على السودان أن يفعل الكثير

العالم يفكر
العالم يفكر

آخر تحديث: الثلاثاء 23 أبريل 2019 - 10:35 م بتوقيت القاهرة

نشرت مؤسسة «Institute For Security Studies» مقالا للكاتبين «أندروز أتا وعمر محمود» حول تطورات الأوضاع فى السودان، وما يتعين على السودان القيام به فى الأيام القادمة لتحقيق الاستقرار..

أعلن اللواء عوض بن عوف إقالة الرئيس عمر البشير من منصبه فى 11 إبريل الحالى، واحتفلت شوارع الخرطوم حيث كان من الصعب تخيل أن الجيش السودانى وقوات الأمن سوف يفسحان الطريق للمدنيين العزل الذين يدعون إلى إنهاء حكم البشير، حيث إن هذه القوى ــ الجيش والشرطة ــ كانت هى الركيزة الأساسية التى بنى عليها قاعدة قوته.. إلا أنهم فعلوا. ثم استقال عوض نفسه ورئيس المخابرات صلاح غوش بسبب معارضة شعبية مستمرة، حيث أن المتظاهرين أرادوا أكثر من مجرد إقالة البشير، بل طالبوا بتغيير منهجى شامل.

حاول اللواء عبدالفتاح البرهان والذى جاء خلفا لبن عوف أن يخفف من مطالب المتظاهرين بإعلان تغييرات على «خارطة الطريق» التى وضعها الجيش، لكنه ما زال متمسكا بجدول زمنى مدته سنتان لتسليم السلطة إلى الحكم المدنى. وجاء صعوده بمثابة وضع «وجها أكثر قبولا» فى المجلس العسكرى الانتقالى، لكن الإصرار على هذه الفترة الانتقالية الطويلة يزيد من احتمال نشوب صراع طويل الأمد بين الجيش والمدنيين.
***
ومن خلال هذه التطورات نلاحظ أن هناك أربع سمات لافتة للنظر وقابلة للدراسة وهى:

أولا: إن السياق الذى كان لدى الجماهير فيه الشجاعة للتجمع فى شوارع الخرطوم وغيرها من المدن يدل على تصميم قوى على التغيير. وهذا صحيح وواضح حيث أن نظام البشير اعتاد قمع الاحتجاجات السابقة بقوة ووحشية. وفى مجتمع محافظ دينيا مثل السودان، تحدى الدور المركزى للمرأة فى الدفع من أجل تغيير جميع التوقعات وأظهر ذلك مدى السخط الوطنى.

وبعد فترة طويلة من التظاهرات وصلت خلالها إلى طريق مسدود، عادت التظاهرات مرة أخرى إلى الاحتفال بالذكرى السنوية للإطاحة بالزعيم العسكرى جعفر النميرى فى 6 إبريل. وقد تكون استقالة الرئيس الجزائرى عبدالعزيز بوتفليقة فى الآونة الأخيرة بعد ضغوط شعبية مصدر إلهام. وعلى الرغم من كل الصعوبات، استطاع المتظاهرون تغيير القيادة السودانية مرتين فى غضون أيام.. وكان ذلك بمثابة «مكافأة» للشعب السودانى على التضحيات التى قدمتها هذه الحركة الشجاعة.

ثانيا: أثارت احتجاجات 6 أبريل شكوكا بشأن وجود انشقاقات داخل قوات الأمن حيث أن بعض أفراد الجيش السودانى عرضوا على المحتجين حماية من قوات الأمن الوطنية التى تحاول تفريقهم. وهذا يثير التساؤلات حول وحدة قوات الأمن السودانية. وفى الوقت نفسه، أثار تشكيل المجلس العسكرى الانتقالى تصورات حول اختطاف عسكرى لقضية مدنية، مما يتطلب استمرار وجود المتظاهرين فى الشوارع، حتى بعد إقالة البشير. وفى الوقت الذى استقال فيه عوض بسبب ضغوط الجماهير، كرر خليفته البرهان جدولة مدتها سنتان.

من الواضح أن الجيش يريد لعب دور محورى فى الانتقال إلى الحكم المدنى. ومع ذلك، لا يثق المتظاهرون فى ذلك بسبب الدور الذى لعبه الجيش فى دعم البشير، وإمكانية السماح باستمرار نفوذه، أو على الأقل نظامه، بالاستمرار فى السيطرة على السلطة.

وبدأت المناقشات بين البرهان وبعض قادة المعارضة الرئيسيين، مما يدل على مستوى أكبر من الثقة وربما تشكيل ترتيب انتقالى عسكرى مدنى. ولكن هناك حاجة إلى حلول وسط من كلا الجانبين من أجل السودان، حيث أنه بالنظر إلى التغيير نجد أنه أدى إلى أدوار محورية جديدة ليس فقط للمعارضة، ولكن للقيادة العسكرية الحالية نفسها.

ثالثا: حتى سقوطه، كان البشير منخرطا بشكل كبير فى العديد من المبادرات الإقليمية، والتى قد يتأثر بعضها برحيله. فى جنوب السودان، على سبيل المثال، تسبب خلع البشير فى خلق حالة من عدم اليقين بشأن الخليف المناسب لدوره كضامن للاتفاقية التى تم تنشيطها بشأن حل النزاع فى جنوب السودان.

وفى أزمة مجلس التعاون الخليجى المستمرة، استغل البشير كلا الجانبين لصالحه. حيث ساهم بقوات مع الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية فى الحرب فى اليمن، بينما سمح لتركيا وقطر بتنفيذ مشروع تجديد هائل فى ميناء سواكن القديم. ومع ذلك، فإن حلفاء البشير الخليجيين لم يحاولوا إنقاذه فى الأيام التى سبقت إقالته، وحتى أن البعض عبروا عن دعمهم للقيادة الجديدة.
رابعا: على الرغم من «البراعة السياسية للبشير» ومطالب المحتجين بالحكم المدنى، إلا أن سقوطه كان فى المقام الأول نتيجة لعدم القدرة على حل القضايا الهيكلية المرتبطة بمشاكل السودان الاقتصادية.

وبالتالى، فإن التحدى الحقيقى أمام السودان الآن هو أن تقوم أى قيادة عسكرية أو مدنية جديدة بإعادة توجيه الأسس الاقتصادية للبلاد بعيدا عن اعتمادها على عائدات النفط. وإذا لم يحدث ذلك، فإن أى قيادة جديدة ستواجه نفس التحديات الاقتصادية التى أدت إلى التظاهرات ضد البشير.

لا يوجد حتى الآن ما يشير إلى أن القادة العسكريين الحاليين لديهم من الحلول ما يلزم لحل الدوافع الأساسية للتحديات الاقتصادية للسودان. إن الطبيعة العميقة للإصلاحات الاقتصادية اللازمة تتطلب أيضا عملية مطولة بغض النظر عن من يسيطر. ولكن إلى جانب عدم الثقة فى الحكم العسكرى، يبدو تحقيق إصلاح اقتصادى حقيقى فى ظل هذا النظام صعب للغاية.

وهذا يعنى أنه على الرغم من الجهود الجديرة بالثناء التى تقدمت بها الجماهير لخلع البشير، إلا أن حل القضايا التى تربك البلاد وتحدث عدم الاستقرار يبدو أنها بعيدة المنال. حتى نتائج المفاوضات بين القيادة العسكرية وقادة الاحتجاجات سوف تمهد الطريق فقط لكيفية حل القضايا المستقبلية، بدلا من توفير حلول فعلية.

إن العمل الحقيقى على بناء السودان الذى يعيش فيه جميع المواطنين بسلام ورخاء وحرية وديمقراطية قد بدأ للتو. وبالتأكيد سيكون الطريق طويل وصعب. لكن احتمال وجود سودان جديد قد ظهر الآن بطريقة لم تكن واضحة قبل أسبوع.. يمكن أن يحول البلد بشكل كبير إلى مصدر إلهام للمنطقة وخارجها.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved