لا تفهموا الرسالة خطأ

عماد الدين حسين
عماد الدين حسين

آخر تحديث: الأربعاء 21 يونيو 2017 - 10:50 م بتوقيت القاهرة

قبل انعقاد القمة المصرية الأمريكية فى واشنطن أوائل ابريل الماضى، بين الرئيسين عبدالفتاح السيسى ودونالد ترامب كان لافتا إعلان البيت الأبيض بأكثر من طريقة أن ملف حقوق الإنسان المصرى لن يكون مثار خلاف علنى بين البلدين، وأن واشنطن تفضل أن يتم النقاش بشأنه سرا بعيدا عن وسائل الإعلام.
وقبل أيام قليلة انعقدت القمة العربية الامريكية الاسلامية فى الرياض، ومجددا سمعنا نفس النبرة، ليس فقط على المستوى المصرى ولكن عربيا أيضا.
عندى ما يشبه اليقين بأن حكومة الولايات المتحدة تستخدم ملف حقوق الإنسان ورقة سياسية فى أوقات كثيرة مع العديد من بلدان العالم.
ورغم ذلك أتمنى ألا تسىء الحكومة المصرية فهم «الرسالة الترامبية» وتعتبر التصريحات الأمريكية «شيكا على بياض» وتضرب عرض الحائط بكل ما يتعلق بحقوق الإنسان.
لا ينبغى بأى حال من الأحوال أن يكون اهتمامنا بحقوق الإنسان طبقا لمدى ودرجة الاهتمام الأمريكى.
الأصل فى الأشياء أن تحترم حكومتنا ووزارة داخليتنا وسائر أجهزتنا حقوق الإنسان لأن المصريين يستحقون أن تتم معاملتهم باحترام أولا وأخيرا.
أعتقد أن ترامب هو الأكثر صدقا بين الرؤساء الأمريكيين لأنه أسفر عن الوجه الأمريكى الحقيقى فى هذا المجال، وأوقف استخدام هذه الورقة بالشكل الكلاسيكى.
غالبية الرؤساء الأمريكيين يرفعون الشعار، وتتحدث المنظمات الحقوقية طوال الوقت عن أحوال حقوق الإنسان فى كل مكان، وتصدر الخارجية الأمريكية تقريرا سنويا يتناول حقوق الإنسان فى كل بلدان العالم، بل وتصدر الولايات المتحدة تقريرا عن الحريات الدينية.
لكن فى واقع الحال فإن العلاقات الأمريكية مع البلدان التى تنتهك حقوق الإنسان بسفور فى غاية القوة والمتانة، منذ قديم الزمن، وحتى هذه اللحظة.
لكن حقوق الإنسان تحولت إلى ورقة تستخدمها الإدارة الأمريكية بمهارة للحصول على مكاسب سياسية متنوعة. صحيح أن هناك منظمات حقوقية عالمية وأمريكية، تتحرك بدافع من الاخلاق والمبادئ الإنسانية، وكان لها دور مشهود فى فضح الكثير من الانتهاكات فى أكثر من مكان بالعالم، لكن الملف برمته ظل أغلب الوقت سلاحا للابتزاز السياسى، والدليل أن الولايات المتحدة هى الداعم الأكبر لإسرائيل هذا الكيان العنصرى الذى ينتهك حقوق الإنسان لكثير من العرب منذ عام ١٩٤٨ وحتى هذه اللحظة.
ولمن يشكك فى هذا الكلام اسأل ببساطة: إذا كانت حكومة الولايات المتحدة صادقة فى كلامها عن حقوق الإنسان، فلماذا لم تتخذ أى مواقف عملية ضد الدول التى تنتهك هذه الحقوق وبدلا من ذلك صادقت كل هؤلاء المستبدين من حكام أمريكا اللاتينية زمن أوجستو بينوسيه فى شيلى وشاه إيران إلى حكام ليس لديهم دستور أو قانون، وكلمة «حقوق إنسان» عندهم تعتبر من المحرمات!!.
مرة أخرى كل ما سبق ليس مبررا لكى تعتقد الحكومة المصرية أن توقف واشنطن عن إثارة هذا الملف علنا، من شأنه أن يعتبر رخصة للتفلت من أى التزامات تجاه هذا الملف.
لأن معنى أن تحترم الحكومة حقوق الإنسان إذا طالبت أمريكا لذلك، هو أن تتم الانتهاكات جهارا إذا ساءت العلاقات معها!!.
واقع الحال يقول، لدينا مشاكل حقيقية فى ملف حقوق الإنسان والحريات. لدينا مشكلة كبيرة فى أعداد غفيرة من المحبوسين احتياطيا، وبعض المظلومين، كما قال الرئيس السيسى أكثر من مرة، ولدينا مشكلة أكبر فى ظروف السجن التى وصلت إلى تفشى طفيل «اللشيمانيا» الذى أصيب به أحمد الخطيب، ولدينا مشاكل كثيرة تتعلق بمجمل المنظومة القضائية. وبالتالى ينبغى أن نهتم بالبحث عن حلول لكل هذه المشكلات، سواء كانت علاقتنا مع أمريكا جيدة أم سيئة. وسواء كان الرئىيس هو أوباما أو ترامب، وسواء امتدحتنا واشنطن تايمز أو انتقدتنا نيويورك تايمز وواشنطن بوست، وسائر وسائل الإعلام التى لا تتوقف عن التشهير بالحكومة المصرية بالحق وبالباطل.
المصريون يستحقون احتراما لحقوقهم لأنهم بشر ومواطنون طبيعيون وليس لأن أوباما كان يريد ذلك فى الماضى، أو لأن ترامب قد «يطنش» على ذلك فى الحاضر!.
المؤكد أن الحكومة المصرية ستستريح لفترة من صراع البيت الأبيض والبيانات التى كانت لا تتوقف من إدارة أوباما بشأن هذا الملف، لكن عليها أن تراهن على المستقبل، وتشترى رضاء مواطنيها لأنهم هم الأصل وهم الباقون، وليس أى إدارة أمريكية.

 

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved