وقالت اللافتات نعم

أشرف البربرى
أشرف البربرى

آخر تحديث: الأربعاء 10 أبريل 2019 - 10:35 م بتوقيت القاهرة

مشوار قصير فى أى شارع من شوارع القاهرة المحروسة، سيكون كافيا لكى يصل المرء إلى قناعة تقول إن «مصر قالت كلمتها» وأيدت التعديلات الدستورية التى لم يتم إقرار صيغتها النهائية حتى الآن، فجدران البيوت وأعمدة الإنارة والشوارع والساحات الخالية تفيض بمئات الآلاف من لافتات «التأييد والمبايعة للتعديلات الدستورية»، بما لا يدع مجالا للشك فى أن نتيجة الاستفتاء ستكون موافقة بأغلبية ساحقة على التعديلات ما دامت المحال التجارية والشركات واللجان النقابية والمقاهى والمطاعم والأحزاب السياسية أعلنت عبر هذه اللافتات «تأييدها ومبايعتها» للتعديلات.

وإذا كان «تأييد» التعديلات الدستورية كما تقول اللافتات طبيعيا ومنطقيا، فإن «مبايعة» هذه التعديلات ليست كذلك، لكن العهدة على أصحاب اللافتات الذين أعلنوا بكل الحب «نؤيد ونبايع التعديلات الدستورية».

هذا التأييد الكاسح من جانب «اللافتات» التى جاءت بمختلف الأشكال والأحجام لتعبر عن جميع طبقات الشعب سواء ذلك الذى لا يملك إلا التعبير عن التأييد بلافتة واحدة صغيرة بسيطة، أو ذلك الذى يملأ ميدانا كاملا باللافتات، يؤكد الثقة الشعبية المطلقة فى التعديلات حتى قبل أن يقرأها الشعب، أو يعرف محتواها.

مشهد شوارع وميادين مصر، الغارقة فى لافتات التأييد لتعديلات لم يتم إقرار صيغتها النهائية يعنى أننا أمام أحد صنفين من المؤيدين، إما «مؤيدون بالفطرة» أى جاهزون دائما لتأييد أى شىء فى أى وقت وبالتالى لا يحتاجون إلى قراءة التعديلات أو حتى انتظار صيغتها النهائية باعتبارهم «مؤيدين.. مؤيدين»، وإما «مؤيدون بالقوة» وهؤلاء أيضا لا يحتاجون إلى معرفة ما سيؤيدونه ما دام المطلوب منهم فى كل الأحوال إعلان التأييد وإغراق الشوارع بإعلاناته.

ولما كانت «لغة الشوارع واللافتات» أصدق من «لغة العيون والصناديق» فقد يرى البعض أن دعوة الناخبين إلى التوجه لمراكز الاقتراع على مدى يومين أو ثلاثة للإدلاء بأصواتهم وإعلان رأيهم فى التعديلات الدستورية التى قد لا يقرأونها قبل موعد التصويت، هو أمر لا ضرورة له ولا جدوى منه لأن اللافتات قالت كلمتها وكلمة الشعب لصالح التعديلات.

طوفان اللافتات المؤيدة الذى اجتاح شوارع وميادين مصر فى الريف والحضر قبل إقرار الصياغة النهائية للتعديلات الدستورية، ينطوى على «خطأ إجرائى» بسيط يفتح الباب أمام ضعاف النفوس الذين يشككون فى كل خطوة تخطوها مصر نحو الأمام وفى كل حركة تقربها من «الكمال الديمقراطى» لكى يقولوا إن التعديلات ستمر، كما يمر السكين فى الزبد، عند طرحها للاستفتاء بغض النظر عن موقف الناخبين، وأن من يستطيع إغراق البلاد والعباد بكل هذه اللافتات قادر على الخروج بنتيجة «نعم» كبيرة فى مراكز الاقتراع.

كما يفتح هذا الطوفان الباب أمام المشككين فى كل شىء لكى يقولوا إن التعديلات جاهزة منذ البداية، وأن أى جلسات نقاش أو حوار حولها، ليست سوى شكليات لن تؤدى إلى أى تغيير فيها.

كان على أصحاب قرار إطلاق موجة الدعاية للتعديلات الدستورية، كبح مشاعرهم الوطنية ورغبتهم الصادقة فى الترويج لهذه التعديلات التى لا تستهدف إلا ضمان «مستقبل أفضل» لمصر وترسيخ أقوى لأسس الديمقراطية، وينتظروا حتى ينتهى نواب الشعب من واجبهم ويقروا التعديلات الدستورية بصيغتها النهائية وطرحها للاستفتاء حتى نضمن على الأقل استكمال «الشكل» فى عملية تعديل الدستور.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved