«الشيطان يعظ» فى الأزهر!

محمد عصمت
محمد عصمت

آخر تحديث: الإثنين 15 أبريل 2019 - 10:10 م بتوقيت القاهرة

كما لو كنا نشاهد فقرة سخيفة من أحد برامج الكاميرا الخفية بنسخته المصرية الفجة، طلب د. إمام رمضان أستاذ العقيدة بكلية التربية بجامعة الأزهر من الطلاب الحاضرين فى آخر محاضراته «خلع بنطلوناتهم» لكى يحصلوا على تقدير امتياز فى مادته، فاستجاب لعرضه حسب ما يتردد فى الصحف طالبان أحدهما خلع بنطاله بالفعل أمام زملائه، وصوره عشرات الطلبة بموبايلاتهم ورفعوها على مواقع التواصل الاجتماعى، فقامت القيامة وأصبحت الواقعة المشينة فصلا جديدا من ملحمة العبث والتردى الذى نعيشه ويثير غضب الرأى العام ويشعل حملات الاستنكار، دون أن يختفى هذا العبث وذلك التردى من حياتنا!.

أستاذ الأزهر برر ما فعله بأنه أراد أن يتقمص دور الشيطان الذى يحاول إغراء البشر بتحقيق أحلامهم مقابل تقديمهم تنازلات أخلاقية مشينة، وأنه حاول تمثيل تجربة عملية لطلابه، وأنه أمرهم بعد انتهاء تجربته بالتصفيق لمن رفض خلع بنطاله، مؤكدا أنه لم يكن ينوى إعطاء تقدير امتياز لمن يستجيب لعرضه.

كان يمكن لهذا الأستاذ الفريد من نوعه أن يطبق تجربته بعيدا عن البنطلونات والملابس الداخلية لطلابه، وأن يلعب دور الشيطان كما يريد ويعرض عليهم مثلا تنظيف مكتبه أو قضاء طلبات منزله أو تقليد أصوات الطيور والحيوانات الخ، لكنه اختار أسوأ مثل يمكن الاستعانة به، كما أنه لم يخبرنا كيف يمكن أن يطبق تجربته إذا ألقى محاضرته هذه أمام طالبات وليس أمام طلاب؟!

لكن الطامة الكبرى ليس ما فعله هذا الأستاذ، فرئيس جامعة الأزهر د. محمد المحرصاوى بمجرد علمه بالواقعة اتخذ قرارات عنيفة وكأنه يخوض حربا مقدسة ولكن ضد طواحين الهواء، فلم يكتف بفصل د. إمام رمضان والطالبين المتورطين فى الواقعة، ولكنه قرر أيضا عزل عميد الكلية ووكيلها ورئيس قسم العقيدة، على الرغم من أن العميد حقق فى الواقعة ورفع بها تقريرا لرئيس الجامعة، فى نفس الوقت الذى أطلقت قيادات الجامعة تهديدات بتوقيع عقوبات صارمة ضد كل الطلاب الذين أذاعوا فيديو الواقعة على مواقع الإنترنت، ولم يكن ينقصهم سوى توقيع عقوبات على كل مصرى شاهد هذا الفيديو أيضا!

الأستاذ بالتأكيد خالف القانون بتجربته العلمية الشاذة، لكن رئيس الجامعة خرق القانون بقراراته غير العادلة، فكان ينبغى عليه ألا يتجاوز حدود صلاحياته، وأن يكتفى بإحالة هذا الأستاذ للتحقيق والذى كان سيسفر بالتأكيد عن فصله، وأن يضع فى اعتباره قبل فصل الطالبين حداثة سنهما وقلة خبرتهما، وأن يوقع عليهما أى عقوبة صارمة بعيدا عن فصلهما من الجامعة.

أما قراره بخصوص عزل عميد الكلية ووكيلها ورئيس القسم فلا يوجد أى مبرر له على وجه الإطلاق، لأن سبب اتخاذه هذا القرار الذى يتعلق على حد قوله بتقصيرهم فى متابعة العملية التعليمية ينطبق عليه هو شخصيا، وكان الأولى به أن يضرب المثل ويتابع هو بنفسه العملية التعليمية داخل كل المحاضرات، وأن يشمله أيضا قرار الفصل، أو على الأقل كان عليه تقديم استقالته فور إصداره هذه القرارات، لأن تهمة التقصيرــ بمنطقه هو ــ تلاحقه قبلهم كلهم!

كل قرارات د. المحرصاوى مشكوك فى قانونيتها، لكنه اتخذها تحت مبررات براقة وهى حفاظ الأزهر على الإسلام الوسطى، وكأن هذه الوسطية لن تتحقق إلا بهذا العنف الإدارى، وتجاوز اللوائح والقوانين بل والتقاليد الجامعية التى ينبغى أن تتسم بالعقلانية الشديدة وبالروح العلمية وبالبحث والتمحيص.

رئيس جامعة الأزهر يضرب بجوهر هذه الوسطية التى يزعم أنه يدافع عنها عرض الحائط، ويهدر كل التقاليد الجامعية الرصينة، وهو أمر يخصم من رصيد الجامعة ولا يضيف إليها كما يتصور هو ومساعدوه.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved