الرافضون للتغيير

جميل مطر
جميل مطر

آخر تحديث: الأربعاء 13 أبريل 2011 - 9:40 ص بتوقيت القاهرة

 خارجون من استفتاء ومقبلون على استفتاء آخر وانتخابات برلمانية ورئاسية ومحلية، ولم نجب بعد عن سؤال بسيط: لماذا يتمسك كثير من المواطنين بآرائهم ومواقفهم بصلابة وعناد ويرفضون تغييرها حتى إذا كانت قائمة على معلومات غير صحيحة أو دقيقة؟
لم أكن أدرى أن السؤال نفسه حاز اهتمام علم السياسة الأمريكى لسنوات طويلة.

أثار اهتمامهم أن الناخب الأمريكى غالبا ما يرفض تغيير رأيه إذا ووجه بوقائع جديدة تثبت خطأ الوقائع التى فى حوزته. أثار اهتمامهم أيضا أنه يرفض بعناد أشد إذا كان الرأى الذى يتمسك به نابعا من معتقداته أو مستندا إليها.

وكشفت البحوث عن أن بعض الناس قد يلوى حقائق لتتلاءم مع معتقداته، أو يفسرها على نحو يناسب هذه المعتقدات فيعيش منكرا وجود حقائق ووقائع بعينها، وأحيانا يفلح فى تكييف نفسه وظروفه لتتناسب مع حالة الإنكار. والأسوأ فى نظرهم هو أن الإصرار من جانب بعض الناس على التمسك بالمعلومات غير الصحيحة، يقودهم إلى أن يقبلوا بسهولة جدا معلومات خاطئة جديدة لا لشىء إلا لأنها متوافقة مع ما يؤمنون به، ولأنها تدعم معتقداتهم وتعيد تأكيد اقتناعهم بها. يعتقد علماء السياسة أن هذا الدعم المتبادل يجعل الناس أكثر اعتقادا فى أنهم على حق وغير مستعدين للاستماع إلى معلومات أخرى تكذب أو تصحح ما يحتفظون به من معلومات.

<<<

يقول علماء النفس، إن ما يزيد الأمر تعقيدا وخطورة هو هذه الطفرة فى المعلومات التى نعيش فى ظلها. صحيح أن الطفرة تمدنا بكميات هائلة من المعلومات الصحيحة والجديدة، ولكنها تمدنا أيضا بالشائعات والمعلومات المشوهة وغير الصحيحة أو الدقيقة، كما تمدنا بتنويعات متعددة للواقعة أو الحقيقة الواحدة. هذا التنوع يزيد من اقتناع البعض من المواطنين بأنهم على حق، وبالفعل لوحظ أنه كلما تعددت تفسيرات الواقعة الواحدة وتنوعت أشكال الحقيقة ازداد بعض الناس إصرارا على رفضهم تصحيح معلوماتهم.

<<<

أجرى جيمس كولينسكى، الأستاذ بجامعة اللينوى بالولايات المتحدة، دراسة على 1000 مواطن أمريكى فى محاول لفهم الظاهرة. وكان باحثون آخرون قد سبقوه إلى التوصل إلى أن الناخبين الذين يفتقرون إلى المعلومات لا يصوتون بينما الناخبون المزودون بمعلومات غير صحيحة هم الأكثر تمسكا بآرائهم واستعدادا للدفاع عنها.

وضع قائمة بأسئلة فى موضوع الرعاية الاجتماعية وطلب منهم الاجابة عنها. أكثر من نصف المبحوثين أوضحوا أنهم واثقون أن إجاباتهم صحيحة بينما اتضح أن 3 % فقط هم الذين أجابوا إجابات صحيحة. المثير فى النتائج أيضا هو أن الأكثر إصرارا على أن إجاباتهم صحيحة كانوا الأقل دراية بالموضوع.

وقد وصف الاستاذ كولينسكى النتائج بأنها تجسد المشكلة العويصة التى تواجه النظام الديمقراطى وبخاصة مشكلة المواطن الذى يرفض تغيير رأيه فى قضية معينة وأن يعدل موقفه حتى لو ووجه بالمعلومات الصحيحة أو الحقائق الجديدة التى قد تكون متناقضة تماما مع المعلومات التى بحوزته أو يعتمد عليها.

أما لماذا يميل الإنسان عادة إلى عدم تغيير رأيه، خاصة إذا كان الرأى مستندا إلى معتقد أو موروث معين، فقد ذهبت دراسة نشرتها مجلة «السلوك السياسى» Political behavior الأمريكية إلى أن الإنسان إذا وصلت إليه معلومة تتعارض مع معلومات عديدة سابقة أو معتقد دينى أو سياسى معين فإنه سيكون من الصعب عليه التخلص من المعلومات السابقة والمتجمّعة لديه أو تصحيحها. يقول الأستاذ نيهال وزميله، اللذان أعدا الدراسة، أن أكثر الأمريكيين رفضوا تصحيح المعلومة غير الصحيحة والشهيرة عن أن صدام حسين احتفظ بأسلحة دمار شامل، بالرغم من أن الأمم المتحدة أثبتت زيف المعلومة وكذبها، وكذلك اعترف بوش نفسه وحكومته بأنهم أخطأوا، واعترف طونى بلير بأنه أساء الفهم.

ويعتقد الباحثان أن هذا الرفض الواسع لتغيير الرأى المبنى على المعلومة الخاطئة يجعل هذه المشكلة واحدة من أعقد مشاكل الديمقراطية. ومن ناحيتنا، أى فى مصر، أتصور أنها قد تصبح أحد أهم المشكلات التى ستواجه عملية الانتقال إلى الديمقراطية فى بلادنا.

<<<

ومع ذلك لم يتسرب اليأس إلى نفوس أساتذة علم النفس والسياسة فى أمريكا وأتمنى ألا نيأس هنا. يعتقدون هناك أن العلاج قد يأتى من خلال تركيز الجهد على بناء الثقة فى النفس. وبالفعل أجريت بحوث كثيرة تأكد من خلالها أن المبحوثين الذين دربوا على زيادة الثقة فى أنفسهم قبلوا بأعداد كبيرة تصحيح معلومات خاطئة كانوا يتمسكون بها.

بمعنى آخر، إذا كنت راضيا عن نفسك فسوف تنصت إلى الرأى الآخر، أما إذا كنت غاضبا أو مظلوما أو مهددا فى رزقك وبيتك وحياتك فلن تقتنع برأى غير رأيك ولن تنصت إلى غيرك، وإذا فرض عليك الإنصات فسيزداد تمسكك برأيك ويشتد عنادك فى رفض الرأى الآخر.

ولعل فى هذا ما يفسر الحملات التى تقودها الفتن المضادة للثورة المصرية. هذه الفتن التى تتعمد الاضطرابات الدائمة والفوضى المستمرة.

لقد أدرك خبراء إشعال الفتن من المصريين والأجانب أن المواطن الذى يشعر بالخطر لن يقبل ببساطة تغيير موقفه أو تعديل رأيه، وبالتالى لن ينغمس فى ثورة هدفها التغيير والإصلاح، بمعنى آخر سيفقد اهتمامه بثورة هدفها تغيير رأيه وتصحيح معلومة أو معلومات لديه... وليس غريبا أن يكون هذا المواطن متعلما أو واعيا سياسيا ليغير رأيه بسهولة، فقد أكدت الدراسات الأمريكية أن الواعين سياسيا والمتعلمين هم أكثر الناس عنادا عندما يتعلق الأمر بتصحيح معلوماتهم وتغيير آرائهم ومواقفهم.

فما بالنا والثورة ناشبة تهدد بتغيير حاضر هؤلاء ومستقبلهم قبل أن تهدد حاضر ومستقبل أى فئة أخرى فى المجتمع.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved