العرب وغزة وأمريكا فى مجلس الجامعة

جميل مطر
جميل مطر

آخر تحديث: الثلاثاء 20 نوفمبر 2012 - 8:25 ص بتوقيت القاهرة

اجتمعنا لنشاهد عبر الشاشة مداولات مجلس وزراء الخارجية العرب الذى انعقد فى جلسة طارئة للبحث فيما يمكن أن يفعله قادة الأمة العربية لمواجهة العدوان الإسرائيلى على قطاع غزة. عرض الحاضرون فى اجتماعنا، أقصد اجتماع المشاهدين، توقعاتهم لنتائج اجتماعاتهم، أقصد اجتماع الوزراء، وخرجنا جميعا من اجتماعنا تعساء، فقد صدقت توقعاتنا.

 

كانت المقدمات جميعها تنبئ للمراقب غير العارف بتفاصيل حال الأمة بأن شيئا مختلفا سوف يصدر هذه المرة عن هذا المجلس، فالإقليم العربى فى ربيع ليس كأى ربيع، ومعظم شوارع العرب، والأزقة تحديدا، تغلى بنفوس غاضبة لأسباب شتى، وبعض هذه الأسباب خطير للغاية، والموضوع الذى يجتمع من أجله المجلس يهدد من حيث المبدأ والشكل الأمن القومى العربى، إن بقى من هذا الأمن ما يتهدد، ويهدد استقرار كل دولة عربية على حدة، إن بقيت دولة عربية تزهو باستقرارها. المؤكد على كل حال هو أن حكام دول الربيع حريصون على عدم إثارة جماهيرهم بأكثر مما هم مثارون، وأن حكام دول أخرى تخشى أن يستخدم الربيع المتأهب على حدودها أزمة غزة ليخترق بها هذه الحدود. المؤكد أيضا أن الولايات المتحدة، وأحيانا ممثلة بشخص رئيسها المصر دوما وأبدا على أن يسجل له التاريخ أنه الزعيم الأمريكى الذى خدم إسرائيل أكثر من أى رئيس آخر، هذه الولايات المتحدة ضغطت بكل ما أوتيت من نفوذ على دول عربية مؤثرة ليخرج مجلس الجامعة بقرارات هزيلة.

 

بالرغم من توافر هذه المقدمات، كانت توقعات أغلبنا أن شيئا مختلفا اختلافا جوهريا لن يخرج عن هذا الاجتماع، الأمر الذى بدأ يتضح منذ اللحظة الأولى حين تبينا أن عددا غير قليل من الدول الأعضاء لم ترسل وزراء خارجيتها، وأن دولة عربية كبرى، أو تسعى لهذه الصفة، لم تتجرأ وتضيف إلى وفدها، ولو من باب التجديد و«المنظرة» الإعلامية والسياسية عضوا يمثل مؤسستها العسكرية، فتوحى لشعبها الغاضب ولشعوب عربية أخرى ولدول الغرب ولإسرائيل ولغزة أن فى النية تفكيرا فى التغيير وإصلاح مسيرة العمل العربى المشترك.

 

أعترف أن الجلسة لم تكن مملة، وبخاصة لشخص توقع أن تكون كذلك. زميل مستجد على السياسة العربية دفعه إلى الاهتمام بها ودخول هذا المضمار ظروف الثورة أبدى ملاحظة مهمة أثناء متابعته مراسم الافتتاح. قال تصورت أن يكون المشهد مهيبا فإذا به غير كذلك. عدنا نتأمل فى الشاشة لنكتشف دقة الملاحظة. لم أعلق، رغم أننى كنت الوحيد بين الجالسين الذى كان شاهدا على العشرات من هذا النوع من الاجتماعات العربية وشارك فى العديد منها، وكان بينها المهيب وهو قليل وغير المهيب وهو الأكثر.  ***

 

لم تكن الجلسة على الأقل، فى بعض نواحيها مملة وبخاصة لمن يبحث عن الجديد، فقد احتوت على عدد من المفاجآت. مثلا كانت مفاجأة لبعض ضيوفى الفقرة التى جاءت فى نهاية خطاب الأمين العام للجامعة، وهى الفقرة التى حملت نوعا من التهديد بوقف عملية السلام وإعادة النظر فى المبادرات العربية. كانت مفاجأة لهم باعتبار أنهم لا يعرفون الأمين العام معرفة تشى بأفكاره ومواقفه، وكانت مفاجأة لأنه نطق بها شفاهة، أى بدون العودة إلى أوراقه، حتى أن بعض العرب ظن أنها لم تكن فى صلب الخطاب.

 

كانت مفاجأة ثانية وبخاصة لمن يعرفون تقاليد حكومات الخليج أن ترأس وفد دولة خليجية (الإمارات العربية المتحدة) سيدة وإن كانت من خارج مجموعة السياسة الخارجية الإماراتية ولكن معروف عنها الخبرة والكفاءة فى مجال تخصصها. بداية تمنى الحاضرون أن تكون متعمدة.

 

كانت مفاجأة ثالثة التشدد البادى بوضوح فى موقف مندوب البحرين خلافا لما درجت عليه السياسات الخارجية الخليجية، فقد كان إلى جانب المندوب السودانى، أشد الداعمين لتهديد الأمين العام للجامعة المتعلق بإعادة تقويم مسار العملية السلمية وفى مقدمة الداعين لاتخاذ موقف عربى جماعى قوى ضد إسرائيل. كانت مفاجأة للكثيرين وإن كانت مفهومة الدوافع والظروف.

 

كذلك كانت مفاجأة اللهجة التى استخدمها المندوب السودانى حين وجه عتابا شديدا لمجلس لم يجتمع عندما تعرضت بلاده لغزو بالطائرات الإسرائيلية وخرق لسيادتها وحدودها تحت سمع حكومات العرب وبصرها. تفاخر المندوب بأن بلاده كانت ربما الدولة الوحيدة التى دعمت غزة بالسلاح، ولعله بهذا الاعتراف يؤكد اتهامات إسرائيل للسودان بأنها زودت غزة بالصواريخ الإيرانية التى تطلق الآن على الداخل الإسرائيلى.

 

أما رئيس وزراء قطر فكان أيضا عند حسن الظن به. كان صريحا كعادته، بل كان، أيضا كعادته، متجاوزا بصراحته حدودا متعارف عليها فى عمل المجالس العربية. كنا نسمع فى دورات سابقة وزراء خارجية، بل ملوك وأمراء ورؤساء، ينتقدون عجز العمل العربى المشترك والانقسامات العربية والمواقف المتخاذلة بالقول «إخواننا العرب» مقصرون ومذنبون. هذه المرة سمعنا رئيس وفد دولة قطر يصف هؤلاء العرب أنفسهم بأن أغلبهم «نعاج». المعنى واحد والقصد أيضا، إذ حين يتهم القادة العرب «إخواننا العرب» بالتقصير، فهم يقصدون أنهم هم أنفسهم غير مقصرين ولا مذنبين إنما المقصر والمذنب هو العربى الآخر، وحين يقولون «أغلبنا نعاج»، فقصدهم أن هناك عربا تنطبق عليهم صفة النعاج وعربا لا تنطبق عليهم. على كل حال أسفت أسفا شديدا، ربما أشد من أسفى حين كنت أسمع تعبير «إخواننا العرب».

 

لا أعرف إن كان بين المفاجآت خطاب المندوب الفلسطينى، أعرف أننا انقسمنا على تصنيفه ولم ننقسم عند الإعراب عن استيائنا بشدة منه واستنكارنا له. أثار الاستياء عندما تحدث، وهو بالمناسبة وزير خارجية، كمندوب دولة عربية لا علاقة مباشرة، جغرافية أو وطنية أو تاريخية أو عائلية، بالشعب الفلسطينى القاطن فى قطاع غزة. أغضب خطابه جميع الجالسين. بدا وكأن الأمر لا يهمه أو أنه جاء ليتعاطف ويندد ويستنكر كالباقين. جاء يؤدى الواجب. أتصور على كل حال أن خطاب رئيسه الذى ألقاه فى رام الله بعد يوم أو يومين من خطاب وزير الخارجية جاء ليخفف من الأثر السيئ الذى خلفه خطاب الوزير وإن لم يفلح فى إزالة آثاره. خرجت من الخطابين بنتيجة مهمة ونداء حقيقى للأمناء على مستقبل فلسطين ومصر وهما ضرورة فتح الموضوع الفلسطينى للحوار العام فى كافة مجتمعات الربيع العربى وخارجها إن أمكن، قبل أن تعلن إسرائيل والولايات المتحدة إغلاق الملف نهائيا.

 

 انتهت الجلسة وعاد كل مندوب إلى بلده مخلفا وراءه قرارات أكثرها لا يستحق الجهد الذى بذل فى صياغتها، وبينها هذا القرار الذى قوبل بالسخرية والاستنكار من جانب كثير من المراقبين وحاملى الأمل المتجدد فى أداء أفضل للمسئولين عن العمل العربى المشترك، وهو القرار الخاص بتشكيل وفد من المجلس يزور قطاع غزة « للتحقق من حقيقة ما يحدث».

 

تبقت لدينا ملاحظات فرعية ولكن معبرة. لاحظنا مثلا أن بعض المتحدثين، وبينهم من دأب فى عصور ما قبل الربيع، على مطالبة مصر بالدخول فى حرب من أجل فلسطين، عاد بطلب جديد من مصر وهو رفع الحصار عن قطاع غزة ودعوة بقية العرب لدعم هذا الجهد. لاحظنا أيضا، أن العرب ونحن منهم، مازلنا نتعامل مع الجامعة العربية باعتبار أنها منبر قومى، نقول فى الجلسات العلنية لمجالسها خلاف ما نقوله فى الجلسات المغلقة. وهو ما يعنى فى الحقيقة أن للجامعة دورا معنويا لم ينحسر رغم كل الكوارث التى حلت بها وكل المحاولات التى بذلت وتبذل لتغيير معالم النظام العربى جغرافيا وسياسيا وأيديولوجيا.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved