قراءة فى تاريخ الأحزاب السياسية فى مصر (3) 1907 عام الأحزاب

عماد أبو غازي
عماد أبو غازي

آخر تحديث: الجمعة 10 مايو 2013 - 9:08 ص بتوقيت القاهرة

يعتبر المؤرخون الذين درسوا تاريخ الأحزاب السياسية فى مصر عام 1907 عاما للأحزاب، فقد شهد ذلك العام موجة من موجات تأسيس الأحزاب فى مصر جعلته يحتل المرتبة الأولى من حيث عدد الأحزاب التى تأسست فيه، ولم يتراجع عام 1907 عن المرتبة الأولى إلا بعد ثورة 25 يناير 2011 التى أعقبها تأسيس عدد من الأحزاب غير مسبوق فى التاريخ المصرى.


ففى هذا العام تحولت ثلاثة تيارات سياسية كانت تعبر عن نفسها من خلال الصحافة إلى أحزاب سياسية؛ فأسس مجموعة من كبار ملاك الأراضى الزراعية وكبار رجال العائلات وبعض رجال السياسة والقانون والصحافة حزب الأمة فى 21 سبتمبر سنة 1907، وكان من أبرز قادته ومفكريه أحمد لطفى السيد مُصدر جريدة «الجريدة»، كما شارك فى تأسيسه محمود باشا سليمان وعلى شعراوى باشا وعبد العزيز فهمى بك وحمد الباسل بك وحسن صبرى بك ومحمود عبد الغفار بك وأحمد فتحى زغلول، وكان حسن باشا عبد الرازق هو الذى أعلن تأسيس الحزب فى اجتماع الجمعية العمومية لشركة الجريدة، وقد تبنى الحزب الفكر الليبرالى ورأى أن الارتقاء بالتعليم وبناء ديمقراطية على أساس من النظام الدستورى الطريق الوحيد لتحقيق رقى مصر واستقلالها.

 

وبعدها بأشهر قليلة أسس الشيخ على يوسف صاحب جريدة «المؤيد» مُصدرها حزب الإصلاح على المبادئ الدستورية فى 9 ديسمبر من نفس العام، وكان حزبا مواليا للخديو عباس حلمى الثانى ومؤيدا له، وقد انتهى الحزب بوفاة مؤسسه سنة 1913.

 

أما مصطفى كامل صاحب جريدة «اللواء» فأعلن عن تأسيس الحزب الوطنى فى 27 ديسمبر سنة 1907، الحزب الوطنى الذى كان اسما يطلق على التيار المعادى للاحتلال قبل تأسيس الحزب، هذا وقد اعتبر حزب مصطفى كامل قضية الاستقلال الوطنى همه الأول وإن كان قد تبنى أيضا الدعوة إلى الدستور، وتطورت مواقف الحزب فيما بعد وفاة مصطفى كامل فى 10 فبراير سنة 1908، فاكتسبت أبعادا اجتماعية فى ظل زعامة محمد فريد فبدأ يهتم بالنقابات العمالية والتعاونيات ومدارس الشعب وغيرها من المشروعات، وقد اضطر فريد لمغادرة البلاد إلى منفاه الاختيارى بين تركيا وسويسرا وألمانيا، لكنه ظل زعيما للحزب حتى وفاته فى نوفمبر سنة 1919.

 

وقد سبق الإعلان عن تأسيس الأحزاب الرئيسية الثلاثة فى تلك التجربة التى تعاد الثانية بين التجارب المصرية فى التعددية الحزبية، تكوين الحزب الوطنى الحر فى 26 يوليو من عام 1907، وكان هذا الحزب الذى أسسه محمد وحيد بك الأيوبى حزبا مواليا للاحتلال البريطانى، وقد اختار جريدة «المقطم» التى كانت تعتبر بمعنى ما لسان حال سلطات الاحتلال فى مصر، ليعلن من خلالها برنامجه، وقد علقت صحيفة الديلى تلجراف اللندنية على قيام الحزب بقولها: «إن هذا الحزب الحر قد قام لمناهضة مصطفى كامل فى حملته ونمائمه، ولدفع الضرر الذى لحق من تلك الحملة بمصالح مصر وبمبدأ الحرية»، فى إشارة إلى حملة مصطفى كامل فى الداخل والخارج ضد سياسة الاحتلال، خاصة بعد حادثة دنشواى التى وقعت فى صيف 1906، وقد تغير اسم الحزب فيما بعد إلى حزب الأحرار بعد أن أصدر جريدة تحمل هذا الاسم فى عام 1908، وقد انتهى هذا الحزب فى أغسطس من عام 1910 بعد أن أدين مؤسسه فى قضية تبديد أموال وحُكم عليه بالسجن لمدة شهرين.

 

وشهد عام 1907 أيضا تأسيس الصحفى حافظ أفندى عوض لحزب سياسى حمل اسم الحزب الوطنى، وقد نشر برنامجه فى جريدة المؤيد التى عمل فيها لمدة عشر سنوات، وكان برنامجه يتحدث عن التعاون مع سلطات الاحتلال، وقال فيه: «إننا رجال الحزب الوطنى نعتقد أن مصالح مصر وإنجلترا واحدة»، ويبدو أن حزبه كان حزبا على الورق فقط، وقد انضم فى يناير عام 1908 بعد تأسيس مصطفى كامل للحزب الوطنى الحقيقى إلى حزب الإصلاح على المبادئ الدستورية، كذلك تأسس فى ذلك العام حزب صغير حمل اسم الحزب الجمهورى دعا إلى إنهاء حكم أسرة محمد على، أسسه مجموعة صغيرة العدد من الصحفيين والمثقفين، وكان هذا الحزب يرى أن النظام الجمهورى أقرب النظم إلى مبادئ العدل والإنصاف، ولم يستمر هذا الحزب فى الوجود طويلا واختفى من الوجود.

 

وفى الأعوام التى تلت عام الأحزاب عام 1907، تأسست فى مصر مجموعة أخرى من الأحزاب نعرف منها الحزب المصرى الذى أسسه أخنوخ فانوس فى سبتمبر سنة 1908، ونشر برنامجه فى صحيفة المقطم، وتقوم فلسفته على محاولة الحصول على استقلال مصر عن طريق الصداقة مع إنجلترا وكسب ثقة الإنجليز، ولم يعش هذا الحزب طويلا ولم يترك أثرا فى الحياة السياسية.

 

ومن الأحزاب الأخرى التى ظهرت على الساحة ولم تستمر طويلا فى الأعوام التى سبقت الحرب العالمية الأولى حزب العمال الذى تأسس فى يوليو سنة 1908 وأسسه الصحفى محمد أحمد، وحزب النبلاء الذى تأسس فى أكتوبر 1908، والحزب الاشتراكى المبارك الذى رأسه الدكتور حسن فهمى جمال الدين وتم الإعلان عن تأسيسه فى أكتوبر 1909، وتضمن برنامجه تحسين أحوال الفلاحين ومنح معاشات للعجزة والمرضى منهم وتنظيم العلاقة بينهم وبين كبار الملاك.

 

وفى سنة 1910 تأسس حزب جديد من الأحزاب الموالية للإنجليز باسم الحزب الدستورى، أسسه إدريس راغب، وانتهى وجوده فى عام 1911.

 

لقد نجحت الدراسات التى قام بها مؤرخون أجانب ومصريون حول تطور الحياة الحزبية فى مصر فى إجمالها، ومن أهمها دراسات جاكوب لاندو والدكتور يونان لبيب رزق والدكتور محمود متولى فى رصد كثير من الأحزاب من خلال تتبع برامجها وأخبارها المتفرقة فى الصحف، لكن يبدو أن معظم أحزاب تلك المرحلة كانت مجرد برامج وأخبار فى الصحف باستثناء الأحزاب الثلاثة الرئيسية، حزب الإصلاح على المبادئ الدستورية وحزب الأمة والحزب الوطنى الذى أسسه مصطفى كامل، بل ربما نستطيع القول إن هذه المرحلة انتهت إلى تيارين رئيسيين: تيار الحزب الوطنى وتيار حزب الأمة امتد تأثيرهما إلى مرحلة ما بعد الحرب العالمية الأولى.

 

وخلال الفترة من عام 1907 حتى عام 1918 كان الحزب الوطنى اللاعب الرئيسى فى الساحة السياسية المصرية، لم يفقد قوته برحيل زعيمه مصطفى كامل، بل استمر وتطور فى ظل زعامة محمد فريد، ولم يتوقف بمغادرة فريد للبلاد بل استمر نشاطه فى الداخل والخارج، بل حتى لم تستطع الحرب العالمية الأولى أو الأحكام العرفية والمصادرات المتوالية لصحفه من قبل السلطة من إخماد صوته، واتجاه بعض شبابه إلى العمل السرى المسلح ضد الاحتلال، بل لجأ بعضهم إلى تنفيذ محاولات لاغتيال السلطان حسين كامل وبعض رجاله.

 

وعندما انتهت الحرب العالمية الأولى كان الحزب الوطنى الحزب الوحيد الذى استمر بمسماه وهياكله وبرنامجه إلى أن تم حل الأحزاب السياسية فى يناير 1953.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved