الهند بلا مقدمات

صحافة عربية
صحافة عربية

آخر تحديث: السبت 20 فبراير 2016 - 10:41 م بتوقيت القاهرة

ترتفع عاليا لوحة رخامية صغيرة، لن يلحظها أحد بسهولة، على مسجد السوق الكبير، فى وسط الكويت العاصمة، مكتوب عليها العبارة الآتية: «دائرة أوقاف الكويت العامة (السوق)، أسس هذا المسجد محمد بن حسين بن رزق سنة 1209 هجرية، جدد بناءه يوسف آل صقر بمعاونة بعض محسنى الهند سنة 1255 هجرية، جددت بناءه دائرة الأوقاف سنة 1373 هجرية».

بالطبع ما يلفت الانتباه هنا هو أن «بعض محسنى الهند» جادوا بما لديهم لدعم ترميم مسجد فى الكويت. وبالطبع الشكر كل الشكر لذلك الإنسان المجهول الذى حرص على أن تستمر هذه القطعة الرخامية الصغيرة بحجمها والكبيرة بمعناها، ولم يهشمها أو يكسرها انتقاما من ماضٍ، يمجدونه بالنهار، ويدمرونه بالنهار أيضا.

فى الهند أكثر مما فى غيرها، يطلق عليها «درة التاج»، وقال فيها الكويتيون الأوائل: «الهند هندك إذا قل ما عندك». قضيت فى الهند عدة أيام بدعوة من مؤسسات أكاديمية، وهى فرصة للتعلم. فالهند قابلة للاكتشاف وإعادة الاكتشاف، وهى ليست للذين يظنون أنهم يعرفون كل شىء، ويستهينون بالآخرين، وما أكثرهم.

التنوع فى الهند بقدر تنوع الألوان الطبيعية وغير الطبيعية، بها ما هو مشرق وما هو دون ذلك.

الدستور الهندى مثلا يعتمد 22 لغة. ولغة النقاش فى البرلمان عادة هى اللغة «الهندية»، وعند سؤال نائب باللغة الإنجليزية فإن الوزير يجيب بالإنجليزية التى تسمى «لغة ربط».

الهند والصين هما الأكبر من حيث عدد السكان فى العالم، إذ تجاوزتا مليار إنسان منذ زمن. العاصمتان بكين ودلهى تتشابهان فى حجم التلوث، إذ يموت فى الصين أكثر من مليون شخص كل عام بسبب التلوث، ولا تختلف دلهى عن ذلك كثيرا. أما لماذا صار تعداد البلدين بهذا الحجم فلذلك مبحث آخر.

يضاف إلى التلوث المتعب فى دلهى الازدحام المرورى، وسعيا إلى الحل قامت إدارة المدينة بتجربة قبل شهر تقريبا، إذ يُسمَح بدخول دلهى للسيارات بحسب الرقم الأخير، يوم للأرقام الزوجية وآخر للفردية. يبدو أن التجربة كانت ناجحة، فقد قل التلوث وقل الازدحام، لكن سكان دلهى يمطُون شفاههم بأن ذلك لن يستمر. لماذا؟ أكد لى البعض أن كثيرين لديهم القدرة المادية على شراء سيارة إضافية يختلف رقمها عن سيارتهم الحالية، وبالتالى يدخلون المدينة فى كل الأيام.

هناك سيارة صغيرة تملأ الطرقات اسمها «موراتى» وهى، كما قيل لى، نتاج تعهد رئيس الوزراء الأسبق راجيف غاندى بتوفير سيارة رخيصة للجميع. وبالتعاون مع سوزوكى، تم خلق «موراتى» فى أواخر ثمانينيات القرن الماضى بـ2000 دولار، أما الآن فيبلغ سعرها 5000 دولار. الموديلات الحديثة من «موراتى» مزودة بفلتر لضبط كمية الانبعاثات من عوادم السيارات كى لا يتحول ذلك المخلوق المعدنى الصغير إلى وحش ملوث.

فى الهند الكثير مما يمكن أن نتعلم منه، وبالذات فى مسألة التعايش السلمى بين الملل والنحل، فى منطقتنا تتلوث فيها النفوس بالكراهية وإلغاء الآخر أكثر بكثير من تلوث الهواء. بالطبع الوضع فى الهند ليس مشرقا، ففيه عنصرية وتشدد، لكن يبدو أنهم توصلوا إلى معادلة ما، ولو كان لدينا تنوع واحد فى المئة مما لديهم، فهل لى أن أتخيل كيف ستسير الحياة؟
  
غانم النجار   كاتب كويتى
 
 جريدة الوسط - البحرين


هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved