آثار العقوبات النفطية على إيران

صحافة عربية
صحافة عربية

آخر تحديث: الإثنين 10 سبتمبر 2018 - 9:55 م بتوقيت القاهرة

نشر موقع صحيفة الحياة اللندنية مقالا للكاتب العراقى «وليد خدورى» ــ المتخصص فى شئون الطاقة ــ عن تداعيات انسحاب الولايات المتحدة الأمريكية من الاتفاق النووى الإيرانى وما نتج عنه من فرض عقوبات اقتصادية خاصة على قطاع النفط فى إيران.
تبدأ المرحلة الثانية من العقوبات الأمريكية على إيران فى 4 نوفمبر المقبل. وشملت المرحلة الأولى من العقوبات إنذارا أمريكيا للشركات الدولية المستثمرة فى الصناعات المحلية، أما المرحلة الثانية والأهم اقتصاديا لكل من إيران والاقتصاد الدولى، فموجهة إلى الشركات المستوردة النفط الإيرانى أو المستثمرة فى تطوير الصناعة النفطية.
وبعد القرار الأحادى للولايات المتحدة فى الانسحاب من الاتفاق النووى الذى وقعته إيران مع الدول الخمس الدائمة العضوية فى مجلس الأمن وألمانيا، تباينت مواقف الدول الموقعة، وتعارضت المواقف من انسحاب واشنطن. فبعد الاعتراضات الدولية على سياسة الرئيس دونالد ترامب، ومن ضمنها أسلوب «التغريدات» غير الدبلوماسية، تشكلت ردود فعل متعددة حول سُبل التعامل مع نهج البيت الأبيض.
وطالب ترامب بعدم تحديد أى مهلة زمنية للرقابة على البرنامج النووى الإيرانى، وشمول الاتفاق قيودا على برنامج تطوير الصواريخ الباليستية الإيرانية، إضافة إلى وضع حد للتوسع والهيمنة الإيرانية الإقليمية ووقف نشاطاتها الإرهابية. ورفضت السلطات الإيرانية حتى الآن الاقتراحات الأمريكية بتغيير الاتفاق، ولكن لم تصدر عنها ردود واضحة حول ما هو المطلوب فى ظل الموقف الأمريكى.
وتزامن الإعلان عن حصار نفطى جديد على إيران مع نشوب حركات احتجاجية داخلية وتدهور قيمة العملة الإيرانية أمام الدولار، لتسجل مستويات قياسية متدنية، فى حين قررت شركة «كوزمو أويل» اليابانية عدم تحميل النفط الإيرانى ابتداء من أكتوبر المقبل.
وتفاقم الوضع الاقتصادى الإيرانى خلال فصل الصيف، إذ أعرب متظاهرون عن استهجانهم إنفاق طهران ملايين الدولارات لدعم مناصريها فى بعض الدول العربية بدلا من تنمية إيران. وبثت وكالة أنباء «فارس» خبرا فى 3 الحالى جاء فيه أن المدير العام لأسواق طهران عبدالحسين رحيمى قرر تقنين بيع اللحوم فى العاصمة بسبب «شح السلع»، فى حين تضاعفت أسعار اللحوم خلال سنة.
وبدأت تنمو وتتوسع حركة عالمية داعية إلى الاستغناء عن استعمال الدولار فى بعض التعاملات التجارية الدولية. فى المقابل، برزت تصريحات من جماعات اليمين الجديد والأصوليين المسيحيين الأمريكيين تدعو إلى عدم الاكتفاء بالحصار النفطى، بل تبنى سياسة إزاحة النظام السياسى الإيرانى واستبداله بنظام جديد. وحتى قبل بدء الحصار النفطى، برزت مواقف مختلفة ومتعددة، وبدأت تظهر إلى العلن خلافات داخلية فى طهران، إذ سحب النواب المتشددون فى المجلس الثقة من وزير الشئون الاقتصادية والمالية مسعود كرباسيان، وحملوه مسئولية عدم ردع الانهيار الاقتصادى.
والأمر الأكثر دهشة ضمن مسلسل ردود الفعل المتناقضة خلال الأشهر الماضية، هو استقرار أسعار النفط العالمية ضمن نطاق ضيق جدا يتراوح بين 70 و75 دولارا لبرميل نفط «برنت». وعلى رغم تصريحات المسئولين الإيرانيين وقادة الحرس الثورى المتكررة باستعدادهم لقطع الملاحة عبر مضيق هرمز، فمن الواضح أن الأسواق التى ترصد الانعكاسات الجيوسياسية لهذه النزاعات، تتحرك وتدخل فى المضاربات اليومية فى أجواء كهذه، بحيث ترفع الأسعار إلى مستويات عالية جدا إذا توجست إمكان انقطاع إمدادات نفطية مهمة.
وتمادت الولايات المتحدة فى العقود الأخيرة فى فرض العقوبات الاقتصادية والحصار النفطى على الدول «المارقة»، فارتفعت هذه العقوبات لتشمل نحو بليونى نسمة تقريبا، وبلغ إجمالى الناتج المحلى للدول المستهدفة أكثر من 15 تريليون دولار. ومن ضمن الدول التى شملتها أو التى لا تزال تشملها العقوبات الأمريكية أو الأممية (مجلس الأمن)، روسيا، وايران، وفنزويلا، وكوبا، والسودان، وليبيا، وزيمبابوى، وماينمار، وجمهورية الكونغو الديموقراطية، وكوريا الشمالية، والعراق، وتركيا، وباكستان والصين.
واختلفت أسباب العقوبات بين خلافات حول مصالح سياسية بحتة، واستعمالها جزءا من الصراع السياسى/العسكرى مع الدول المعنية، وعقوبات بسبب انتهاكات حقوق الانسان وارتكاب جرائم ضد البشرية. أما بالنسبة للعشرات من الشخصيات على القائمة السوداء الأمريكية، فالأسباب تشمل تهريب المخدرات، والإرهاب، وتبييض الأموال، وتجارة الأسلحة لمصلحة دول «مارقة».
وأدى الاستعمال المتزايد لهذا العدد من السكان والدول الكبرى، تحديدا الصين وروسيا، إلى مبادرة بعضها لاعتماد نظام مالى جديد للتجارة الخارجية لا يعتمد على الدولار، بل على العملة المحلية. ولا يزال النظام المالى الجديد فى بداياته ويُستعمل فقط على نطاق ضيق، لكن هناك محاولات لدول «البريكس»، التى تضم روسيا والصين والهند والبرازيل وجنوب إفريقيا، لتأسيس نظام للتعاملات المالية الدولية مستقل عن النظام الحالى «سويفت».
ويؤدى استمرار الحصار على الدول الإقليمية والكبرى إلى تبنى وسائل تعامل مالية جديدة فى مجال النفط. وخير مثال موقف الصين من العقوبات الإيرانية، إذ قررت تأسيس سوق مستقبلية فى شنغهاى لتجارة النفط يستخدم «اليوان» بدلا من الدولار. وبهذا، ستحاول الشركات الصينية تفادى العقوبات الأمريكية، كما أن السوق ستتعامل فى بادئ الأمر مع المشتريات الإيرانية وتتفادى الدول الأخرى. ولكن تبقى تجربة الصين مهمة فى حال توسعها مستقبلا، خصوصا وأنها من أكبر الدول استيرادا واستهلاكا للنفط. وتوجد أمثلة كثيرة أخرى لمحاولات استعمال المقايضة (الهند وتركيا)، إضافة إلى اعتماد العملات المحلية لاستيراد النفط من إيران.
وتصدر إيران 2.4 مليون برميل يوميا، بينما أدت العقوبات الدولية المفروضة فى عهد الرئيس السابق محمد أحمدى نجاد إلى تقليص الصادرات إلى 900 ألف برميل يوميا. وبعد عقود من العقوبات، أصبح لدى إيران خبرة فى تفادى جزء من الحصار، ولكن من دون شك ستشكل العقوبات ضربة فى صميم النظام الاقتصادى للبلاد، الأمر الذى عبرت عنه التظاهرات التى عمت البلاد، وليس طهران فقط.
والسؤال الأبرز ما هو رد فعل إيران على العقوبات؟ هل ستقبل بالتفاوض وتعديل الاتفاق النووى؟ أم ستلجأ إلى وسائل عسكرية فى إجابتها بتقييد حرية الملاحة فى مضيق باب المندب، أو إشعال الجبهات العربية المتعددة الواقعة تحت نفوذها؟ وماذا سيكون رد الفعل العسكرى لواشنطن وحلفائها؟ فعلى ضوء هذه القرارات، وطبيعة الردود عليها، ستأخذ أسعار النفط منحى جديدا سيعكس الأعمال العسكرية، بدلا من التصريحات الكلامية.

الحياةــ لندن

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved