توضيحًا لحكاية العناوين المتشابهة!

عماد الدين حسين
عماد الدين حسين

آخر تحديث: الثلاثاء 21 نوفمبر 2017 - 10:15 م بتوقيت القاهرة

بعد ظهر يوم السبت الماضى كان الرئيس عبدالفتاح السيسى يتحدث فى كلمة مرتجلة خلال افتتاح مشروع الاستزراع السمكى المتكامل، فى بركة غليون بمحافظة كفر الشيخ.

الرئيس تحدث فى عدة موضوعات، وحينما تطرق إلى مشكلة المياه الكثيرة المخصصة لزراعة الأرز، وكيف أن الزراعات المخالفة، تؤثر على كمية المياه الضئيلة فى مصر، قال: «محدش يقدر يمس مية مصر» وأننا لن نفرط فى أى قطرة مياه من حصتها».

ثم دعا الرئيس المصريين إلى الاقتصاد فى استخدام المياه خصوصا فى زراعات الأرز. وتحدث أيضا عن الثروة السمكية والحيوانية والصوب الزراعية.

حينما نطق الرئيس بهذه الكلمات، كان يجلس على يمينى الصديق وائل الإبراشى، وقلت له إن هذه العبارة الخاصة بمياه النيل، سوف تكون العناوين الرئيسية لكل النشرات والبرامج فى فضائيات هذه الليلة ومانشيتات صحف الصباح التالى.
لم أكن أفتى أو أخمن أو أضرب الودع، فأنا أعمل فى هذه المهنة منذ ٣١ عاما متواصلة. وأزعم أننى أعرف إلى حد ما الفرق بين الخبر الأهم والمهم والأقل أهمية، وأعرف الزملاء فى غالبية صالات التحرير وماذا سيختارون من مانشيتات وعناوين رئيسة أو فرعية، وحتى لا يتصور البعض أننى «اتمنظر»، فإن أى صحفى لديه حد أدنى من الممارسة المهنية السليمة سيكون قادرا على ذلك.

ظللنا داخل بركة غليون حتى الرابعة عصرا، وبالطبع التليفونات لم تكن معنا بسبب إجراءات الأمن المتبعة. وعندما تسلمت هاتفى واتصلت بزملائى فى إدارة تحرير الشروق لأعرف مكونات الصفحة الأولى وعناوينها، وجدتهم اختاروا نفس العنوان الخاص بكلام السيسى عن مياه النيل. شكرتهم على جهدهم واطمأننت على بقية صفحات الجريدة عبر تقنية «الايزى تراك». وعندما طالعت الطبعات الأولى التى تتواجد فى الأسواق ليلا، كان العنوان الذى اخترناه فى الشروق هو نفس العنوان فى معظم الصحف المصرية القومية والخاصة. وبالطبع ظل هو الموضوع الرئيسى فى كل نشرات الأخبار والبرامج الحوارية الليلية، بل وفى الأيام التالية.

لماذا أكتب عن هذا الموضوع؟!.
لأن هناك للأسف بعض حسنى النية أو السذج أو الجهلة، لا يزال لديهم اعتقاد أن هناك رقيبا يتصل بالصحف عصر كل يوم ليقول لهم: «خذوا هذا العنوان أو تجاهلوا غيره»!!.

هل معنى كلامى أننى أنفى تدخل الحكومة فى الإعلام؟ بالطبع لا، هى موجودة ومتنفذة وقادرة بعشرات الطرق. لكن أنا هنا أتحدث عن نقطة محددة وهى وجود عنوان مكرر تقريبا لدى بعض الصحف فى مناسبات وأحداث خصوصا التى يكون المتحدث فيها هو رئيس الجمهورية.

مرة أخرى هذا يحدث لأن هذا العنوان يكون يومها هو الأفضل والأقوى والأهم، ومن يتجنبه يكون «خايب مهنيا».
فى يوم السبت وقبله كان الجميع يتحدث عن فشل مفاوضات سد النهضة بين مصر وإثيوبيا والسودان، وماذا ستفعل مصر ردا على التعنت الاثيوبى. ثم جاء رئيس الجمهورية والقائد الأعلى للقوات المسلحة ليقول بوضوح إن مصر لن تقبل أن يمس أحد حقها فى المياه!.

فى هذه الحالة ماذا يفترض أن تفعل الصحف؟!
لا يوجد عنوان أهم منه فى كلمة السيسى المرتجلة، حيث تحدث فى قضايا كثيرة لكن كلامه عن مياه النيل كان هو الأهم والأقوى، وبالتالى فأى شخص لديه حد أدنى من المهنة سوف يختاره ليكون العنوان الرئيسى!.

هل هذا حكر على الصحافة المصرية فقط؟!
الإجابة هى لا. وعلينا أن نتخيل أن الرئيس الأمريكى خطب خطابا طويلا، ومن بين ما قاله مثلا، إن بلاده ستقصف كوريا الشمالية بالأسلحة النووية. فهل إذا أجمعت وسائل الإعلام على اختيار هذا العنوان تكون تتلقى تعليماتها من البيت الأبيض؟!.

وهل إذا قال بوتين إن روسيا قررت الانسحاب من سوريا غدا، واختارت الصحف الروسية هذا العنوان ليكون المانشيت، فهل تكون تتلقى تعليماتها من الكرملين؟!!.

بالطبع الصحف الغربية لديها مساحة كبيرة من الحرية لا تقارن بما يحدث عندنا. ولديهم قدرة على استكمال أى قصة خبرية، من كل جوانبها. لكنهم ينحازون أولا للخبر الأهم، وبعدها يبحثون عن تعميقه وتحليله، وهو الأمر المفقود عندنا إلى حد كبير.

أرجو أن يكون ما سبق توضيحا كافيا للذين يظلمون الصحف المصرية كثيرا، رغم «أن فيها ما يكفيها» ويزيد خصوصا هذه الأيام!!.

 

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved