مليارات الخوف من الثورة لمصادرة عودة مصر؟

طلال سلمان
طلال سلمان

آخر تحديث: الأربعاء 17 يوليه 2013 - 8:00 ص بتوقيت القاهرة

يعيش العرب خارج مصر حالة من النشوة باستعادة «الميدان» ثورته واستئناف المسيرة لتحقيق الأهداف ــ الأحلام التى دفعت بالملايين إلى النزول إلى الشارع، مرة أخرى، حماية لهذا الإنجاز الذى يشكل، فى نظرهم، بداية مضيئة للتاريخ العربى الحديث.

 

لقد فجع العرب، خارج مصر، بمصادرة الإخوان المسلمين الناتج السياسى للانتفاضة الأولى فى بدايات العام 2011 بركوبهم موجتها والتواطؤ مع المجلس الأعلى لقيادة القوات المسلحة المصرية من أجل الفوز بالرئاسة، بعد سلسلة من المناورات والتكتيكات التى طاولت الدستور والانتخابات التشريعية، بحيث تمكنوا من مصادرة القرار السياسى فى مصر عبر استيلائهم، بالحيلة والمخادعة، على مؤسسات الحكم جميعا.

 

لذا كانت أفراح العرب خارج مصر مدوية بعودة الملايين إلى الميدان، اعتراضا على تفرد الإخوان بالسلطة.. ثم جاء النصر الباهر عبر انضمام الجيش إلى حركة الجماهير وتنفيذ قرارها بعزل الرئيس الإخوانى محمد مرسى، أى إسقاط الحكم الإخوانى، وتكليف رئيس مؤقت وتشكيل حكومة لتسيير الإعمال فى الفترة الانتقالية التى تمهد لعودة السلطة إلى من يمثل هذا الشعب العظيم ويجسد القدرة على إعادة بناء «الدولة» فى مصر بما يحقق طموحات «الميدان» الذى قام بدوره التاريخى كحارس للثورة المؤهلة لفتح باب الغد الأفضل.

 

ولأن العرب خارج مصر يتابعون الحركة المباركة المؤهلة لإعادة صياغة مستقبلهم جميعا وليس مستقبل المحروسة وحدها، فقد كانوا يعيشون قلقا على هذه الثورة التى اصطنعتها الجماهير بالأعداد غير المسبوقة لعشرات الملايين الذين نزلوا، مرة أخرى، إلى الميدان وبحجم أسطورى يفوق أعدادهم فى نزولهم المتكرر فى مراحل سابقة، على امتداد الثلاثين شهرا الماضية.

 

●●●

 

كانت مصادر القلق واضحة فى أذهان هؤلاء العرب الذين يتابعون بقلوبهم كما بأفكارهم النتائج المباشرة لإسقاط حكم الإخوان وارتداداتها على مصر، سياسيا ــ بحكم الارتباطات الملزمة والقائمة مع كل من الولايات المتحدة، أساسا، ثم مع العدو الإسرائيلى ــ وبالتالى اقتصاديا، لاسيما وأن الفترة الانتقالية قد كشفت حاجة مصر الملحة إلى المساعدات والمعونات، ولو على شكل قروض، لتجاوز مرحلة «عنق الزجاجة» بكل أبعادها الاقتصادية وانعكاساتها الاجتماعية.

 

ثم، ومن خارج التوقع، توالت المفاجآت على شكل مليارات من الدولارات تدفقت على مصر تباعا من الدول الخليجية: كان بديهيا أن يكون شرف المبادرة معقودا للمملكة العربية السعودية، وقد تلتها بعد ساعات دولة الإمارات العربية المتحدة لتتبعها الكويت بعد يومين، فإذا حوالى 12 مليار دولار تتنزل مطرا على مصر التى أمضى الحكم الإخوانى سنة كاملة يحاول عبثا الحصول على قرض من صندوق النقد الدولى بقيمة الثلث، تقريبا، من مجموع هذه المساعدات غير المشروطة والتى قدمت إلى الحكم الجديد، الذى لم تستقر آلياته بعد، ليس فقط بلا شروط، بل ــ وأساسا ــ من قبل أن يطلب.

 

والمال هو أخطر الأسلحة السياسية، كما يعرف الخاصة والعامة.

 

من هنا فقد تدفقت الأسئلة بالسرعة ذاتها التى تدفقت بها كل هذه المليارات على مصر التى أنقذها ميدانها المعزز بجيشها من قبضة الإخوان، وأبرزها وربما أخطرها السؤال: لماذا الآن؟! وهل اطمأن حكام السعودية خصوصا والخليج عموما إلى الحكم الجديد الذى لما تتكامل ملامحه وان كان عنوانه الأوضح أنه نتيجة «تزاوج» بين الميدان بتوجهاته الواضحة كما أعلنتها شعاراته وهتافات الملايين من جماهيره التى احتشدت فى مختلف المدن والدساكر المصرية من الإسكندرية وحتى الأقصر، وبين القوات المسلحة بقائدها الاستثنائى فى هدوئه المعزز بالابتسام حتى وهو يتخذ قرارات من شأنها تحويل مسار الأحداث والتمهيد لمرحلة جديدة فى التاريخ المصرى، بل التاريخ العربى الحديث، جميعا؟!

 

لماذا الآن وليس بالأمس القريب، خصوصا وان الوجه الاقتصادى للازمة السياسية قد تبدى مكشوفا وانه من فعل فاعل، إذ فجأة ومن دون أسباب مفهومة، تفاقمت الأوضاع المعيشية سوءا: اختفى البنزين والمازوت ونشبت معارك عند محطات الوقود، اختفت أو شحت المواد الغذائية المعروضة بعد رفع أسعارها بقرار إخوانى ثم التراجع منه تحت الضغط الشعبى؟

 

فى الجانب الخفى المتصل بالسلطة جرت مصالحات مشبوهة أو قدمت عروضا بمثل هذه المصالحات مع عدد محترم من أصحاب الثروات الحرام التى كنزوها عبر منحهم مواقع ممتازة من أراضى الدولة أقاموا عليها مدنا بمنشآت سياحية فخمة بأموال لم يكونوا يملكونها وإنما حصلوا عليها بتسهيلات استثنائية وفرها لهم أصحاب السلطة ــ من موقع الشريك ــ بلا ضمانات فعلية.. ولم تكن مصادفة أن بين هؤلاء من وفرت له التسهيلات للسيطرة الاحتكارية على معظم المواد التموينية، وعلى سوق الاستيراد.

 

●●●

 

لا عواطف فى السياسة.. ولم تنبثق مشاعر الإخوة والاندفاع إلى إغاثة الملهوف فجأة من رقادها الطويل إلا بقرار سياسى يصعب الافتراض أن أهل السلطة فى كل من السعودية والإمارات والكويت قد اتخذوه تقديرا لنضال الشعب المصرى وتضحياته من أجل القضايا العربية عموما، وحفظا لكرامة الأمة.. وإلا جاز السؤال: وأين كان ذلك كله قبل عام بل قبل عشرات الأعوام التى عانى فيها شعب مصر ما عاناه من أسباب الضيق وافتقاد الأمان واندفاع أبنائه إلى الهجرة، بأى شروط وإلى أى مكان يقبلهم، حتى لو اقتصرت على تأمين المأوى والغذاء لعائلاتهم؟

 

من هنا توالى طرح الأسئلة التى قد تتخذ شكل الاتهام، أو اقله التشكيك فى أسباب هذا الكرم الحاتمى المفاجئ والذى يتجاوز كل تقدير:

 

هل هو قرار أمريكى، يهدف إلى محاصرة الثورة ومنع تداعياتها السياسية التى يمكن التقدير أنها ستكون غير محدودة وستتجاوز حدود مصر بالتأكيد؟!

 

فالكل يعرف أن «الأمر بالصرف» فى المملكة المذهبة وسائر دول الخليج التى أوجدها الذهب الأسود والغاز الأبيض هى الولايات المتحدة الأمريكية بوصفها صاحب القرار السياسى فى كل هذه المنطقة هائلة الغنى.

 

وهل سبب هذا القرار الأمريكى تأمين استقرار مصر، ولو مؤقتا، بعد «الانقلاب» الذى أطاح حكم الإخوان بشخص محمد مرسى، وحتى لا تكمل الثورة مسارها مستفيدة من انحياز الجيش إليها؟

 

وهل بين ركائز الاستقرار، فى الحساب الأمريكى، تأمين إسرائيل وتثبيت الاتفاقات التى عقدتها عهود سابقة معها ورعاها حكم الإخوان مضيفة إلى نصوصها الحاكمة عواطفه الحارة كما عبر عنها الرئيس الإخوانى المخلوع فى رسالته الشهيرة بصياغتها العاطفية إلى رئيس الكيان الإسرائيلى شيمون بيريز؟!

 

ثم، هل انحازت واشنطن، وبهذه السرعة، إلى «الانقلابين»، كمؤشر لاطمئنانها إلى قدرتهم على ضبط الأوضاع ضمن مخططها لمصالحها فى هذه المنطقة، وعلى رأسها «امن إسرائيل»، وبأكثر مما كان الأمر مع الإخوان، أو بأكثر مما أظهر الحكم الإخوانى قدرته على حفظ هذه المصالح ورعاية دوامها؟

 

استطرادا: هل هذا القرار تعبير عن تقدير أمريكى بأن الإخوان قد فشلوا تماماً وباتوا عبئا على سياستهم ومصالحهم فى المنطقة فتخلوا عنهم بسرعة قياسية، أم أن واشنطن ــ كما يقال عادة ــ تطمئن إلى حكم العسكر أكثر مما تطمئن إلى حكم الإخوان؟

 

أم أنها مصادرة سعودية ــ خليجية، تحت الرعاية الأمريكية، لاحتمالات توجه الثورة نحو تحقيق أهدافها الأصلية فى إعادة بناء مصر ــ بهويتها الأصلية ــ دولة قوية وقادرة ومؤهلة لاستعادة دورها القيادى فى منطقتها العربية (والأفريقية) بزخم الثورة؟!

 

●●●

 

الأسئلة كثيرة بعد، لكن مصدر الطمأنينة هو الثقة بالميدان الذى أثبت انه حاضر، لا يغفل ولا ينام، وان «أهله» جاهزون للعودة إليه كلما رأوا ذلك ضروريا لحماية ثورتهم وتأمينها ضد السرقة والانحراف..

 

وهذا ما يجعل الباب مفتوحا أمام العرب خارج مصر بآمالهم العراض فى المستقبل الأفضل.

 

 

 

رئيس تحرير جريدة « السفير»

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved