دروس دولية فى الإصلاح الصحى

علاء غنام
علاء غنام

آخر تحديث: الخميس 10 مايو 2018 - 12:15 ص بتوقيت القاهرة

حلقت طائرة الإصلاح الصحى فى مصر فى مرحلتها الرابعة بعدما توقفت فى ثلاث مراحل سابقة (منذ عام 1999 إلى عام 2011) بصدور قانون التأمين الصحى الشامل وموافقة مجلس النواب عليه، وتصديق رئيس الدولة فى يناير الماضى.

وأصبحت الدولة أمام تحديات الواقع الصلب لتنفيذ القانون وخطة الإصلاح المرحلية من خلاله. وتواجه قيادة القطاع الصحى الآن ــ متمثلة فى وزير الصحة وفريقه وباقى الوزارات المعنية فى الحكومة ــ مهام جسيمة وصعوبات كبيرة فى عمليات التنفيذ الفعلى للقانون، والتى من أبرزها توفير البنية التحتية اللازمة والقوى البشرية خاصة ما يتعلق بوضع وحدات ومراكز الرعاية الأولية والمستشفيات العامة المملوكة للدولة وتجهيزها لتصبح على أهبة الاستعداد لتنفيذ القانون فى إقليم قناة السويس وشمال وجنوب سيناء وتأهيلها لمستوى الاعتماد التأسيسى للتعاقد مع صندوق التأمين الصحى إضافة إلى البدء فى تأسيس ثلاث هيئات جديدة للتمويل والرعاية الصحية والرقابة والجودة وتشكيل مجالس إداراتها وأماكن عملها إضافة إلى توفير الموارد المالية اللازمة لبدء التنفيذ كدعم لغير القادرين من الخزانة العامة ومن اشتراكات الفئات القادرة وهى تحديات كبرى تستلزم تضافر كل الجهود ولذا نعرض بعض الدروس والتجارب الدولية فى عمليات الإصلاح ربما تضىء الطريق أمام فرق التنفيذ التى يقودها وزير الصحة والتى يجب أن تتحلى بروح قيادية خاصة ورؤية ومبادرة تختلف تماما عن آليات العمل التقليدية للبيروقراطية المصرية العريقة التى ليست مؤهلة بطبيعتها لقيادة مبادرة كبرى مثل تلك التى نحن بصددها الآن.


تجربة من شيلى

انتهى نظام حكم بينوشيه فى عام 1989 وحافظت نظم الحكم من بعده على نموذج الليبرالية الاقتصادية ذات المسئولية الاجتماعية حيث خصصت اعتمادات مالية أكبر للصحة ورسخت سياسات عامة جديدة لتخفيض مستويات الفقر ومحاولة تحسين مستويات المعيشة لسكان شيلى وخصوصا الفئات محدودة الدخل ومنذ عام 1999 بدأت اتجاهات يسار الوسط فى قيادة البلاد عبر مبادرات لزيادة الالتزامات المالية فى مجال الصحة بشكل ملموس فارتفع الإنفاق الصحى الإجمالى فى عام 1997 إلى ما يقارب 3.6 مليار دولار أمريكى نحو ثلثا هذا الرقم يمثل الإنفاق العام. وبلغ الإنفاق الإجمالى على الرعاية الصحية نسبة 5.2 % من الناتج الإجمالى المحلى وبلغ متوسط نصيب الفرد فى الإنفاق الصحى 303 دولارات سنويا محسوبا على أساس سعر تغيير العملة الرسمى.

وفى عام 2004 أطلقت الحكومة مرحلة الإصلاح الصحى الأساسية بخطة سميت (إيجى) ركزت على أولوية قضية الإنفاق العام الصحى مع التركيز على تحسين منشآت المستشفيات العامة وزيادة القدرة على الوصول إلى خدمات الرعاية الأولية وقام رئيس الدولة بحكم كونه دارسا للطب بتقديم خدمات كبرى لتحسين الرعاية الصحية الكاملة فزاد بشكل قوى من ميزانية الرعاية الصحية على سبيل المثال زادت ميزانية المستشفيات العامة والمعدات الطبية بنسبة 106% بين عامى 2006 و2007 من أجل تحقيق هدف مستشفى واحد لكل 34000 مواطن، كما زادت ميزانية الرعاية الأولية فى 2007 بنسبة 16% واتسمت السياسة الصحية من بعده بابتكارات كبرى شملت تطوير الخطة الصحية (إيجى) أو خطة الوصول الشامل للرعاية الصحية مع ضمانات صريحة للتنفيذ ماليا، وعملت تلك الخطة على توفير الموارد البشرية اللازمة عبر تكامل القطاع العام والخاص فى القطاع الصحى كما اعتمدت الخطة على تطوير بروتوكولات حازمة يستخدمها الأطباء عند معالجة الحالات لتخفيض التكلفة.

والواقع أن خطة الإصلاح المذكورة اعتمدت على إرادة سياسية عالية وعدة ضمانات للوصول للخدمة وضمان الفرص للرعاية الفورية التى تنهى قوائم الانتظار كما تم تحديد المسئولية المالية للمشاركة فى الدفع طبقا لشرائح الدخل وطبقا لما حدث وقتها فإن تنفيذ الخطة كاملا لكل السكان بعد ذلك أدى إلى انخفاض التكلفة الطبية إجمالا لتحديد عدد الفحوصات وأنواعها التى يطلبها الأطباء لكل مرض (للحد من خلق طلب مزيف وتسليع للخدمة مبالغ فيه) إضافة إلى تحسين الإحصائيات الطبية الأساسية مما ساهم فى زيادة إنتاجية المواطن كما لجأت الحكومة إلى تمويل جزئى من الخطة من الرسوم غير المباشرة على الكحوليات والتبغ وبعض الخدمات والسلع الأخرى الكمالية وأسست أيضا صندوق للتضامن سحبت موارده من القطاع الخاص الطبى.

وعلى الرغم من معارضة الجمعية الطبية فى شيلى لهذه الخطة وبعض ممثلى مقدمى الخدمات فى القطاع الخاص فإنها استمرت، كما عارضها أيضا الأطباء لأنها تضع ضوابط على الممارسة والقرار الطبى بهدف احتواء التكلفة.

وبررت الحكومة اندفاعها فى تنفيذ الإصلاح على الرغم من الانتقادات فى رؤية (أن مشكلة اليوم للقطاع الصحى المنهار هى مشكلة الغد ولكن فى صورة أسوأ) إذا لمن نبدأ فى الإصلاح فورا وطبقا لتقديرات الحكومة فإن التكلفة المتوقعة للبرنامج سوف تزيد 4 أضعاف فى عام 2020 إذا انتظرنا مع التسليم بحقيقة أن شريحة السكان فوق الـ60 عاما سوف تزيد إلى نسبة 11.4 % من إجمالى السكان وأن 7.4 منهم هم الأفقر فى المجتمع ولن يستطيعوا دفع أى اشتراكات فى النظام

***

وفى الخلاصة تعتبر شيلى اليوم بلدا ناميا ناجحا نسبيا يتمتع ببعض الاستقرار المالى ودين خارجى محدود وتضخم مقبول وفائض فى ميزان المدفوعات ﻻ بأس به وصل إلى 6% من الناتج المحلى وتمتلك الخطة (إيجى) إمكانية تقديم رعاية علاجية لنحو 80% لأكثر الأمراض خطورة فى البلاد لكن لا زالت إمكانية تقديم رعاية صحية فى الريف تمثل تحديا حقيقيا لهم. وتبدو الحكومات المتتالية هناك ملتزمة بالعمل على تخفيض معدلات الفقر وتحسين صحة المواطنين إضافة إلى البرامج الاجتماعية الأخرى للدعم الموجة نحو خلق مجتمع عادل إلى جانب الحاجة لمراجعة الأخطاء باستمرار وعمل المزيد من الإصلاحات على الرغم من أن نحو 80% من النفقات الصحية الآن هناك أصبحت من الإنفاق العام حقيقة واقعة وأصبح من الممكن حل مشكلة الفروق الصحية بين الريف والحضر وأصبحت أهداف التضامن والعدالة واضحة فى السياسات العامة.

هذا درس يحمل ما يحمل من الإيجابيات والسلبيات ﻻ نريد استنساخه بالطبع ولكن الاستفادة منه ونحن نتحرك الآن فى مرحلة الإصلاح الحالية لتنفيذ قانون التأمين الصحى الشامل.

 

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved