الاحتجاجات الحالية لن تكون كافية.. العصيان المدني هو الحل

من الصحافة الإسرائيلية
من الصحافة الإسرائيلية

آخر تحديث: الأحد 12 فبراير 2023 - 9:35 م بتوقيت القاهرة

على ماذا نقاتل؟ نحن نقاتل على سلطة القانون: قانون عادل، منطقى، متوقع ومستقر لجميع مواطن ومواطنات إسرائيل، من دون فرق فى المكانة السياسية، والإثنية، والطموحات السياسية، أو المصالح الضيقة. قانون يعكس سلّم مبادئ إنسانيا، ليبراليا، متسامحا، ويسمح للإنسان البسيط بالتعامل مع انغلاق السلطات، أو عدوانيتها.
نحن نقاتل على الديمقراطية: ديمقراطية حقيقية تعكس خيار الأغلبية، وليس قمعها؛ توازن بين السلطات؛ فيها إعلام حر وليس إعلاما تابعا؛ فيها دفاع عن حقوق الأقليات والأفراد؛ وتقوم بتوزيع الموارد التى ننتجها بجد بصورة عادلة.
إننا جميعا ــ المشاركين فى الاحتجاجات ومَن يدعمها ــ نتفق على أننا ندافع عن الديمقراطية وسلطة القانون. لكن هذا أيضا هو الوقت للقول بصوت عالٍ وواضح إننا نقاتل على أمر إضافى، جوهرى ومصيرى، بالنسبة إلى إسرائيل، وهو شىء فى صلب رؤية أكثر الأطراف كراهية، هؤلاء الذين يمنحون بنيامين نتنياهو القوة السياسية ويستعبدونه لتحقيق ما يريدون؛ نحن نقاتل ضد الضم.
علينا أن نقاتل ضد الضم. أو بلسان أكثر إيجابية، علينا أن نقاتل من أجل الانفصال عن الشعب الفلسطينى، من أجل تحديد حدود إسرائيل، ومن أجل اتفاق سلام على أساس حلّ الدولتين، ومن أجل الدفع بهذا الحل، حتى من دون الوصول إلى اتفاق.
إن سلطة القانون، والديمقراطية، والانفصال عن الشعب الفلسطينى، ثلاثة أعمدة للفكرة نفسها ــ الرؤية الصهيونية. لم نعد إلى أرضنا بعد 2000 عام فى المنفى لنكون عبيدا فيها لسلطة فاسدة، ديكتاتورية وتمييزية. لم نعد إلى أرضنا كى نسيطر بقوة الذراع على ملايين الأشخاص الذين لا يريدون حكمنا، ولا يشعرون بالانتماء إلى أهدافنا الوطنية. يمكن الافتراض، بدرجة عالية، أن ضم الشعب الفلسطينى سيؤدى، بعد فترة من الزمن، إلى تآكل إسرائيل من الداخل.
إن المعسكر الوطنى الحقيقى اليوم هو هذا الذى يتظاهر بأعداد كبيرة ضد الحكومة. هذا هو المعسكر الصهيونى. فقط دولة فيها أغلبية يهودية صلبة لوقت طويل، يمكن أن تكون الدولة القومية للشعب اليهودى. فقط دولة فيها أغلبية يهودية صلبة قادرة على بناء جماعة قومية، تسمح بإقامة نظام حكم ديمقراطى عادل ومتوقع ومتساو. فقط دولة توجد فيها أغلبية يهودية صلبة تكون قادرة على بناء علاقات شراكة بين الأغلبية اليهودية والأقلية العربية، شراكة فى إمكانات إقليمية واعدة لها علاقة بمستقبل وجود إسرائيل.
المعسكر الصهيونى هو نفسه المعسكر الديمقراطى، هو معسكر سلطة القانون، وهو معسكر المستقبل الذى يستمد وجوده من أساسات الفكر الصهيونى على مدار التاريخ، وهو المعسكر الذى عليه أن يدفع قدما بالانفصال عن الشعب الفلسطينى وتقسيم البلد، بأسرع ما يمكن.
لا يوجد هنا صراع شخصى ضد شخص فاسد، لديه مساعدون طموحون ضد سلطة القانون. لو كانت هذه هى القضية، لكانت الاحتجاجات وحدها ستخيف نتنياهو، وتدفعه إلى تبنّى نوع من أنواع التسوية القضائية التى تؤدى إلى تخلّيه عن الحكم وخروجه من السياسة، من دون أن يتوقف فى سجن «معسياهو». إن الصراع أيديولوجى، مبدئى، جوهرى، ويتطرق إلى القضية التى كانت السبب وراء أغلبية حالات العنف السياسى فى إسرائيل منذ سنة 1967؛ القضية التى أدت إلى مقتل رئيس حكومة، وإلى مجازر يهودية بحق الشعب الفلسطينى، وإلى إلقاء قنبلة بين الجمهور الذى يطالب بالسلام، وإقامة خلية يهودية هددت بإشعال الشرق الأوسط، وعدة حالات «إرهاب» ضد اليهود نفّذها عرب، وحالات عنف كلامى ومادى ضد اليهود.
لذلك، فإن الاحتجاجات لن تكون كافية. الجهات التى تسعى للضم، هى ذاتها الجهات السياسية الأكثر تصميما وأيديولوجيةً وعنفا، من دون ضوابط. من خبرتى الشخصية كقائد منطقة الضفة، وعموما، إن الصراع معها لن يكون ممتعا وراقيا، أو مخففا. تفكيك الديمقراطية وتفكيك سلطة القانون ضروريان للضم، ولذلك، هما مهمان بالنسبة إلى كلٍّ من سموتريتش وروتمان وبن غفير وماعوز وأصدقائهم. لن يتنازلوا عن قدرتهم على تحقيق أهدافهم هنا، والآن.
علينا نحن، المعسكر القومى الحقيقى، المعسكر الصهيونى الحقيقى، أن نفهم أنه ــ ومن دون عصيان مدنى واسع ــ يتضمن تظاهرات كبيرة فى منتصف الأسبوع، وإضرابات واسعة، على الرغم من تكلفتها العالية، لن نكون قادرين على وقف الحكومة وإبعادها عن سياستها المتطرفة والهدامة لمستقبل إسرائيل ومصير المشروع الصهيونى. هدفنا الأول يجب أن يكون وقف التغييرات فى النظام القضائى، ومنع إغلاق هيئة البث العام الجديدة، ووقف الخطوات التى تدفع فى اتجاه الضم فى الضفة. على القيادة أن تضع أمامها أهدافا إيجابية، وتستقطب المواطنين حول هذه الأهداف الواضحة، لتحقيق إنجازات معرفة مسبقا، ثم تنمّى من داخلها بديلا من الحكم ينقذ إسرائيل من المزيج ما بين الفساد والقومية المسيانية.
يائير غولان
عضو كنيست سابق ــ النائب السابق لرئيس هيئة الأركان العامة
هاآرتس
مؤسسة الدراسات الفلسطينية

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved