الإخوان يسقطون فى تجربة السلطة؟

طلال سلمان
طلال سلمان

آخر تحديث: الأربعاء 20 مارس 2013 - 8:00 ص بتوقيت القاهرة

لم تُخفف قيادات الإخوان المسلمين بعد من زهوها أو انبهارها بسرعة وصولها إلى سدة السلطة فى أكثر من بلد عربى، وإن ظل تسنم الرئاسة فى مصر أخطرها، والهيمنة على القرار فى تونس أصعبها.

 

ربما لهذا يتبدى الارتباك واضحا فى سلوكها.. فهى لم تكن قد هيأت نفسها لمثل هذا «الإنجاز التاريخى»، وان كانت تتطلع إليه منذ زمن بعيد: ماذا نفعل فى مواجهة مشكلات الداخل المالية منها والاقتصادية، وكلها خطير؟ وكيف نواجه المعضلة الاجتماعية، وهى متفجرة؟ وكيف نرسم سياستنا العربية وكل ما حولنا من أوضاع إما متصدع فعلا وإما أن التصدع يتهدده؟ وهل نخاطب أهل النفط والغاز مباشرة أم نلجأ إلى «الصديق الكبير» لكى يتدخل فيحسم الأمر بإشارة منه؟ وهل هذا «الصديق الكبير» جاهز للتدخل أم أن ثمن تدخله سوف يكون ثقيلا جدا؟!

 

وقد زاد من الارتباك أن تنظيم الإخوان كان مضطرا لخوض مجموعة من المساومات مع قوى الاعتراض الشعبى الواسع على توليه مقاليد السلطة. فأطلق تعهدات ووعودا مغرية كان يعرف انه لن يلتزم بها، لتأمين الصعود الآمن إلى القمة.. وبديهى أن التملص منها سيسرع المواجهة، وفى الشارع، مما سيفرض امتحانا لولاء القوى الأمنية خصوصا، قد يتوسع ليشمل تلك المؤسسة المهيبة: الجيش.. والتنظيم كان يفضل إرجاء مثل هذا الامتحان، ريثما يستكمل أسباب السيطرة على مراكز القرار بهدوء.

 

هى معضلة معقدة: كيف تستولى على مفاتيح السلطة من دون التورط فى معارك سابقة لأوانها، وقبل أن تستكمل العدة الضرورية لمثل هذه المواجهة؟.. سيّما وأن استفزاز المؤسسات الأمنية قد تترتب عليه نتائج خطيرة لا قبل للحكم المستولد قيصريا بتحملها؟!

 

ثم إن للتنظيم تحالفات قديمة مع الخارج الإسلامى أبرزها مع إيران، وعلاقات مستجدة ولكن العمل لتوطيدها يجرى بنشاط، أخطرها مع الولايات المتحدة الأميركية، وعلاقات مضطربة مع أطراف عربية طالما اطمأنت إلى «السلفيين» أكثر من اطمئنانها إلى الإخوان، فكيف العمل الآن والتحالف مع هؤلاء «السلفيين» صعب وخسائره ــ محليا وعربيا ودوليا ــ أعظم من أرباحه، إن كانت ثمة أرباح.. هذا إذا ما تم التغاضى عن الشروط القاسية التى يلوح بها السلفيون عند الحديث عن التحالف؟ كيف يمكن التوفيق بين موجبات الحكم وارتباطات التنظيم الذى نشأ معارضا وشب على المعارضة وتورط فى التحالف ولو لفترة مع نظام الطغيان ولم يبذل جهدا جديا لمحاورة خصومه الذين تورط فى تحديهم بحيث صارت المواجهة فى الشارع حتمية؟

 

ولماذا لم يطور التنظيم موقفه من المسألة الاجتماعية فإذا به كحاكم يتورط فى موقف معادٍ للحقوق المكتسبة للعمال والفلاحين، وإذا بجهده لأسلمة التعليم تصطدم بالتراث التاريخى للمجتمع المدنى المنفتح على الأفكار والمناهج المعاصرة فيتبدى وكأنه فى عداء مع حركة التقدم الإنسانى ومع ريادة مصر فى المجالات العلمية كما فى مجال حقوق الإنسان؟

 

وماذا عن السياسة الخارجية للإخوان المسلمين؟ وبالتحديد: ما هو موقف الإخوان الفعلى من إسرائيل، واستطرادا من القضية الفلسطينية؟ هل يكفى استقبال رئيس السلطة الفلسطينية بالأحضان للتدليل على الالتزام بموجبات القضية المقدسة؟ وهل تكفى الوساطة الأمريكية لوقف الحرب الإسرائيلية على غزه وقد باعت ثمارها إلى الحكم الإخوانى فى القاهرة، ولو على حساب الرصيد الثورى لحركة حماس؟ وأين تقع الرسالة الودية جدا إلى الرئيس الإسرائيلى فى هذا السياق، وتعزيز العلاقات الأمنية مع تل أبيب؟!

 

•••

 

يعتذر الإخوان بأن الأوضاع العربية المضطربة لم تمكن حكمهم من إرساء علاقة جدية مع الدول العربية، برغم أن الرئيس محمد مرسى قد ذهب فى أكثر من رحلة إلى السعودية، واستقبل غير مرة بعض قادة الجزيرة والخليج الذين وعدوه بالمساعدات إذا اعتمد سياستهم ومواقفهم سواء تجاه إيران وسوريا ومعها العراق، لكن الشروط لتنفيذ الوعود كانت أقسى من أن يستطيع قبولها، هذا إذا ما سلمنا جدلا أن النية للإنقاذ كانت صادقة عند من وعد.

 

فإذا ما انتقلنا إلى الضفة التونسية لتبدى أن منطق الإخوان واحد وإن كان عند جماعة تونس أكثر مرونة.. فهم حاولوا تمويه هيمنتهم على السلطة بالشراكة مع بعض قوى المعارضة التاريخية، فى حين أن إخوان مصر قد رفضوا مبدأ الشراكة وخادعوا قوى المعارضة مفترضين أن افتقارها إلى الوحدة لن يمكنها من مواجهة الحكم بما يزعزع بنيانه ويعطل قراره. وهكذا دخلوا فى مواجهة مع الشارع قد تكون أضرت بصورة المعارضة ولكنها هشمت صورة الحكم وكشفت ارتباكه وتضارب قراراته والنقص الفاضح فى خبرته وتورطه فى «حروب» و«معارك» عبثية، دستورية وسياسية وأمنية ذهبت بالكثير من رصيده المحدود أصلا. من حق أى مراقب أن يسأل: أين يختلف حكم الإخوان عن حكم حسنى مبارك؟

 

إن حرص «الحكم الجديد» على كسب ثقة الإدارة الأمريكية لا يقل أبدا عن حرص سلفه، بل لعله مضطر لأن يثبت خروجه من إسلامه القديم، الذى بات «إرهابا» إلى إسلام جديد معتدل وغير معاد لا للولايات المتحدة ومعها الغرب عموما ولا لإسرائيل.. ثم انه معاد ــ بالتكوين ــ للاشتراكية وحق العمال والفلاحين فى المشاركة فى السلطة وصولا إلى العلمانية وسائر منتجات الاشتراكية السوفييتية.

 

فى أى حال فإن هذا الحكم الجديد ليس ثوريا، وإن كانت ثورة الميدان هى صاحبة الفضل فى توفير الفرصة لقفزه إلى السلطة، وبالتالى فهو ليس مدينا للميدان وثواره بشىء.

 

•••

 

لقد كان الميدان ميدانين: الأول لقوى بلا رأس وبلا برنامج لها مواقف متطرفة من الجيش ومن كل من عمل مع النظام القديم، من أمريكا إلى دول الجزيرة والخليج التى تصمها بالرجعية، والثانى للإخوان ومعهم جماعات السلفيين فى تحالف الضرورة. وقد انتصر الإخوان ومن حقهم أن يتولوا السلطة، برغم اعتراض أولئك الذين حاولوا الوصول إلى سدتها وفشلوا. يريدونها معركة؟! حسنا فلتكن المعركة! لنا السلطة، ونحن نقرر فى مختلف الشئون، فى الدستور، وفى القضاء، فى الانتخابات ودوائرها وسائر مستلزماتها. كذلك نحن من يقرر السياسة الخارجية، بالتحالفات والخصومات فيها. نقاتل ضد النظام السورى ثم نذهب إلى حكومة العراق التى تحرص عليه فنطلب مساعدتها. نسىء استقبال الرئيس الإيرانى الذى جاءنا بغير دعوة منا ولم نكن نستطيع رفض زيارته، ثم نبدل اللهجة حتى لا تضيع علينا عروض إيران بالمساعدة أقله اقتصاديا.

 

وفى تونس يستنقذ الموقف الشجاع لرئيس الحكومة الإخوانى حمادى الجبالى الحكم الائتلافى الذى «ركبه» الإخوان، باستقالته، لتهدئة الشارع الغاضب نتيجة اغتيال القائد النقابى بلعيد، ويرفض «القائد التاريخى» راشد الغنوشى استبعاد الإخوان عن الوزارات السيادية، وتحتدم الأزمة السياسية، فيضطر الغنوشى إلى التراجع والقبول بحكومة أكثريتها إخوانية لكن قرارها ليس إخوانيا خالصا.

 

هل هذا مجرد ذكاء سياسى، أم محاولة لإنقاذ حكم جبهوى لا يحظى بالتأييد الشعبى الكاسح، تواجهه معارضة قد تبدو غير موحدة، ولكن الأزمة الاقتصادية الاجتماعية تمدها بزخم مؤثر، وتفرض التخفيف من الطابع الإخوانى استرضاء للشارع الغاضب والذى لن يعود جمهوره إلى البيوت فى المدى المنظور.

 

•••

 

الخلاصة التى لا يمكن تجاهلها أن تجربة الإخوان فى السلطة ليست مستوفية شروط النجاح.. فالرغبة فى الهيمنة على الدولة، بمؤسساتها المختلفة، المدنية منها والعسكرية، ومحاولة إعادة صياغة الدستور والقوانين على مقاس الحكم الإخوانى لا يمكن أن تنجح فى دول كانت تستظل نظاما غير دينى، بغض النظر عن حجم الفساد فيه: فالفساد فى الرأس، والمجتمع هو الذى تحرك بالغضب فأسقط هذا الرأس ومنهجه المدمر.

 

لا خطة لمعالجة مشكلات المجتمع اقتصاديا واجتماعيا وثقافيا، ولا تغيير فى السياسة الخارجية يستجيب لمتطلبات استقلالية القرار.

 

وليس اللجوء إلى الميليشيا حلا، بمعزل عن كونه من خارج ادعاء الإيمان بالديمقراطية وبالتسليم بالصندوق حكما فى موقف الإرادة الشعبية.

 

والخلاصة التى تؤكدها الوقائع: أن حكم الإخوان غير مؤهل لا يبنى دولا حديثة، ولا هو مؤهل لأن يفتح طريق التقدم أمام المجتمعات التى أعطته الفرصة فضيعها.. ومن لا يسوس الحكم يخلعه.

 

 

 

رئيس تحرير جريدة «السفير» اللبنانية

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved