الخطاب بعد قليل

عماد الدين حسين
عماد الدين حسين

آخر تحديث: الخميس 24 نوفمبر 2011 - 9:35 ص بتوقيت القاهرة

عندما يعتقد المجلس العسكرى أن غالبية الشعب تؤيده وربما يكون ذلك صحيحا فى حين أن صورته لدى النخبة وشباب الثورة تتراجع وتكاد تصل إلى الصفر، فالمؤكد أن هناك مشكلة، وإنكار وجود هذه المشكلة هو مشكلة أكبر.

 

الأزمة الراهنة متشعبة وتتعلق أساسا بسوء أداء الشرطة وبطء المجلس العسكرى وضعف الحكومة، لكن ما أتحدث عنه اليوم هو مشكلة الاتصال بين الشعب والمجلس.

 

ثورة المعلومات والاتصالات صارت تحكم جانبا كبيرا من كل مناحى الحياة، ومن لا يفهم ذلك أو لا يقدر على التعامل مع هذه الثورة فسوف يفشل مهما كانت نواياه طيبة.

 

فى الانتخابات الأمريكية ومنذ سنوات طويلة صار يُقال «صناعة الرئيس» وليس انتخاب الرئيس. فى ظل ثورة الاتصال يمكنك أن تأتى بممثل مثل رونالد ريجان أو بمختل ومهرج مثل جورج بوش، ولا يسأل الأمريكيون عن مدى جدارة مثل هذه الأسماء بالمنصب.

 

هذه الطريقة الأمريكية صارت للأسف معيارا عالميا، وبالتالى فإن شكل الممثل أو الممثلة صار أهم من الدور نفسه، وطريقة نطق وطلة المذيعة وحضورها على الشاشة صار أهم أحيانا مما يقال. لا نطالب بأن يطغى الشكل على المضمون، ففى النهاية سوف يبقى المضمون ويذهب الزبد جفاء.. لكن أليس هناك من ينصح المجلس العسكرى بتغيير طريقة الاتصال مع الناس؟!

 

أعلم أن كثيرين طالبوا المجلس بأن يكون لديه ناطق رسمى يخرج على المواطنين بسرعة فى القضايا الجماهيرية والحساسة والعاجلة ليقول رأيا قاطعا ويريح الناس بدلا من الشائعات، وللأسف الشديد لم يستجب المجلس لذلك وترك أسامة هيكل فى مهب الانتقادات.

 

فى مشكلة الاتصال لاحظ كثيرون أن خطاب المشير طنطاوى كان فى غاية السوء من ناحية الشكل الفنى سواء من ناحية الظهور الفج للتقطيع والمونتاج أو تعطل الصوت وعدم تناسبه مع الصورة.

 

نحن مرة أخرى لا نتحدث عن المضمون، وعندما يكون شكلك مهتزا فإنه يؤثر على مضمونك وعليك ألا تفاجأ عندما يستغل خصومك هذه الثغرة.

 

كان مفترضا من المجلس العسكرى ألا يكرر أخطاء مبارك فى المضمون ثم فوجئنا أنه يفعلها فى الشكل أيضا.

 

كان مطلوبا من مستشارى المجلس أن يقترحوا على المشير أو أى شخص يخرج للناس طرقا جديدة ومختلفة عندما يواجه «الميديا المتوحشة والمتعطشة لكل هفوة».

 

من وجهة نظرى لم يكن مطلوبا المقدمة الطويلة فى خطاب المشير، كان عليه أن يقول نقاطا محددة عبر عبارات بسيطة وواضحة ومحددة بدلا من الإسهاب فى المقدمة، ما يصيب المتابعين بالملل.

 

فى الشكل أيضا كان مفروضا على المستشارين أن يتوقفوا عن جملة «خطاب سيذاع بعد قليل»، ثم يتفاجئ الناس بأن «بعد قليل» تعنى بعد ساعات أو بعد يوم، وهى المشكلة التى جعلت المصريين يتندرون على حسنى مبارك الذى كان تليفزيونه يعلن ظهرا أنه سيوجه خطابا بعد قليل لكنه لا يتحدث فعلا إلا بعد منتصف الليل.

 

فى الإعلام الأمر يشبه أن يكون لديك مائدة من أفخر أنواع اللحوم لكن تقديمها بشكل سيئ يفقدها كل المزايا، فى حين أن طبقا من الفول معدا جيدا وعلى جوانبه بعض السلاطات والخضرة يكون شهيا مليون مرة من اللحم؟!

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved