سمات الحكومة العشوائية

عماد الدين حسين
عماد الدين حسين

آخر تحديث: الجمعة 20 أغسطس 2010 - 9:57 ص بتوقيت القاهرة

 سؤال: ما هى سمات الحكومة العشوائية؟
جواب: هى تلك التى تهمل قضية حيوية فترة طويلة وعندما تشعر بالخطر تهب متحمسة ومنفعلة ومذعورة، ثم تهدأ فجأة وكأن شيئا لم يكن. حاولوا أن تعيدوا اكتشاف كيف تصرفت الحكومة منذ بدء الأزمة مع دول حوض النيل.

عندما تيقنت الحكومة أن بلدان الحوض جادة ولا «تهوش»، وفجأة وبديلا عن سياسة الإهمال المتعمد لأفريقيا عموما ودبلوماسية التطنيش الكبرى لبلدان حوض النيل خصوصا، هبت كل أجهزة الحكومة فورا لتعلن عن برامج تتعلق بالتعاون مع أفريقيا.

ولأن حكومتنا لا تملك إستراتيجية حقيقية للتعامل مع أفريقيا أو أى قارة، ولا تتحرك إلا بتعليمات فوقية كان مشهد تحركها يبدو كوميديا ومفتعلا ولا يدل على صدق نوايا كبير، ويذكر إلى حد كبير بطريقة استقبال المؤسسات الحكومية لمسئول كبير قرر زيارتها.. نجد كل شىء «ملمع».. الزهور والورود والسجاد الأحمر.. وعندما يغادر المسئول المكان.. يعود كل شىء إلى سيرته الأولى أى الإهمال واللا مبالاة.

قبل أن تشتعل الأزمة بصورتها الراهنة، دعا عقلاء كثيرون إلى تحرك وزيرى الخارجية والرى لاحتواء هذه البلدان، لكن وبعد «أن وقعت الفأس فى الرأس» وجدنا الجميع يتحرك.

وزارة الصحة أرسلت قوافل طبية لإجراء عمليات جراحية فى إثيوبيا، والوزير حاتم الجبلى ذهب إلى هناك وتحدث عن برامج متنوعة للتعاون.

وزارة الشباب والرياضة استضافت شبابا من بلدان حوض النيل فى المعسكرات الصيفية بالإسكندرية، وخرجت مطالبات تدعو إلى منظمات وهيئات شبابية. وسمعنا من يدعو إلى دورات رياضية بين بلدان الحوض. وزارة التعليم العالى أعلنت عن نيتها إنشاء فروع لجامعات مصرية هناك.

أما وزارة التجارة فبدأت فعلا فى استيراد سلع كثيرة من هذه البلدان خصوصا إثيوبيا وتحديدا اللحوم الحية.

فى حين أعلنت وزارة الزراعة عن مشروعات طموحة لزراعة القمح وبعض المحاصيل الأخرى فى أوغندا وكينيا.

وبدأت وزارة الخارجية تتحدث عن تفعيل صندوق التعاون الفنى مع بلدان الحوض، وهو ما فعلته أيضا وزارة الرى التى أعلنت عن مشاريع فنية تنفذها فى هذه البلدان. المسألة باختصار أن الجميع تقريبا تحرك وأعلن عن نوايا فى مشروعات تعاون فى أفريقيا.

قد يبادر البعض بالتساءل: وهل هذا التحرك مستهجن وخطأ. والإجابة هى قطعا لا. المشكلة فقط هى أن طريقة تحرك الحكومة قياسا على أزمات ومشكلات مشابهة لا تبشر بالخير.

رأينا حماسا شديدا، ورأينا انفعالات، وخطبا رنانة تتحدث عن الأخوة الأفريقية والأشقاء وأولئك الذين بجمعهم شريان واحد ومصير واحد، لكننا لم نر مسئولا واحدا يتحدث عن خطة طويلة الآمد للتعاون مع أفريقيا، لم يتحدث أحد عن تصوره لنوعية علاقتنا مع إثيوبيا فى السنوات الخمس المقبلة وكذلك بقية بلدان الحوض.

واقع الحال أن العلاقة المستمرة الوحيدة هى تلك الموجودة فى كرة القدم بحكم أننا أعضاء فى الاتحاد الأفريقى لكرة القدم ونشارك فى بطولاته وأنشطته، لاعبونا معروفون فى القارة بحكم فوزنا أكثر من مرة ببطولة الأمم الأفريقية، أما فى بقية المجالات فمعظم بلدان القارة، خصوصا فى حوض النيل يعتقدون بأننا نتعامل معهم بفوقية وننظر إليهم نظرة دونية.

معظمهم لا يصدقون هذه التحركات. هم يريدون أفعالا على الأرض، صار تحدى مصر والتمرد على سياسة حكومتها مدخلا انتخابيا وشعبويا فى بلدان الحوض. ما نشاهده الآن بشأن التعاون مع بلدان الحوض يدعو للريبة والقلق.

الجغرافيا لن تتغير، ولن نستطيع كما يتخيل البعض واهما أن نستبدل بلدان الحوض بدول أوروبية.. إذن نريد برامج وخططا واستراتيجيات حقيقية للتعامل مع هذه البلدان.

التهريج لن يفيد.. والتعليمات الفوقية قد تحل المشكلة مؤقتا.. لكنها ليست مضمونة على المدى البعيد.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved