المؤرخ بنى موريس: «اليهود سيظلون أقلية مطاردة وسط بحر عربى كبير من الفلسطينيين.. وبعد 30 ــ 50 عاما سينتصرون علينا»

من الصحافة الإسرائيلية
من الصحافة الإسرائيلية

آخر تحديث: الخميس 24 يناير 2019 - 10:10 م بتوقيت القاهرة

أجرت الصحفية «عوفر أدرات» بصحيفة «هاآرتس» مقابلة مطولة مع المؤرخ الإسرائيلى بنى موريس، وفيما يلى أهم ما جاء فيها:

ولد موريس من أبوين هاجرا من بريطانيا كصهيونيين. ترعرع فى القدس. بعد إنهاء دراسته الثانوية عاد إلى إسرائيل، وتجند فى الناحل وقاتل فى هضبة الجولان فى حرب الأيام الستة. خلال حرب الاستنزاف جرح بقصف مصرى. وعندما كان جنديا فى الاحتياط، رفض الخدمة العسكرية فى المناطق المحتلة فى الانتفاضة الأولى، وأرسل إلى السجن. عن ذلك يقول: «فعلت ما شعرت بأنه يجب أن نفعله سنة 1988. الانتفاضة الأولى كانت عنيفة. لقد كانت ثورة شعبية. رشقوا بعض الحجارة، ربما قتل شخص أو اثنان. لكن فى المحصلة قتل نحو ألف فلسطينى ولم يقتل يهود، لأنهم لم يستخدموا سلاحا ناريا قط. لقد قالوا إنهم لا يريدون العيش تحت حكم عسكرى وقمع إسرائيلى. ورفضت الاستمرار فى ممارسة هذا القمع عندما وضعوا كتيبتى فى حى القصبة فى نابلس».
وبسؤاله عما إذا كان سيكرر رفضه هذا أيضا فى الانتفاضة الثانية؟
«كلا، فى الانتفاضة الثانية كنت ضد رفض الأوامر، لأنها لم تكن فقط ثورة ضد الاحتلال الإسرائيلى، بل كانت أيضا محاولة لتقويض إسرائيل. لقد كانت هذه حربا إرهابية ضد إسرائيل. ولا يجب رفض الخدمة العسكرية فى مثل هذا الوضع. ومع ذلك، أنا متفهم لموقف الأشخاص الذين يرفضون الوقوف على الحواجز، واقتحام المنازل، وقلب الخزائن بحثا عن سلاح؛ لأن هذه مهمة قبيحة وإشكالية أخلاقيا. لكن هناك مشكلة أخلاقية أيضا هى الرغبة العربية فى تدمير إسرائيل».
فى أواخر سبعينيات القرن العشرين عمل كصحفى واللحظة التى تحول فيها من صحفى إلى مؤرخ، حدثت هناك بين صفحات الأرشيف، عندما عثر على أوامر الطرد التى أصدرها يتسحاق رابين بحق سكان اللد والرملة فى حرب 1948. ويقول عن ذلك «شعرت بأننى وجدت مادة صادمة تزعزع التأريخ الصهيونى بصورة كاملة وتغير الصورة» ومن هنا ظهر كتابه الأول «ولادة مشكلة اللاجئين الفلسطينيين» الذى قوبل بمعارضة شديدة فى البداية ورفض دور النشر له. ومع ظهور كتابه الأول ولد مصطلح «المؤرخون الجدد» الذى أطلق على مجموعة من الباحثين الرواد، وهو فى طليعتهم، اقترحوا إعادة قراءة تاريخ الصراع «قراءة ثورية تصحيحية، تعيد النظر من جديد فى كل ما حدث فى 1948، قراءة تصور أيضا الجانب المظلم وتضع على الطاولة كلمات مثل مذبحة وطرد».
وفى كتابه «من دير ياسين إلى كامب ديفيد» الذى صدر العام الماضى، فى البداية صوره اليمين «كيسارى» و«خائن»، عندما أظهر، بخلاف الموقف الرسمى الذى كان سائدا حتى ذلك الحين، أن كثيرين من الفلسطينيين لم يغادروا بلدهم طوعا، وأن جزءا منهم قتل واغتصبه الجنود الإسرائيليون. ومع توجهه نحو اليمين يأتى أيضا مدحه رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو ــ مشهد نادر فى العالم الأكاديمى فى إسرائيل ــ إذ يقول: «لا يبدو فى الأفق شخص مؤهل أو يستحق أن يحل محل نتنياهو وأن يكون رئيسا للحكومة مقبولا من الشعب». وأضاف أنه ينتقد نتنياهو فى العديد من المسائل ومنها قضايا الفساد العام الذى تحوم حوله، وتصريحاته المعادية للديمقراطية عن العرب فى إسرائيل، وتوسيع المستوطنات، كما أن تعريفه القومية اليهودية يؤدى إلى استبعاد يهود الولايات المتحدة الذين يحتقرون، فى أغلبيتهم، الأرثوذكسية والقومية المتطرفة». ثمة نقطة أخرى ينتقد فيها نتنياهو وهى حديثه عن عدم وجود فرصة للسلام مع الفلسطينيين وعدم استعداده للتحاور مع الفلسطينيين بشأن تسوية إقليمية. مضيفا أنه لم يقدم الطاولة ما يمكن أن يجذبهم إلى النقاش»؛ لأنه حتى لو كانت التسوية الإقليمية مع الفلسطينيين غير واقعية فـى هذا الوقت، مثلما كانت سابقا، يجب أن نلعب اللعبة الدبلوماسـية ــ حتى لو أنـنا نعرف أنهـا لن تؤدى إلى أى شىء ــ للمحافظة على دعم الغرب. يجب أن تبدو نصيرا للسلام، حتى لو لم تكن كذلك».
وعن رؤيته للتقارب بين نتنياهو ودونالد ترامب أضاف قائلا: «أتوقع أن سقوط ترامب أو طرده، هذه السنة أو فى سنة 2020، سيؤديان بالتأكيد إلى إضعاف نتنياهو، إذا لم يؤديا إلى زعزعة العلاقات الخاصة للولايات المتحدة بإسرائيل
بسبب التماهى المطلق لنتنياهو مع هذا الغبى. من دون قصد، يعمل نتنياهو على عدد من المستويات على زعزعة العلاقة بين إسرائيل ويهود الولايات المتحدة وتقويض علاقة الولايات المتحدة بإسرائيل».
وفيما يخص الموقف الإسرائيلى من إيران، أضاف أنه يقدر الموقف الصارم الذى أظهره نتنياهو حيال إيران ومشروعها النووى ولكن «أحد الأخطاء الكبرى التى ارتكبها نتنياهو أنه لم يفجر المنشآت الإيرانية. صحيح أن هذا كان سيؤدى إلى اشتعال الحرب، لكن حزب الله و«حماس» لا يشكلان موضوعا وجوديا، وبالتالى نحن قادرون على غزو لبنان مجددا، وأن نقوم بالمهمة بطريقة جدية أكثر مما فعله أولمرت فى زمنه».
وعن رأيه فى مذبحة دير ياسين صرح قائلا: مقارنة ما فعله الأتراك بالأقلية المسيحية بمذبحة «دير ياسين» وأن إسرائيل تتبنى أيديولوجيا يمكن أن تؤدى فى نهاية الأمر إلى جينوسايد. هى بصورة عامة مقارنة غير صحيحة، ومبالغ فيها. ما حدث للفلسطينيين منذ سنة 1948 هو قمع معين، شمل هنا وهناك جرائم صغيرة ــ لكن هذا جرى فى إطار حرب بين حركتين قوميتين، يمكن الاعتراف بأنهما هما المسئولان عنها. ولقد أدت إلى وقوع عدد من القتلى، لكن لم يكن هذا إبادة جماعية، حتى لو تحدثت الدعاية الفلسطينية عن ذلك ومقارنتهم لنا بالنازيين. يجب أن نبقى دقيقين وقريبين من الوقائع.
النازيون قتلوا 6 ملايين شخص لم يقاتلوهم. وهذا يختلف عن أعمال قتل جرت خلال معارك مع فلسطينيين قاتلوا ضدنا وكبدونا خسائر. المذابح هى جرائم. فى الحرب هناك أشخاص يقتلون وجزء منهم فى مذابح. هذا ليس جميلا، لكن هذا ما يجرى. لكنك عندما تفحص المذابح التى جرت فى حروب أخرى، وخصوصا فى حروب أهلية أخرى، ما جرى
هنا فى سنة 1948، هو فى النهاية حرب نظيفة جدا. عدد القتلى بين المدنيين أو أسرى الحرب كان نحو 800. جرى هذا فى حرب هم بدأوا بها وهم أيضا ذبحوا خلالها يهودا.
لم تحدث مذبحة فى دير ياسين، بل حدثت عمليات قتل هنا وهناك، أوقفوا عدة أسرى وقتلوهم، وهناك آخرون لم يقتلوا. عموما قتل هناك نحو 100 مدنى.
بالنسبة إلى دير ياسين. أحد الملفات الذى كان مغلقا آنذاك هو صور الضحايا، هو موجود فى أرشيف الجيش ولم يفتح قط. بالنسبة إلى المؤرخ، أنا اعتقد أنه فظيع، لأن إخفاء مثل هذه المواد هو محاولة لتدمير صورة الماضى وتحويرها وتجميلها. إذا فعلوا هذا فيما يتعلق بدير ياسين، هم على ما يبدو، فعلوه أيضا حيال مجموعة كبيرة من وثائق أخرى».
وفى حديثه عن العنصرية، والتطرف، والعنف السياسى والتحذيرات من ظواهر فى إسرائيل تشبه ظواهر برزت فى ألمانيا النازية أضاف قائلا: «هذا فى الأساس كلام أحمق، غير صحيح وغير منطقى. لا أعرف إلى أين تسير إسرائيل.
هى بالتأكيد تصبح يمينية ولا يبدو لى هذا جيدا، لكننا بعيدون جدا ن أن نصبح مثل ألمانيا، كان هناك حركة نازية قوية تقتل الناس فى الطرقات، نحن لسنا هناك، لذا ليس من المفيد المقارنة».
وفى تصريحاته عن التطهير العرقى فى مقابلة أجراها فى يناير 2004 مع صحيفة هاآرتس أبدى ندمه عن تصريحاته قائلا: «يمكن أنه كان على أن أستخدم لغة معتدلة»، حيث أنه صرح قائلا: «هناك ظروف فى التاريخ تبرر التطهير الإثنى» وأضاف: «أعرف أن لهذا المصطلح وقعا سلبيا جدا فى الحديث فى القرن الحادى والعشرين، لكن عندما يكون الخيار هو بين تطهير إثنى وإبادة شعبك، أنا أفضل التطهير»، وقال أيضا: «يجب أن ننشئ للفلسطينيين نوعا من قفص. أعرف أن هذا يبدو فظيعا، وهو فى الحقيقة وحشى. لكن ليس هناك من بديل. هناك حيوان متوحش طليق يجب أن نسجنه بطريقة أو بأخرى».
الحديث مع موريس ينزلق بسرعة نحو حالة من التشاؤم الكبير.
يقول بشأن استمرار قيام إسرائيل كدولة يهودية: «لا أرى كيف سنخرج من هذا. يوجد اليوم بين البحر ونهر الأردن عرب أكثر من اليهود. البلد كله يتحول بصورة لا مفر منها إلى دولة واحدة يوجد فيها أكثرية عربية. لا تزال إسرائيل تسمى نفسها دولة يهودية، لكن الوضع الذى نسيطر فيه على شعب محتل لا حقوق له لا يمكن أن يستمر فى القرن الـ 21، فى العالم الحديث.
عندما ستصبح لهم حقوق ــ هذه الدولة لن تكون يهودية».
ماذا سيحدث؟
«هذا المكان سيغرق مثل دولة شرق ــ أوسطية ذات أغلبية عربية. العنف بين مختلف أنواع السكان داخل الدولة سيزداد. وسيطالب العرب بعودة اللاجئين. اليهود سيصبحون أقلية صغيرة وسط بحر عربى كبير من الفلسطينيين ــ أقلية مضطهدة ومطاردة مثل الذين عاشوا فى الدول العربية. من يقدر منهم سيغادر إلى أمريكا والغرب».
متى ينتظر حدوث ذلك فى تقديرك؟
«الفلسطينيون ينظرون إلى كل ذلك من منظور واسع وطويل الأمد. هم يرون أنه يوجد هنا الآن (5ــ6ــ7 ) ملايين يهودى يحيط بهم مئات الملايين من العرب. ليس لديهم سبب كي يتنازلوا، لأن هذا لن يطول. بعد 30ــ50 عاما سينتصرون علينا».

مؤسسة الدراسات الفلسطينية

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved