لكى يكون النمو الاقتصادى المرتقب متوازنًا

زياد بهاء الدين
زياد بهاء الدين

آخر تحديث: الإثنين 18 سبتمبر 2017 - 9:45 م بتوقيت القاهرة

مع نهاية الصيف والأعياد والإجازات، يبدأ الموسم السنوى للاستثمار: مؤتمرات اقتصادية، وزيارات حكومية، ووفود مستثمرين ومحللين من جميع أنحاء العالم. وهذا العام ليس مختلفا، وإن كان يتميز باهتمام زائد بما يجرى فى مصر نتيجة القرارات الاقتصادية التى اتخذتها الحكومة بدءا من سبتمبر الماضى.
هذه القرارات ــ والمتعلقة بسعر الصرف، وضريبة القيمة المضافة، وأسعار الطاقة، والاتفاق مع صندوق النقد الدولى ــ نتج عنها تحسن فى المؤشرات الكلية للاقتصاد المصرى على نحو ما عبر عنه استقرار سعر العملة، وزيادة الاحتياطى لدى البنك المركزى، وارتفاع معدل النمو. وهذه مؤشرات تهم المستثمرين عموما والأجانب منهم بوجه خاص، كما يطمئنهم ما أعلنته وزارة المالية بشأن تجاوز معدل النمو فى العام القادم نسبة ٥٪‏. 
ولكن من جهة أخرى فإن ذات القرارات نتج عنها زيادة شديدة فى الأسعار، وارتفاع الدين العام الداخلى والخارجى، وارتفاع تكلفة التمويل. ومع استمرار معدل البطالة مرتفعا، والخدمات العامة متدهورة، فإن ما تعتبره الحكومة إصلاحا اقتصاديا صار فى نظر غالبية المصريين انخفاضا فى مستويات المعيشة وعجزا عن تدبير متطلبات الحياة، حتى بعد زيادة الدعم النقدى والمعاشات. 
ولا أظن أن الحكومة غافلة عن ذلك. ولكنها ترى أن هذه الاجراءات المكروهة شعبيا كانت ضرورية ولا مفر من تطبيقها تحقيقا للصالح العام، كما انها تعتمد على أن تؤدى تلك الاجراءات إلى تحقيق زيادة سريعة فى النمو مع بدء إنتاج حقول الغاز الجديدة، وعودة السياحة تدريجيا، وزيادة الاستثمار، واستمرار المساندة الدولية لجهود مصر فى مكافحة الارهاب. وهذا، من وجهة نظرها، كفيل بتغيير دفة الاقتصاد القومى وتحسين أحوال الناس. 
وفى تقديرى أن الحكومة محقة فى أن الإجراءات التى اتخذتها كانت ضرورية ولا مجال لتجنبها أو تأجيلها دون تعريض الاقتصاد لانهيار محقق. ولكن حتى مع افتراض تحقق كل التطورات الإيجابية المتوقعة، فإن النمو الاقتصادى المرتقب لن يؤدى بمفرده إلى تحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية المطلوبة والكفيلة بتحسين مستوى معيشة المواطنين إلا إذا اقترن بسياسات وبرامج تستهدف تحقيق المزيد من العدالة والتوازن فى الاقتصاد القومى. وهذه ليست دعوة للعدول عن القرارات الأخيرة، ولا الرجوع إلى التعايش مع اختلالات عميقة فى مالية الدولة تهدد مستقبل البلد، بل البحث عن توازن سليم بين ما يحقق نموا اقتصاديا سريعا وبين ما يمنح الناس الحد الأدنى من الأمان والعيش الكريم. 
بشكل عملى، فلابد أن يكون التشغيل هو الركن الأهم فى البرنامج الاقتصادى للدولة لأن العمل هو الضمان الاجتماعى الأكثر فاعلية، وهو الحق الطبيعى لكل مواطن، وهو مصدر التنمية المستدامة، وهو أساس الاستقرار الحقيقى فى البلد. ويصعب الحديث عن استقرار ورخاء مرتقب فى ظل معدلات البطالة الحالية والتى اقتربت من ٤٠٪‏ بين الشباب. 
كذلك فلا مفر من زيادة الحصيلة الضريبية كى يمكن الانفاق على الخدمات العامة وعلى البنية التحتية. ومع تقديرى لما تبذله وزارة المالية ومصلحة الضرائب من جهد فى زيادة التحصيل، إلا أن حجم الفجوة التمويلية يحتاج إلى اتخاذ اجراءات أكثر فاعلية لمواجهة التهرب الضريبى، بالإضافة إلى النظر فى زيادات ضريبية جديدة لا تمثل عبئا على الطبقات محدودة الموارد مثل زيادة ضريبة الدخل للشرائح الأعلى وزيادة الضريبة العقارية والحد من إعفاءاتها المبالغ فيها. 
وأخيرا يلزم اعادة النظر فى أولويات الانفاق العام خاصة على المشروعات القومية الكبرى. وأنا لا أختلف مع مبدأ الإنفاق على البنية التحتية من أجل زيادة الطلب، وتوفير فرص العمل، وتحفيز الاقتصاد. ولكن يجب أن نتوقف عند معايير اختيار تلك المشروعات خاصة حينما يترتب عليها إرجاء الإنفاق المطلوب لتوفير ظروف معيشية أفضل لغالبية المواطنين. 
مرحبا بالوافدين إلى مصر بحثا عن فرص استثمارية، ويسعدنى بالتأكيد أن نكون مقبلين على نمو اقتصادى افتقدناه لسنوات طويلة، ولكن دعونا نتذكر أن المعيار الحقيقى لنجاح السياسة الاقتصادية هو ما يحقق الأمان والاطمئنان للمواطنين وليس ما يجود به علينا المحللون من شهادات تقدير. ولنتعلم من دروس بلاد أخرى ومن دروسنا السابقة أن التناقض بين التحسن فى المؤشرات الكلية والتراجع فى مستويات المعيشة نتيجة للغلاء والبطالة هو أكثر ما يهدد استقرار البلد وسلامه الاجتماعى.

 

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved