نهضة وتعدى

غادة عبد العال
غادة عبد العال

آخر تحديث: الخميس 20 يونيو 2013 - 8:00 ص بتوقيت القاهرة

مش بس اكتشفنا إن مافيش حاجة اسمها مشروع نهضة له خطة وميزانية وآلية تنفيذ، لكن كمان توقف الإتيان على ذكرها فى أحاديث كل اللى كانوا مبشرين بيها.

 

فى عصور القلاقل التى تمر بها الدول عادة، (وإذا كنت مواطنا مصريا صميما فأنت حاسس بالتأكيد أد إيه إحنا بنتقلقل ولسه هنتقلقل كتير).. العصور دى فى الغالب بيتبعها تغيرات كبيرة، طبقات كانت فوق تبقى تحت، ومجموعات كانت فى الضل فجأة تطلع للنور، شخصيات كانت جديرة بالاحترام تتحول لشخصيات مهزأة يسخر منها الجميع، وأخرى ما كانش حد يسمع عنها حاجة تصحى الصبح تلاقيها ملء السمع والبصر، لكن كمان دايما بيبقى فيه كلام جديد. كان معادنا بعد 25 يناير مع عدد من المصطلحات الجديدة اللى عمرنا ما استعملناها قبل كده، بداية بـ«حزب الكنبة»، مرورا بالـ «فلول»، وانتهاء بالـ«نهضة».. بكل معانيها.

 

«معلش كان عندنا نهضة».. «النهضة زارتكم كام مرة النهارده؟».. «يييييييه، هى نهضت؟!»، كم مرة سمعت عزيزى المواطن الجمل دى أو جمل شبيهة وفهمت بالتأكيد قائلها كان يقصد إيه؟. كام مرة كان صاحب العبارة يقصد المعنى الحقيقى لكملة «نهضة» وكام مرة كان يقصد المتعارف عليه؟، إنت عارف أصلا معنى كلمة نهضة إيه؟

 

بيقولك يا سيدى إن معنى كلمة «نهضة» فى القواميس هى كالتالى: نهضة: أى قيام، نهض: بارح موضعه وقام مبتعدا عن مكانه، نهضة: الطاقة والقوة، نهضة: حركة، وثبة، ده غير طبعا المعانى الإصطلاحية اللى اتفق عليها اللى هى بتعنى نهوض الأمم بعد انحدارها أو تقدمها بعد فترة من الركود واللى هى المعانى اللى ارتبطت بكلمة نهضة بعد عصور النهضة فى القرون من الرابع عشر وحتى السابع عشر فى أوروبا، لكن بينما النهضة فى أوروبا كانت مهتمة بالأساس بتحرير العقل الأوروبى من الحواجز، وتشجيع الكل على إطلاق عقولهم فى سبيل الابتكار والإبداع والاستمتاع بالحياة، كانت النهضة المصرية تهدف للعكس تماما، فى النهضتين كانت الدعوة لتغيير الفكر، لكن بينما كانت النهضة الأوروبية تدعو المجتمع صراحة لأن يكون أكثر انفتاحا، كانت النهضة المصرية بيتم الدعوة والتبشير ليها على 4 مراحل:

 

فى الأول كان مشروع النهضة يتم الإعلان عنه كحاجة تدعو للحرية والانفتاح، لافتات ملونة مليانة بالبالونات ودعاية تليفزيونية تؤدى على خلفية أغانٍ ملحنة (حاجة تقول إحنا مالناش فى تحريم الموسيقى) وبكومبارس رجال ونساء، محجبات وسافرات (حاجة تقول مش هنحجبكم بالعافية ما تخافوش). ثم انتقلنا لمرحلة الأساطير التى تداعب جينات ألف ليلة وليلة التى زرعتها فى خريطتنا الجينية ليالى الفرجة على التليفزيون فى رمضان «مشروع النهضة طائر له جناحان ومؤخرة ومنقار، ومنقاره (خليها منقاره المرة دى) وقت اللزوم بيطلع نار». ثم وصلنا لمرحلة آدى المشروع وآدى اللى كتبه وآدى اللى هينفذه وآدى اللى هيقول هات حتة هات حتة، لما كان كل مواطن بيتوزع عليه كتيب «مشروع النهضة» فى إيده بكل البنود العامة اللى فيه اللى بتشبه دروس التربية الوطنية اللى ماكانش حد بيقراها، لكن أهو كان مشروعا مكتوبا وفى إيدينا، مالناش حجة بقى! أما المرحلة الرابعة والأخيرة اللى انتهى لها مشروع النهضة فكان أنه انتهى وحيدا كما بدأ وحيدا، فين مشروع النهضة بقى؟، مش بس اكتشفنا كشعب من معارضين وعاصرى الليمون (المؤيدين لا يعتبرون أنفسهم من الشعب بل حاجة أرقى بكتير) مش بس اكتشفنا إن مافيش حاجة اسمها مشروع نهضة له خطة وميزانية وآلية تنفيذ، لكن كمان توقف الاتيان على ذكرها فى أحاديث كل اللى كانوا مبشرين بيها، امتى آخر مرة سمعت حد بيجيب سيرة مشروع النهضة؟، استبدلوا الحديث عن النهضة بالحديث عن الشرعية والدولة العميقة والفلول والقضاء والإعلام الفاسد ومؤخرا.. الباليه. أما النهضة فأصبحت يتيمة الآباء والأمهات، وكعادة الشعب المصرى اللى دايما يهتز قلبه حزنا لألم اليتيم فقد قررنا أن نتبناه، وناخده معانا نفسحه فى كل حتة نروحها وتفكرنا بالمبشرين بيه، فأصبحت أزمة الأنابيب نهضة، وأصبح قطع المياه نهضة، وأصبح نقص السولار نهضة، وأصبح غياب الأمن نهضة.

 

إحنا كشعب ما هانش علينا ما نضيفش لتعريف كلمة «نهضة» فى القواميس معنى جديدا، ماهانش علينا نسيب الصفحة فاضية فماليناها بمعانى كتير، زى الضعف، وقلة الحيلة، واهتزاز الرؤية، وسذاجة المواقف، والألم، والتعب واليأس والتوهان. وكل يوم بنضيف معنى جديد وموقف جديد يسجل بإيدينا فى تعريف «النهضة المصرية» وعصرها الذهبى، وبكده نبقى أضفنا كتب المعرفة البشرية وسجلنا أسامينا فى سجل التاريخ الإنسانى، كمطورين لمعانى كلمة نهضة، بشكل لم يخطر على ذهن أحد من قبل. وفى النهاية مين عارف، يمكن ربنا يتوب علينا من نهضات كل يوم.. يمكن ربنا يسهلها ونقطع صفحة نهضتنا من التاريخ ومن القواميس.. يمكن ربنا يكون على عكس اعتقادنا بيحبنا.. وتكون نهضة وتعدى.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved