My way

جميل مطر
جميل مطر

آخر تحديث: الثلاثاء 24 يناير 2017 - 9:25 م بتوقيت القاهرة

أغنية من أغنياتي المفضلة، أو كانت هكذا حتى مساء ليلة سمعتها منبعثة من إحدى غرف منزلي، وحين وصلت إلى مصدرها صدمتني الصورة. اكتشفت لحظتها أن الأغاني والألحان تخدع كالبشر. خدعتني الأغنية. بدت لي الحقيقة موجعة. أغنيتي يرقص على أنغامها دونالد ترامب محتضنا ميلانيا. كنت أحسبها تعرف كيف ومن تختار ليرقص على أنغامها، لم أعرف أنها مثل كثيرين غيرها يمكن أن تبهرها الأضواء والأسماء والأموال. سقطت وهكذا يسقطون. أتحدث طبعا عن الأغنية.

***

كانت نهاية يوم لازمت في أغلبه وفي بعض ساعات اليوم التالي شاشة التلفزيون أشاهد ما قد يثبت أنه علامة على نهاية شيء وولادة شيء آخر. كانت فرصة لا تعوض لأكون شاهدا على أمريكا وهي تتغير. لا أتردد في ترديد الاعتراف بأنني من المقتنعين بأن أمريكا "مسألة" بالغة الأهمية، ليس فقط لأنها مصدر إلهام ورعب العديد من حكام العالم ولكن لأنها ما زالت وهي تتراجع تثير لدي الكثيرين في شتى أنحاء العالم مشاعر متناقضة. من هنا كان حرصي ألا تفوتني مراسم تدشين، أو بالأصح تتويج، رئيس جديد لها. جلست وفي يدي قلمي وأمامي أوراقي أفعل ما يجب أن يفعله صحفي يتدرب، أسجل كل صغيرة وكبيرة لأختلي في نهاية الاحتفالات بما سجلت وأستخلص علامات على ما استقر وما تغير.

***

تعلمت خلال الأيام الأولى الرائعة لثورة يناير أن أحصي إلى أقرب رقم ممكن عدد "الجماهير". دربني عليها صديق من الإحصائيين المتميزين. أصبحت هواية. أحصي عدد السائرين في جنازة أو المتظاهرين في شارع أو المتزاحمين على رصيف قطار. لا أنكر أنني كنت وما زلت أجد متعة في مقارنة الأرقام التي يدلي بها طرفان متضادان في الموقف من حشد جماهيري. تسليت أحلى تسلية وأنا أقارن بين أرقام تعلنها ال سي إن إن وأرقام ترصدها فوكس نيوز وبي بي سي وأرقام يصر عليها ترامب شخصيا. غضب ترامب بشدة من فيديو يصور الحشود التي اشتركت فيي الاحتفال بافتتاح عهد باراك أوباما. كانت الدليل االدامغ على تفاهة عدد المشاركين من أبناء الشعب في الاحتفال بتتويج الإمبراطور.

***

من دون أن أردد القول الشائع إن وراء كل رجل عظيم امرأة عودت نفسي على البحث عن المرأة في حياة الأمم والزعماء والعباقرة وحتى الكادحين. كنت بين المستفيدين من عهد الرئيس أوباما فقد وجدت في ميشيل فريزر روبنسون أوباما شخصية لا تتكرر كثيرا. أثبتت الأيام الأخيرة صدق حدسي. راقبتها تخطب وتجادل وتبدع. رأيتها وهي تودع البيت الأبيض وقد خلعت ملابس السلطة وارتدت ما ترتديه مواطنة عادية في شيكاغو. ميشيل أدت بامتياز دورا محدثا لعبته قبل سبعين عاما أو أكثر سيدة بسيطة في الأرجنتين تزوجت رجلا في السلطة. أحبها الشعب فارتدت من أجله أفخر الثياب وتقلدت أغلى الجواهر ونطقت بأفصح لسان. جمعت المسلكين في واحد. تصرفت بارستقراطية الطبقة الراقية وخاطبت المواطنين العاديين بلغتهم، رقصت رقصاتهم وغنت أغانيهم ولعبت ألعابهم. تشابهتا في هذا القليل وليس في أكثر منه، إيفا بيرون وميشيل أوباما.

كانت هناك ميلانيا. أتابعها بكل الاهتمام الممكن. لا شك في أنها رشيقة القوام تتمتع بكل مقومات عارضات الأزياء. سمعتها تتكلم ورأيتها في صحبة زوجها تراعي أن تفصل بينهما خطوة أو أقل. تتطلع إليه كما لو كانت أوامره تقضي بأن لا تغفل عنه خشية أن تفعل ما لا يجوز أن تفعل. وصفتها صديقة لي بأنها كانت خلال معظم فعاليات الاحتفال مثل تمثال شمع، شبهتها صديقة أخرى بباربي، الدمية الأشهر في عالم الأطفال. أنا شخصيا أتصور أنها تحاول دائما أن تكون محل الرضاء أو حتى القبول. سمعتها تقلد ميشيل في الإلقاء ورأيتها ليلة دخولها البيت الأبيض تقلد جاكلين كينيدي في الملبس، يومها عادت ميشيل ترتدي ملابس المواطنة العادية.

***

دهشت قبل أسبوعين وأنا أشاهد الرئيس المصري محاطا بهذا العدد الهائل من رجال الأمن الخاص. لم أكن أعلم أن الحراسة الشخصية لرئيس الدولة أصبحت على هذا النحو الذي وإن يدفع إلى الاطمئنان على حياته إلا أنه يدفع إلى القلق الشديد على حالة الأمن ومستقبل الاستقرار في الوطن. زالت الدهشة وحل التفهم عندما رأيت الرئيس دونالد ترامب محاطا برجال أمنه الخاص. أوجه الشبه عديدة ومنها النظارات السوداء التي شاهدناها لأول مرة على وجوه رجل أمن البابا دوك حاكم دولة تاهيتي قبل أربعين عاما أو أكثر. الجديد هو الجاكيتات والمعاطف المفتوحة دائما والتي كما تأكدت بعد السؤال يستحيل إغلاقها لأن هؤلاء الرجال يرتدون صديريات مضادة للرصاص تجعلهم أيضا يبدون أشد سمنة من حجمهم العادي.عندئذ فهمت سبب الضخامة المفاجئة لصدر وبطن الرئيس الأمريكي الجديد.

لم تقتصر مظاهر المبالغة في إجراءات الأمن على عدد وملابس وأحجام رجال الأمن الخاص وعلى ترتيبات الدخول إلى مواقع الاحتفال. كان المطر يتساقط منذ الصباح الباكر رذاذا ثم انهمر قطرات باردة بينما وقف الضيوف بدون حماية كافية ضد المطر. تخيلت مدى انزعاج السيدات وكثير من الرجال الخارجين لتوهم من تحت أيدي أغلى مصففي الشعر في العالم. رأيت السيدة هيلاري كلينتون متوترة وقدرت أسبابا عديدة لتوترها بينها شعرها الذي بلله المطر. استبد بي الفضول إلى أن سمعت مذيعا يقول أن الأمن منع الدخول مع الشماسي إلى مدرجات المشاهير وغيرهم من الناس المهمين، وكذلك حيث يقف المتفرجون من أبناء الشعب في الساحة الكبيرة.

***

سمعت خطاب التتويج. لن أعلق هنا عليه أو على ما انعكس على وجوه أعضاء النخبة السياسية الحاكمة. هؤلاء أنصتوا بالاهتمام الواجب وصفقوا للرجل الذي تجاهل الدستور فأقسم باسم الشعب أن يقضي عليهم.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved