الأمريكى فى العراق؟!

وأين موقع اليمن على الخريطة الجديدة؟

وهل يمكن اعتبار مصر فى موقع الرابح على خريطة النفوذ الجديدة،
وأخيرا، يمكن طرح سؤال مشروع:

هل بقيت للوطن أو العالم العربى خريطة واحدة، أم صارت له خرائط عدة بحسب مواقع النفوذ للدول الحاكمة الجديدة (الولايات المتحدة والاتحاد الروسي) بديلا من الدول الحاكمة فى القرن الماضى (بريطانيا وفرنسا..) ؟

فى كل «معركة» وهمية جديدة يخسر العرب بعض هويتهم.. واندثار قيمتهم السياسية، ودورهم فى الحضارة الإنسانية، خصوصا وأنهم فى الطريق لأن يخسروا مع موقعهم السياسى لغتهم العظيمة بكل تراثها الدينى والثقافى العريق.
هل تراهم ينتبهون من غفلتهم فيستنقذون مستقبلهم من واقعهم المتردى حاضرا؟

وهذه فلسطين الشاهد والشهيد.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved