الطاقة فى القرن الحادى والعشرين

صحافة عربية
صحافة عربية

آخر تحديث: الثلاثاء 24 أبريل 2018 - 10:05 م بتوقيت القاهرة

يشهد العالم تغيرات صناعية تنتشر بسرعة، وتقضى على صناعات ضخمة عمرها نحو قرن من الزمن، إذ انقرضت تقريبا صناعة تصوير الأفلام الورقية لمصلحة الصور الإلكترونية، كما تمضى طباعة النشر الورقى فى الطريق ذاتها.
وتدل المؤشرات على توسع سوق السيارة الكهربائية والهجينة، لتحل بدلا من سيارة الاحتراق الداخلى، وعلى انتشار صناعات الطاقة الشمسية والرياح لتوليد الكهرباء النظيفة بكلفة أقل من محطات الكهرباء الضخمة. أما القاسم المشترك بين صناعات العصر الحديث، فيتمثل فى الاعتماد على المعرفة بدلا من الموارد الطبيعية، والتكامل بين اللوح الإلكترونى والإنترنت والكومبيوتر الشخصى والهواتف النقالة. إذ تعتمد الصناعة المستقبلية على دمج التقنيات الجديدة الواحدة مع الأخرى لتسريع الاختراعات.
وتوقع البروفسور بيتر أوديل أحد اقتصاديى الطاقة الكبار خلال النصف الثانى من القرن العشرين، ومستشار سابق لرئيس منظمة «أوبك» ثم رئيس الوزراء البريطانى، استقرار زيادة الطلب السنوى على الطاقة على 2 فى المائة على مدى القرن الحادى والعشرين، وهو المعدل التاريخى الطويل الأمد لزيادة الطاقة السنوية، الذى استمر خلال فترة 1860 ــ 1945. واستبعد أوديل إمكان استعادة ازدياد الطلب العالمى السنوى للطاقة بنحو 5 فى المائة، وهو معدل الارتفاع السنوى الاستثنائى لتنامى الطلب بين عامى 1945 و1973. واعتبر أنه ليس ممكنا تكرار هذه التجربة، نظرا إلى خصوصيات المرحلة الاقتصادية بعد الحرب العالمية الثانية، مشروع مارشال لإعادة إعمار الدول الأوروبية التى دُمرت خلال الحرب العالمية الثانية، وللنهضة الاقتصادية فى الولايات المتحدة واليابان. نشر أوديل دراسته حول الزيادة السنوية المعتدلة للطاقة، فى القرن الحادى والعشرين عام 1999.
وبُنيت توقعات أوديل عن مدى استهلاك الوقود الهيدروكربونى فى القرن الحادى والعشرين، على فرضية محدودية زيادة الطلب السنوية بنحو 2 فى المائة. ورجح فى ضوء ذلك، استمرار هيمنة الوقود الهيدروكربونى على مصادر الطاقة حتى 2060. فى الوقت الذى لن تشكل فيه مصادر الطاقة المستدامة حتى 2060 أكثر من 20 فى المائة من الطاقات المستخدمة الإجمالية. ولن تستطيع بدائل الطاقة المستدامة حيازة 50 فى المائة من موارد الطاقة الإجمالية حتى 2079. وتوقع استهلاك الطاقات المستدامة على مدى القرن الحالى بنسبة 36 فى المائة، إذ قدر توافر معظمها فى العقدين الأخيرين من القرن.
ويستمر أوديل فى توقعاته التى أشار فيها، إلى تغير دراماتيكى فى النصف الثانى من القرن. إذا قدر تنامى الإمدادات والطلب على الغاز خلال تلك الفترة، بسبب الاهتمام بالبيئة وتغذية محطات الكهرباء بالغاز. لكن توقع أن يبدأ انخفاض صعود الطلب على النفط فى الفترة ذاتها.
لدى مراجعة ما يتوقعه خبراء الطاقة المستدامة هذه الأيام، يُلاحظ أن اهتمامهم الرئيس ينصب على تحسين تقنية كل من الطاقة الشمسية والرياح واقتصاداتهما، والسيارة الكهربائية وتلك المستقلة (من دون سائق) وتوسيع طاقة التخزين الكهربائية وصناعة «الروبوتات»، والذكاء الاصطناعى. والواضح أن كل هذه الصناعات الحديثة تعتمد على المعرفة والتقنية الحديثتين، أكثر من اعتمادها على الوقود الهيدروكربونى. كما تعتمد على تكامل الابتكارات الجديدة وربطها الواحدة بالأخرى.
نشر تونى سيبا ــ الأستاذ فى جامعة ستانفورد ــ كتابا حول «الزعزعة النظيفة للطاقة والمواصلات» الصادر عام 2014، وشرح فيه كيف زعزعت تقنيات الهاتف الخليوى والإنترنت والكومبيوتر الشخصى، صناعات الهاتف الأرضى والنشر الطباعى والتصوير من طريق الأفلام. من ثم، استنتج كيف تزعزعت هذه الصناعات التقليدية وقلبت رأسا على عقب أنماط التفكير العلمى، فى شكل أدى إلى إحلال نظم معلوماتية سريعة وشاملة مكانها، لا تعتمد على الموارد الطبيعية. وتقود فى الوقت ذاته إلى اللامركزية فى تزويد الطاقة للمستهلكين. وبات ممكنا وفق ما يعتقد سيبا، تغير الصناعات العريقة التى هيمنت على اقتصاد القرن العشرين، إذ أصبح ممكنا أيضا تغيير صناعة المواصلات بسرعة. ولم يستبعد أن ينتهى العصر الصناعى للطاقة والمواصلات الذى عرفناه فى القرن الماضى، بمعنى فك الاعتماد على المركبات ذات الاحتراق الذاتى بحلول عام 2030.
يتضح التباين الواسع بين التوقعات، لكن الاختلاف ينحصر فى توقيت إنجاز السلع الجديدة، ومدى قدرة منافستها اقتصاديا وتقنيا للسلع التقليدية. وبات واضحا أيضا، أننا مقبلون على عالم صناعى جديد، يرتكز على المعرفة أكثر مما يعتمد على الموارد الطبيعية. والحقيقة أن التغير بدأ فعلا. فأين الكاميرا والأفلام، وأين الشركات التى كانت تنتجها. وأين آلة الطابعة والتلكس؟... والأمثلة كثيرة.
يعتمد الباحثون فى الصناعات الحديثة على التكامل بين أوجه المعرفة الجديدة، وكمثال على نجاح ضرورة التكامل بين التقنيات الحديثة، الجمع بين صناعتى التكسير الهيدروليكى والحفر الأفقى فى صناعة البترول الصخرى. إذ كانت هاتان الصناعتان متوافرتين سابقا، لكنهم كانتا مستقلتين الواحدة عن الأخرى. وأفضى دمجهما فى صناعة واحدة، إلى إمكان تكسير الصخر بالماء المضغوط والممزوج بالمواد الكيماوية لإنتاج البترول الصخرى. وأدى دمج الصناعتين إلى توفير احتياطات ضخمة من النفط والغاز، لم يكن ممكنا الحصول عليها بطرق الإنتاج التقليدية. فالحفر الأفقى يفتح المجال أمام الوصول إلى آبار متعددة فى الوقت ذاته، وهو ما يوفر فى تكاليف الإنتاج، كما يتيح التكسير الهيدروليكى فتح مسامات الصخور لتجميع البترول المتوافر فيها.
من الطبيعى، سيؤثر الاعتماد على المعرفة فى العهد الصناعى الحديث، بدلا من الموارد الأولية سلبا فى اقتصادات دول الشرق الأوسط. والمهم فى الأمر هو مدى الاستعداد والتحضير اقتصاديا وسياسيا وعلميا للعصر الجديد.
العالم فى تغير مستمر.. نعم، ستبقى احتياطات ضخمة من البترول، لكن وكما هو معروف انتهى العصر الحجرى باستعمال البرونز وليس بانتهاء الصخر. كما انتهى العصر الخشبى باستعمال الفحم، وليس بانتهاء الخشب.

وليد خدورى
الحياة ــ لندن

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved