طوق نجاة

كمال رمزي
كمال رمزي

آخر تحديث: الأربعاء 15 فبراير 2012 - 9:30 ص بتوقيت القاهرة

هل أنقذت «موقعة الجمل» ثورة يناير 2011 من الفشل؟.. يحاول المخرج، أحمد عبدالحافظ، الإجابة عنه فى الفيلم التسجيلى الذى عرضته قناة الجزيرة مؤخرا. وهو، فى سبيل هذا، يلتقى عشرات الوجوه، من الأطياف المشاهدة للوقائع الدامية، لحظة بلحظة، مستفيدا بالمقاطع الأرشيفية البالغة الثراء، التى رصدتها كاميرات الهواة والمحترفين.. ميزة الفيلم أنه يفسح المجال أمام الطرف المهزوم، المعتدى، المأجور، كى يعبر عن رأيه، وأن يحكى الحكاية، من وجهة نظره. وفى المقابل، يفند الحكاية ويرد عليها، إما برواية مناقضة، يرويها آخرون، أو بالصورة، التى هى أصدق من الكلام. صحيح، الفيلم لا يعلن عن موقفه على نحو مباشر، ولكن يضع عناصره، من مونتاج وموسيقى وتصوير، فى سياق يؤدى إلى إقناع المتلقى بالعديد من الأمور، اقتناعا مبنيا على المعلومات والمعرفة، وليس مجرد حماس عابر.

 

يبدأ الفيلم بداية تاريخية ودرامية موفقة: خطاب حسنى مبارك العاطفى، المراوغ، الذى أعلن فيه عن عدم ترشحه للرئاسة، وتمنيه أن يموت على أرض مصر ويدفن فيها. ترك الخطاب أثره الفعال فى نفوس قطاعات طيبة من الشعب، وأحدث بداية انشقاق بين الجماهير الواسعة والثوار الذين أدركوا أن انحناءة الرئيس مزيفة، سيثأر بعدها بلا حدود. الخطاب، بدا كما لو أنه طوق نجاة للنظام.. لكن، فى اليوم التالى مباشرة، وفى تصرف يجمع بين الرعونة والغباء والتخلف، ويعتمد على خيال نابع من غزوات القرون الوسطى، يتمثل فى اقتحام ميدان التحرير، بالجمال والخيول، لتشتيت وتأديب «العصاة».. ومع عرض مسيرة قوات الغزو، يزعم أكثر من شخص، من راكبى الجياد، أنه مع زملائه، لم يقصدوا ميدان التحرير، فقد كانت محطتهم الأخيرة، هى ماسبيرو فقط. ولكن بعض الخيول اندفعت نحو الميدان!.. ويفند الفيلم، بالصورة وشهادة ثوار، أكاذيب ذلك الشخص، وغيره، مثل المحامى الذى يدعى أن الفرسان الخائبين تم التغرير بهم، وأنهم مجرد جهلة، أميين، لا يعرفون أين يقع ميدان التحرير.. ولا يفوت الفيلم تسجيل دور جهاز الإعلام الغوغائى فى مساندة الغزوة البلهاء، فها هو صوت المذيع يعلن «نداء عاجل.. أيها المواطنون المصريون الشرفاء فى كل مكان. إلى كل من له قريب فى ميدان التحرير. من فضلكم اتصلوا بذويكم.

 

أخبروهم أن التليفزيون المصرى أذاع أن هناك معلومات مؤكدة وصلته أن عناصر إثارية تستعد للتوجه إلى ميدان التحرير وهى تحمل كرات مشتعلة من اللهب وتريد إشعال الميدان.. عودوا إلى منازلكم حرصا على سلامتكم وسلامة مصر». ومع صمود شباب الثوار، ومواجهتهم الشجاعة، بأجسادهم، لجحافل البلطجية وراكبى الخيول والجمال، انقلب السحر على الساحر، وحاقت الهزيمة بالغزاة، بل بدت «الموقعة» كما لو أنها طوق نجاة للثورة، ذلك أن الطيبين أدركوا ما تنطوى عليه خطبة مبارك من مخاتلة ترمى لكسب الوقت، وبدلا من نشر وباء الذعر عند الناس، اندفعت الجموع إلى الميدان، للانضمام إلى الثوار.

 

اتخذ الفيلم شكل التحقيق، وهو الشكل الملائم لعمل يرمى إلى الكشف عن المناطق الغامضة، وهو الأمر الذى لم ينجزه الفيلم على نحو واضح، فثمة أكثر من مشهد وثائقى يحتاج لتسليط الأضواء، فالطائرة الهليكوبتر المحلقة فى فضاء التحرير، لمن ولماذا؟ وهناك جنود متشابكو الأيدى، يضعون خوذات حمراء على رءوسهم، يؤمِّنون مرور البلطجية والخيول والجمال.. من هؤلاء وإلى أى جهاز يتبعون؟!.. ربما نجد الإجابة فى فيلم آخر.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved