إلى أمى

عماد الدين حسين
عماد الدين حسين

آخر تحديث: السبت 22 مارس 2014 - 1:55 م بتوقيت القاهرة

أنعم الله علىّ بالكثير، بل بأكثر مما طلبت وتمنيت، لكن النعمة الكبرى كانت الأسرة خصوصا الوالدين.

ما أقوله ليس مجرد كلمات مجازية تقال فى المناسبات بل نعمة من الله أشعر بها فى كل لحظة، ينبغى أن يتحدث بها المرء دائما، أولا لأنها واجب، وثانيا فربما يستفيد منها شخص ما ويذهب إلى والديه خصوصا أمه ويقبل يديها ورأسها ويقول لها شكرا على كل ما فعلتِه وكل عام وأنتِ طيبة.

أكرمنى الله بأب متفتح العقل والقلب لم يجبرنى على شىء فى حياتى، احترم خياراتى حتى وأنا صغير وشجعنى عليها، رغم أنها كانت تبدو أحيانا غير تقليدية لفتى عاش وتربى فى إحدى قرى الصعيد حيث الأمل والتمنى أن يكون الابن طبيبا أو ضابطا أو وكيل نيابة، وأكرمنى الله بأم تتجسد فيها كل معانى الأمومة.

أمى سيدة عادية شأن ملايين السيدات التى ولدت فى الصعيد، لم تذهب إلى مدرسة، لكنها عافرت وتعلمت القراءة وهى كبيرة جدا عبر النظر المطول للحروف المضخمة كى تتمكن من قراءة القرآن.

حياتها تكاد تكون منحصرة فى الاستيقاظ فجرا للصلاة ثم بدء عمل لا يتوقف فى منزل كبير وسبعة أولاد وبنات ناهيك عن الأحفاد حتى تؤدى صلاة العشاء وبعدها تذهب إلى النوم.

هى الآن بلغت الخامسة والسبعين، والحمد لله أنها مازالت قادرة على العطاء والعمل. تعانى بعض الأمراض، لكنها تجاهد وتؤدى أعمالا لا تفعلها بعض بنات العشرين الآن.

جزء رئيسى من حياتها مكرس للصلاة والدعاء لأولادها وأحفادها ودعوتها الأثيرة لى هى: «روح يابنى ربنا يوقف ولاد الحلال فى طريقك»، أما أمنية حياتها فكانت الحج وقد منَّ الله عليها بها قبل ثلاثة أعوام.

لم أكن أعرف المعنى العملى للحب من دون مقابل حتى عرفته من أمى، حياتها مكرسة من أجل أن يكون أولادها وبيتها فى أفضل حال.

منذ سنوات طويلة وصلت إلى يقين أن كل نجاح لى فى الحياة كان بسبب الوالدين خصوصا دعوات الأم. قد يبدو ذلك غريبا لدى البعض، لكن هذا المعنى لمسته فى أشياء ومواقف كثيرة وتفاصيل صغيرة، فى كل مرة أبر أبى وأمى أشعر أن الله يمن علىّ ويرد لى هذا البر بأضعاف مضاعفة.

المؤلم هو الإحساس بأن الإنسان مقصر فى حق والديه كثيرا بسبب دوامة الحياة وكثرة المشاغل.

لم أكتب من قبل بمثل هذه الطريقة المباشرة عن أمى أطال الله عمرها ومتعها بالصحة والعافية لكننى مدين بفكرة هذه الكلمات للإنسان الرائع بلدياتى الدكتور ناجح إبراهيم.

هذا الرجل اتصل بى مساء الخميس يستأذن أن تكون مساحة مقاله الأسبوعى أكبر من المساحة المعتادة لأنه سيكتب عن أمه، رحبت فورا وقلت له كل شىء من أجل الأم لابد من الاستجابة له فورا، ثم بدأنا الحديث عن الأم ونصحنى أن أكتب لأمى وعنها، فقلت له سأفعل.

لو كانت هناك نصيحة لرجوت كل شخص أن يزور أهله ويبرهم ويخبرهم كم هو يحبهم خصوصا والدته.

لا ينبغى أن يظل الإنسان كاتما مشاعره تجاه والديه وتجاه من يحب لأننا لا نعلم إلى متى سنعيش، قل لهما مباشرة وبوضوح إنك تحبهما، قل لهما إنهما أفضل شىء فى حياتك.

بر الوالدين من أعظم الطاعات ويعنى أن المرء سوى وطبيعى.

فى هذه المناسبة أقول لأمى ولزوجتى ولحماتى ولشقيقاتى ولكل أم مصرية: كل عام وأنتم بخير.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved