من مهمات شابات وشباب الأمة العربية

علي محمد فخرو
علي محمد فخرو

آخر تحديث: الأربعاء 13 سبتمبر 2023 - 9:10 م بتوقيت القاهرة

أشفق على أفراد الأجيال العربية الشابة التى عليها أن تحمل المسئوليات الثقيلة التالية بنفس الجهد والجدية لكل منها، وأن تقوم بتلك المهمات فى نفس الوقت وبتوازى فى تلك المسيرة.

فأولا، هناك مهمة متابعة الموجة الحالية التحليلية الناقدة الرافضة والمتعاظمة لحضارة العصر العولمية الحالية المهيمنة. وهى بالطبع فى الأساس حضارة الغرب، وبالأخص الوجه الأمريكى الأوروبى منها.

ثانيًا، وفى نفس الوقت متابعة وكامل المشاركة فى تحليل ومراجعة ونقد وتجديد ما انتقل إلينا من حضارتنا العربية والإسلامية التاريخية.

ثالثًا، متابعة ما يقترح من حلول وعلاجات لأمراض وإشكالات الحضارة العولمية المهيمنة من جهة وما يقترح من حلول وعلاجات لأمراض وإشكالات الحضارة العربية والإسلامية وذلك من أجل الخروج بحلول ذاتية لا تتعارض مع بعض خصوصيات أوضاعنا ولا تفصلنا عن المشاركة فى حضارة العصر المستقبلية.

ويخطئ الجيل العربى الجديد إن ظن أن باستطاعته تجنب الاندماج فى تلك المعارك والمحاولات الثلاث الكبرى.

ولو حاول فإنه سيقضى على إمكانية تحقق الكثير من أحلامه وآماله المستقبلية. وليس فقط عليه أن لا يتجنب خوض تلك المعارك، وإنما عليه أن لا يندمج فيها ويتفاعل معها بنفس الطرق الخاطئة التى مارستها الأجيال التى سبقت: طرق التبعية والتقليد بدلا من الاستقلالية والإبداع، وطرق الشعور بالدونية الفكرية والانبهار الطفولى أمام منجزات الآخرين، ومسارات التعب المبكر والعجز فى منتصفات تلك الطرق. وهى مثالب سببت الكثير من الإخفاق لأفكار طرحت ولأديولوجيات اقترحت، ولاستراتيجيات تبنتها قوى مدنية عربية وبعض من الأنظمة السياسية العربية، ولكنها جميعًا ذهبت أدراج الريح مع مرور الأزمنة وتغير الأحوال.

فى هذه المرة تحتاج الأجيال العربية أن تتجنب تكرار ما أصاب كل ذلك الماضى من أخطاء وأمراض وسوء فهم.

وفى هذه اللحظة تتركز الأنظار على المراجعة الشاملة والنقد العميق الحاد لكل جوانب الحضارة العولمية المهيمنة.

ففى الاقتصاد هناك رفض متنامٍ لمنطلقات حرية الأسواق والاعتماد على ديناميتها الذاتية فى تصحيح أى مسار خاطئ أو أزمة طارئة، وهناك ثورة عارمة على ما آل إليه ذلك من ازدياد مذهل فى غنى قلة من الأغنياء وفى فقر كثرة من الفقراء، وهناك تيار مراجعة للأسس التى قامت عليها الرأسمالية الكلاسيكية وانعطافة نحو إعادة درس الأسس الماركسية وتحليلاتها التاريخية والاقتصادية والاجتماعية والاستفادة منها.

وفى السياسة هناك شكوك ومراجعات ونقد وهجوم حول تاريخ وحاضر وتلفيقات واختطاف الممارسة الديمقراطية السياسية الليبرالية من قبل قوى الدولة العميقة الخادمة لقوى المال والشركات الكبرى والأمن العسكرى والاستخباراتى. ومعه هناك تلميحات بالإعجاب بعدالة النظام السياسى الاقتصادى الصينى الجامع بين المبادئ والممارسات الليبرالية والماركسية.

وفى الثقافة هناك خوف وهلع من غياب المعيارية الأخلاقية والقيمية الدينية ومن جنون ممارسة السرعة المتعاظمة فى السلوك اليومى وفى حركة المكان وفى العلاقات العائلية والاجتماعية.

بالطبع هناك حركة ما بعد الحداثة الرافضة لمبادئ أساسية فى حداثة ما جاءت به ثورات الأنوار الغربية منذ عدة قرون وعلى الأخص مواضيع من مثل حتمية التقدم أو حتمية العقلانية فى الحياة الإنسانية.

وزاد الهلع مؤخرا بعد الردة الأخلاقية المجنونة فى العلاقات الجنسية وفى التلاعب بتسمية الصفات الشخصية الطبيعية والانقلاب على موضوع الجندرية وتشويهه.

اليوم هناك الكثير من الأصوات الغربية الرافضة للمركزية الحضارية الغربية تلك، والتى تظهر الكثير من ممارساتها عبر العديد من القرون بأنها ضلت الطريق وخانت الأمانة وأماتت كل ما هو إنسانى فى الإنسان وكل ما هو طبيعى فى الطبيعة وأوصلت العالم إلى حافة إمكانية السقوط فى الهاوية.

إذا كانت تلك التحليلات والانتقادات قد بدأت منذ زمن طويل من خلال شتى مدارس النظريات النقدية التى تفرعت من مدرسة فرانكفورت الشهيرة، فإن هناك حركة فلسفية اجتماعية جديدة تضيف إلى الثورات النقدية الماضية، ثورة جديدة يقودها باقتدار الفيلسوف وعالم الاجتماع الألمانى هارتموت روزا.

هذه الحركة النقدية أضافت تحليلا ونقدا حادا لسلوكية السرعة المجنونة والنهم غير المحدود فى كل مناحى الحياة اليومية للمجتمعات الحديثة: فى العمل وفى جمع الثروة وفى التعابير الفنية وفى العلاقات الأسرية وفى التواصل الإلكترونى الاجتماعى وفى التوسع التجارى المجنون وفى الاستغلال غير المسئول لموارد الطبيعة وفى التغيير العبثى المتعاظم لكل صراعات الموضة فى الملبس والغناء وكل وسائل الرفاهية.

إنها قائمة طويلة من جنون الاستعجال فى كل شىء ومن جشع الاستحواذ والاستهلاك والتخزين والتنويع لكل شىء فصلها هذا الفيلسوف العالم فى الاجتماع فى كتاب ضخم صدر منذ عدة سنوات تحت عنوان الكلمة المعبرة عن كل تلك السلبيات، كلمة ACCELERATION. وهى كلمة تعبر عن أشكال كثيرة من السرعة وتمظهرات مثيرة عن التعاظم والازدياد النهم العبثى.

ولقد أشرت خصوصا إلى تلك المدرسة فى النظرية النقدية لأننى أعتقد أنها دخلت فى أعمق أعماق الحياة اليومية لحضارة العصر، والتى ستثرى الحركات النضالية الشبابية، خصوصا بعد أن أصدر هذا الفيلسوف كتابه الضخم، كعلاج وتصحيح لمسار الحضارة العصرية السلبى، مقترحا ممارسة ما سماه RESONANCE بمعنى التواصل والأخذ والعطاء والاستجابة لصوت الإنسان الآخر ولصوت الطبيعة وصوت كل الأشياء المادية، وهو ما سألخصه فى مقال قادم.

فى رأيى أن المدرسة الجديدة ليست هى موجهة لأجيال أوروبا وأمريكا فقط، وإنما هى تهم شباب العالم، بما فيهم شابات وشباب هذه الأمة. وفهمهما واستيعابهما جزء ضرورى من التفاعل النقدى العربى مع الحضارة العولمية الغربية الذى أشرنا إليه فى المقدمة.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved