ما بعد فوز ترامب.. التوازن الجديد

نادر بكار
نادر بكار

آخر تحديث: الخميس 10 نوفمبر 2016 - 9:15 م بتوقيت القاهرة

أثناء دراستى بالولايات المتحدة كنت أحاول فهم طبيعة الصعود المتسارع لنجم ترامب إلى الحد الذى أوصله للمرحلة النهائية من سباق الرئاسة. كنت أسأل الساسة الأمريكيين وصناع القرار سواء زاملتهم أو التقيتهم بشكل عابر.. الآراء كانت مختلفة بعضها يهون من شأن الظاهرة وبعضهم يعزوها لأسباب وجدتها مشتركة ومتكررة.. ثلة قليلة فقط هى التى أفادتنى بالجديد.. قالوا إن ترامب رغم كل فضائحه التى عاينها الأمريكيون يُمثل بالنسبة للكثيرين تغييرا حقيقيا.. ذلك التغيير هو ذاته الذى عبر عنه البعض بكون ترامب دخيلا على عالم (السياسة).. لم يسبق له أن تدرج فى منازلها ولم ينتم يوما بشكل حقيقى لتجمعاتها فى واشنطن

سواء ٌمنها الجمهورى أو حتى المستقل.. الرجل يعنى تغييرا حرفيا بالنسبة لأمريكيين كثيرين سئموا وعود النخبة وتوازنات النخبة ومواءمات النخبة.. ترامب كان بديلا لكل ما يمت لواشنطن بصلة وهى التى مثلت إحباط الأمريكيين فى الداخل على مدار السنوات الماضية.

كلينتون صاحبة الأداء المنطقى، كلينتون عالية التعليم، كلينتون المثقفة كلينتون المحنكة سياسيا كلينتون القادرة على استيعاب أعقد المشاكل التى يواجهها الآن صناع السياسات العامة لم تفز.. بينما فاز باكتساح ترامب غير المنطقى، ترامب الشرس، ترامب العنصرى، ترامب الوقح مع النساء والرجال والدنيا بأسرها..م ن قال إن المنطق السليم ينتصر دائما؟

الكثيرون تفاجأوا لأنه قد تلاشى فى أذهانهم الخيط الفاصل بين ما تحب ان تراه فى الواقع وبين ما هو واقع ٌبالفعل.. وقعت فى الخطأ ذاته ضمن كثيرين حول العالم وأغفلت الاحتمال الآخر رغم ما توافر له من عوامل نجاح حتى ولو كانت ضئيلة وقتها.. عوامل نجاح لم يتنبه إليها العقل اللاوعى عند من رأى استحالة فوز ترامب ــ وكنت أحد هؤلاء ــ للأسباب المنطقية التى ترجح كفة هيلارى.. حسنا من قال إننا حول العالم نتشارك نفس القدر من المنطقية فى التحليل والمعقولية فى الطرح.. من قال إننا جميعا على نفس درجة الرشد؟

ولست مع ذلك أميل إلى فرضية نهاية العالم التى يتناقلها الكثيرون مبشرين بسيناريوهات كارثية خلال فترة ترامب الرئاسية.. أعتقد أنه من زاوية اندلاع الحروب وإمكانية استخدام السلاح النووى مثلا فهذا أمر ٌلا يؤثر فيه وصول ترامب إلى سُدة الحكم.. وليس صحيحا أن بإمكان رجل له سمات ترامب الشخصية ان يضغط يوما على زر ليبيد نصف العالم فى لحظة نزق.. الأمر أعقد من ذلك بكثير جدا.. وما قيل أثناء الانتخابات كان حتميا للتخويف من الرجل تماما كما فعل هو ضد منافسته.

بل إن احتماليات تقاسم النفوذ والتفهم المشترك لحدود مصالح أمريكا وروسيا فى منطقة الشرق الأوسط على سبيل المثال هو السيناريو الأكثر واقعية.. وأحاول هنا ترك مسافة فاصلة بين التمنى وإدراك الواقع حتى لا أكرر الخطأ مجددا.

سيتحول العالم إلى استقطاب أكثر حدة وانغلاقا على الذات أكثر وأكثر وعدائية وشراسة فى مواجهة (الأغيار) أيا كان هؤلاء الأغيار ومهما اختلف تعريفهم من مجتمع لآخر.. لكن فرص اندلاع حرب عالمية بين هذه الجزر المنعزلة أقل من ذى قبل!
مرحبا ًبكم فى عالم يقوده توازن ٌمن نوع جديد.. توازن أقطابه ترامب وبوتين وكوريا الشمالية وإيران والصين!

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved