مطالب الأمس ومطالب اليوم فى المسألة الفلسطينية

زياد بهاء الدين
زياد بهاء الدين

آخر تحديث: الثلاثاء 23 أغسطس 2011 - 8:47 ص بتوقيت القاهرة

 مظاهرات التنديد بالعدوان الإسرائيلى فى سيناء تأتى هذه المرة فى ظروف مختلفة تماما عن تلك التى عرفناها فى السنوات الماضية كلما قامت إسرائيل بأعمالها العدوانية ضد مصر وضد الفلسطينيين، ولكن مطالب القوى السياسية والمتظاهرين تبدو وكأنها غير متفاعلة مع هذه الأوضاع الجديدة، وبالتالى غير قادرة على تحقيق مكاسب حقيقية وملموسة.

ليس غريبا أن يؤدى الاعتداء الإسرائيلى على النقاط الحدودية المصرية وقتل الضباط والجنود المصريين إلى اشتعال غضب الجماهير فى القاهرة وفى مدن عديدة عبر المحافظات، تعبيرا عن رفض الجريمة الإسرائيلية ضد مصر وشعبها وجيشها، وإنما عن تراكم مشاعر السخط من سنوات عديدة من الظلم الذى يتعرض له الشعب الفلسطينى ومن الصلف والتعالى الإسرائيلى. والمظاهرات الحاشدة للتنديد بالاعتداء الإسرائيلى ومناصرة الصمود الفلسطينى ليست مشهدا جديدا، إذ كان للمصريين ذات الموقف خلال العقود الثلاثة الماضية فى كل مرة ترتكب فيها إسرائيل هذا النوع من الجرائم سواء فى حق مصر أم تجاه الشعب الفلسطينى. ولكن فى كل مرة كانت الأصوات تخفت بعد قليل، والمتظاهرون يضطرون إن عاجلا أم آجلا للعودة إلى منازلهم بعد أن يعتقل منهم من يعتقل ويصاب منهم من يصاب وتعود الأمور لسيرتها الأولى بعد مناوشات دبلوماسية، ولكن دون تحقيق تغير أو اختراق حقيقى. وفى تقديرى أن الحكام والساسة فى إسرائيل لابد أن تكون قد تكونت عندهم قناعة واطمئنان بأن المظاهرات والاعتصامات سواء فى مصر أم فى غيرها من البلدان العربية لا ضرر حقيقيًا منها لأنها سوف تقتصر فى النهاية على صياح وتظاهر لن ينتجا أثرا كبيرا أو تغيرا حقيقيا فى المواقف.

الوضع هذه المرة مختلف، أو على الأقل يمكن أن تكون له نتائج مختلفة. وسبب الاختلاف هو أن مظاهرات هذا الأسبوع تأتى فى وقت تغيرت فيه الخريطة السياسية فى مصر، ولاتزال تتغير بشكل يكاد أن يكون يوميا. فالقوى السياسية التى ظلت لعقود طويلة فى المعارضة وبعيدة تماما حتى عن احتمال التأثير فى الموقف الرسمى المصرى صارت اليوم مؤثرة فى صنع القرار المصرى سواء بالوجود الرسمى الحزبى أم بالمشاركة فى الحكومة أم بالتأثير فيما تتخذه من قرارات. والناس فى أعقاب ثورة شعبية ناجحة صار لديها شعور بأن التغيير ممكن، حتى فيما يتعلق بالعلاقات الخارجية. واحتكار مؤسسة الرئاسة لملف التعامل مع إسرائيل والفلسطينيين لم يعد قائما ولا الغموض الذى كان يحيطه. الظروف مختلفة إذن لأن رأى الجماهير والأحزاب هذه المرة يمكن أن يكون له أثر على الموقف الرسمى الذى تتخذه الحكومة المصرية، ولأن الناس صار لها صوت مسموع فى هذا الموضوع كما فى غيره من القضايا الخارجية والداخلية. هذا بلا شك تطور إيجابى، ولكن يعترض تحقيقه لمكاسب ملموسة مشكلتان أو عقبتان رئيسيتان.

المشكلة الأولى أنه بقدر ما لدى الجماهير فرصة الآن لكى تكون مؤثرة فى مسار السياسات الخارجية وخاصة بالنسبة للقضية الفلسطينية، فإن عليها أن تنتهز هذه الفرصة ــ ومعها الأحزاب والقوى السياسية الجديدة والناشئة ــ لتجاوز المطالب التقليدية والتصرفات التى كانت ربما ذات قيمة معنوية حينما لم يكن من الممكن تحقيق مكاسب ملموسة، حرق العلم، وطرد السفير الإسرائيلى، واستدعاء السفير المصرى، والحديث عن الخيار العسكرى، كل هذه كانت لسنوات طويلة مطالب يعبر بها الناس عن غضبهم ولكن دون احتمال حقيقى لأن يؤخذ بها على المستوى الرسمى. ولا أقلل من القيمة الرمزية لتلك المطالب، ولا من أثرها على حشد الجماهير كما حدث حينما تم إنزال العلم الاسرائيلى من على السفارة هذه المرة. ولكن اليوم، ومع اختلاف المشهد السياسى فى مصر، فقد صار من الضرورى أن تتحول مشاعر ومواقف الجماهير إلى مطالب سياسية مؤثرة ومفيدة ومحققة لنتائج ملموسة على الأرض، فى مصر وفى فلسطين وربما فى الوطن العربى كله. من جهة أخرى فإن وجود القوى السياسية المعارضة سابقا فى مواقع تمكنها من التأثير على السياسة الخارجية يضع عليها أيضا التزاما بأن تكون مطالبها ومواقفها قابلة للتحقيق، ومفيدة للمصلحة القومية، ولا تعتمد على الشعارات العامة والمواقف المؤثرة إعلاميا. فالقدرة على التأثير فى السياسة الخارجية يجب أن يقابلها أيضا التزام ومسئولية بمواقف مدروسة ومفيدة. لذلك فالحديث عن حرق الأعلام وطرد السفراء بل عن إعلان الحرب يجب أن تحل محله مواقف محددة من الأحزاب ومن القوى السياسية المؤثرة بشأن تصدير الغاز، وإعادة التفاوض فى بعض بنود معاهدة السلام، واسترداد السيادة غير المنقوصة على سيناء، ومستقبل الدولة الفلسطينية الناشئة، وحقوق الفلسطينيين فى الأراضى المحتلة، وغير ذلك مما يمكن أن يشكل أجندة عمل وطنية وموقفا موحدا تجتمع عليه القوى السياسية، وتطرحه على الجماهير لكى تكون للتظاهرات والاعتصامات أهداف محددة وقدرة على تحقيق نتائج إيجابية على الأرض سواء فى وقف العدوان الإسرائيلى المستمر، أم لدعم الشعب الفلسطينى.

المشكلة الثانية أن هناك تناقضا عشنا معه كثيرا فى مشاعر الناس تجاه الفلسطينيين وبالتالى القضية الفلسطينية، وكان من أسباب تحول الرأى العام عن الاهتمام عنها بعدما تنتهى عواصف المظاهرات المؤقتة. تناقض بين الحماس الجارف الذى يجتاح الجماهير حينما يتعرض سكان المخيمات الفلسطينية للقصف ومنازلهم للإخلاء والتدمير وعائلاتهم للتشريد، وبين التوجس من الفلسطينيين حينما يقطنون فى البلد ويتعاملون فى التجارة ويتزوجون ويدخلون أبناءهم المدارس ويمارسون حياتهم الطبيعية. هذا التناقض يعبر عن شعور ــ ربما لا إرادى ــ بأننا نحب الفلسطينيين ونقدرهم ونتظاهر فى الشوارع من أجلهم طالما كانوا لاجئين، مضطهدين، حاملين للسلاح، ومتصدين للدبابات الإسرائيلية، ولكن نستكثر عليهم أن يسعوا لحياة طبيعية وللتقدم فى مختلف مناحى الحياة. هذا الوضع الغريب جعلنا غير قادرين على دعم صمود الشعب الفلسطينى إلا بحرق العلم وطرد السفير بينما دعم هذا الصمود يمكن أن يكون أيضا من خلال تأمين حق الفلسطينيين فى مصر وفى العالم العربى فى التعليم، وفى العمل، وفى الحصول على العلاج الذى تقدمه الدولة، بما يدعم ليس فقط صمود الشعب الفلسطينى أمام الدبابات والجرافات الإسرائيلية، وإنما يدعم أيضا حقه فى الحياة الكريمة والطبيعية. الصمود ليس صمودا عسكريا فقط وإنما هو صمود إنسانى وحضارى، ومساندة الشعب الفلسطينى كما أنها واجبة فى ساحة القتال فهى أيضا واجبة، فى مصر وفى كل العالم العربى، من أجل حماية حقه فى الحياة الطبيعية وفى التقدم، وهذا هو الاستثمار طويل المدى فى تنمية قدرته على الصمود على الأرض.

حرق العلم وطرد السفير كانت مطالب الأمس، وعلينا اليوم أن نستعد لمرحلة جديدة، وأن تكون لنا مطالب ومواقف جديدة تتناسب ليس فقط مع ما يعبر عن الاستياء والغضب، وإنما ما يحقق مكاسب حقيقية لمصر ولفلسطين.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved