أيها المصريون تنبهوا ونبهوا.. أنتم تنتخبون رئيسًا لكل العرب

طلال سلمان
طلال سلمان

آخر تحديث: الأربعاء 23 مايو 2012 - 8:00 ص بتوقيت القاهرة

لا تطمع هذه الكلمات، بأى حال، فى التأثير على موقف الناخب المصرى. فنصف الناخبين فى طريقهم للإدلاء بأصواتهم، محددين خيارهم، والنصف الآخر سيتخذ طريقه خلال ساعات إلى صناديق الاقتراع ولا يملك ترف الوقت ليقرأ ثم يقرر، مؤكدا ما كان قد اعتزم الإقدام عليه أو مبدلا رأيه فى اللحظة الأخيرة.

 

●●●

 

ليس لنا، نحن المواطنين العرب، خارج مصر، والذين نعامل غالبا كرعايا لأنظمة متعسفة أو مهجنة إلا التمنى على إخواننا فى «المحروسة» أن يدركوا، أنهم إنما يقررون مصيرنا، نحن أيضا، بأصواتهم التى سيودعونها صناديق الاقتراع.

 

وبوضوح قاطع نقول: إن الأشقاء فى مصر إنما ينتخبون، فى هذه اللحظات، الرئيس العربى الأول، وليس فقط «رئيس» بلادهم التى غيبها نظام الطغيان عن دورها القيادى الذى لا بديل منها فيه.

 

●●●

 

يمكن إجالة الطرف فى هذا الوطن العربى فسيح الأرجاء لنكتشف إلى أى حد اختلت المعايير والمقاييس فى غياب مصر عن دورها: لقد تخطفت ذلك الدور «دول» عدة، بعضها استولدها النفط حديثا، وبعضها الآخر من غاز، وبعضها فرضها حضورها كوكيل مزعوم فى غياب «الأصيل»، مع أن معظمها ليست دولا بأى معيار.. كذلك تضخمت ادوار «رؤساء» و«قادة» عينوا أنفسهم «البديل» أو «الوكيل» فى غياب «الأصيل»... بل إن بعض الشيوخ الذين عظموا ألقابهم فغدوا «ملوكا» فرضوا أنفسهم، بقوة الأمر الواقع، أصحاب قرار فى الشأن العربى العام، مع أن لا بمؤهلاتهم ولا قدراتهم لمثل هذا الدور، بمعزل عن حجم ثرواتهم التى لا يملكون القرار فى الأساسى منها نتيجة لعمق ارتباطهم بالمركز الكونى!.

 

لقد هزُلت.. فغياب مصر بدورها القيادى الشرعى شجع أصحاب الثروة على التجمع، بعيدا عن إخوتهم الفقراء، ثم أخذتهم التبعية للقيادة الامريكية إلى «حرب» غير مبررة ضد إيران، جنبا إلى جنب مع العدو الإسرائيلى.. وها هم يجتهدون لتحويل نادى أصحاب الثروة إلى «اتحاد» وهمى أخطر ما يتضمنه إعلان النية على إقامته التوكيد على انفصالهم المطلق عن العرب والتحديات المفروضة عليها بدءا من مخاطر التوسع الإسرائيلى وانتهاء بمشاريع طمس الهوية القومية لهذه البلاد والاكتفاء بإسباغ هوية جغرافية عليها: «الشرق الأوسط»... بحيث تغدو تركيا، أو إيران، أو إسرائيل أساسا، بعض هذه المنطقة التى لا هوية لها من أهلها، ولا هوية لأهلها منها!

 

والحقيقة أن هذه «البدع» ما كانت لتستولد ثم تفرض بقوة الأمر الواقع الذى لا يستطيع الضعفاء أن يردوه، لولا الغياب المفجع لمصر عن دورها القيادى، وهو حق شرعى لها لا يجادلها فيه أحد.

 

والكل يدرك أن هذا التراجع فى الدور العربى لمصر، وهو عنوان أهليتها للقيادة، قد بدأ منذ أربعة عقود، تقريبا، وذلك عندما غيب نظام الطغيان مصر عن دائرة القرار العربى، مسقطا عنها دورها الشرعى الذى لا غنى عنه ولا بديل منه. وأكثر من ذلك: لقد انقلب هذا الدور من قيادة العرب فى معركة تحررهم من الهيمنة الأجنبية ومناصرتهم فى أن يكون لهم موقعهم وحقهم فى أرضهم وثرواتها ورأيهم فى وسائل تقدمهم للحاق بالعصر، إلى التفريط بهذه القضايا جميعا، وبعضها مقدس (فلسطين مثلا)، ولها دور حاسم فى صورة مستقبلهم.

 

●●●

 

لم يكن أمرا عارضا أن تتحول مصر من قيادة ركب التقدم والتحرير فى دنيا العرب، وأفريقيا وبعض آسيا وأمريكا اللاتينية، إلى الدولة العربية الأولى التى تخرج من دائرة الصراع العربى ــ الإسرائيلى وتوقع معاهدة صلح مع هذا العدو القومى الذى طالما هدد الحاضر العربى وكاد يلغى الحق فى بناء المستقبل العربى الأفضل.

 

كذلك لم يكن مما يليق بكرامة مصر ودورها أن تفقد القاهرة موقعها المؤثر كعاصمة للقرار فى قيادة العالم الثالث ودول عدم الانحياز، وأن يخسر نفوذها فى أفريقيا لتحل محلها إسرائيل وقوى الاستعمار الجديد، وترتفع فى بعض أنحاء أفريقيا أصوات تهدد مصر بحرمانها حقها فى مياه النيل، وهو شريان الحياة منها.

 

بالمقابل لم يكن مقبولا أن تتراجع مصر، التى كانت جامعة العرب وقيادتهم، مدرستهم وكتابهم وصحيفتهم، منتداهم السياسى ومركز إبداعهم الفكرى والثقافى فى المسرح والسينما، إلى هذه الوهدة من الفراغ والركاكة والتهافت المهين.

 

هامش أول: قبل سبع سنوات زارنا فى بيروت العالم المصرى أحمد زويل الذى حاز على جائزة نوبل فى العلوم عام 1999.. وكان موجعا أن يقول إن جامعة الإسكندرية التى تخرج منها فى العام 1969 كانت أرقى مستوى وأفضل حالا منها يوم عاد إليها زائرا فى العام 2003.

 

وما ينطبق على جامعة الإسكندرية ينطبق على سائر الجامعات الوطنية فى مصر.. بل إن التردى ومعه فنون الرشوة والإفساد والغش تبدأ مع أولى سنوات الدراسة الابتدائية مع الدروس الخصوصية، ومع هبوط المستوى، ومع الزيادة الهائلة فى أعداد الخريجين الذين يمكن اعتبارهم أنصاف متعلمين، فى أغلب الحالات.

 

لقد زادت الكلفة ونقص العلم.. وطبيعى أن يقف الخريجون فى طوابير الهجرة إلى أى مكان، وأن يتقدمهم الآتون من بلاد أخرى تحرص على مستوى التعليم فيها.

 

وتقضى المصارحة القول إن مصر قد خسرت هيبتها، فتجرأ عليها عدوها القومى، الذى سيظل عدوها إلى يوم القيامة، إسرائيل، واستهان بها أشقاؤها إذ كانت ترعاهم وتحمى كرامتهم بهيبتها وتأثيرها فى السياسة الدولية، فلما أذلها حكم الطغيان أمام عدوها الإسرائيلى (معاهدة الصلح بالإكراه، وإفراغ سيناء من الجيش الوطنى، وأخيرا اتفاق النفط والغاز)، هانت على أصدقائها وأشقائها، إذ هى لم تعد تحمى صديقا ولم تعد تخيف عدوا، بل ولم تعد تكفى شعبها الذى تعرضت مقدرات بلاده وخيراتها لعملية نهب منظم شمل الأرض والصناعة ومختلف وجوه التقدم العلمى والإبداع الفكرى. يكفى الاستشهاد بما أصاب القطاع العام، الذى كان إنتاجه يلبى احتياجات مصر الأساسية من الصناعات ومواد الاستهلاك الأساسية.

 

هامش ثانٍ: وليست نكتة أن يقدم لك فى مطعم فى القاهرة الفول المستورد من كاليفورنيا، أو أن تتفجر بين الحين والآخر أزمة الرغيف، لأن مساحات هائلة من الأراضى الزراعية قد أقطعت لأصحاب النفوذ فحولوها إلى «مدن» سياحية باهظة الاكلاف، بدلا من أن تزاد المساحات المخصصة لزراعة القمح.. أما القطن وتراجع إنتاجه، وإخضاعه لمنافسة غير مشروعة مع المستورد فمسألة تستحق التأمل.

 

●●●

 

يمكن الاستطراد فى استذكار الأمثلة والوقائع الموجعة إلى ما لا نهاية.. لكن الهدف من هذه العجالة ليس البكاء على الماضى، بل محاولة استنقاذ الحاضر والمستقبل.

 

على هذا فإننا نتمنى على الأشقاء فى مصر أن يتنبهوا إلى أنهم ينتخبون، فى هذه اللحظة، الرئيس العربى الأول، بل رئيس المستقبل لكل العرب، وليس فقط رئيس بلادهم التى غيبها نظام الطغيان عن دورها القيادى الذى لا بديل منها فيه.

 

وإنها لمسئولية جسيمة تتصل بمستقبل مصر، أولا، وبالعودة إلى دورها القيادى المسلم به، مبدئيا، عربيا وإقليمياَ ودوليا.

 

فالفارق هائل بين أن يُنتخب احد رجال الأمس رئيسا للغد، أو أن يتم اختيار المؤهل لاقتحام الصعب من أجل بناء الغد الأفضل.

 

●●●

 

نفهم أنه ليس من حقنا ــ نحن العرب من المؤمنين بأهلية مصر للقيادة وبحقها، مبدئيا ــ فى أن نتقدم الصفوف ونرفع الصوت بتأييد هذا أو ذاك من المرشحين، وفيهم من يستحق أن يرفع إلى السدة ومن لم يكن يتوقع أن تتوافر له الجرأة على «استفزاز» الناخبين بتاريخه فى خدمة نظام الطغيان الذى أسقطته الثورة.. فكيف إذا كان قد خدم أكثر من واحد من هذه الأنظمة التى يشكل وجودها واستمرارها إهانة لأهلها ولتضحياتهم من أجل مستقبل أفضل.

 

بديهى أن من حق كل من يفترض فى نفسه الأهلية ويطمئن إلى قوى الدعم التى يمكن أن تسانده، أن يتقدم كمرشح لرئاسة مصر 2012.. ولكن من واجب المواطن المصرى أن يستعيد تاريخ كل من هؤلاء المرشحين الذين تتعدد مصادر دعمهم ومنابتهم الفكرية وبرامجهم السياسية، وفيها ما قد لا يطمئن، وفيها ما يثير الريبة فى علاقة عضوية بنظام الطغيان الذى أُسقط رأسه وما زال بنيانه قائما، حتى إشعار آخر.

 

ليس من خدم فى بلاط الطاغية مؤهلا لأن يتقدم اليوم ليكون رئيسا باسم الثورة، فكيف من خدم فى بلاط طغاة عدة.

 

وليس من يحاول شراء الذمم والأصوات بمال «مجهول» المصدر وإن كان واضح «الهوية»، صالحا لأن يقيم حكم القانون فى أعرق دولة فى العالم.

 

وليس من يحاول استرضاء إسرائيل، تمهيدا لشراء الرضا الأمريكى، هو من تبحث عنه مصر لكى يعيد إليها موقعها القيادى الذى لا ينازع حقها فيه.

 

●●●

 

مع تمنى عودة سريعة لمصر إلى دورها القيادى الذى لا يعوض غيابها عنه أى من الدول، سواء تلك التى من غاز ونفط، أو تلك التى تاجر طغاتها بالشعار الثورى ثم اندفعوا إلى الحكم بالسيف ضد شعوبهم، ودائما بالتواطؤ مع الخارج!.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved